شاهد: شبيحة وصلوا إلى القرية قبيل الحادث

مذبحة القبير تفقد الأسد بقايا إنسانيته

المذبحة الآثمة أثارت ضجة عالمية. رويترز

أعادت المذبحة الأخيرة التي وقعت في قرية القبير في ريف حماة، وما أحدثته من أصداء وإدانات دولية واسعة، الشأن السوري إلى صدارة الأحداث، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل وعالمياً. ومن أسرع الإدانات الدولية وأهمها لهذه المذبحة تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والمبعوث الأممي والعربي المشترك كوفي أنان، حيث قال كي مون إن أي نظام أو زعيم يتساهل في مثل هذا القتل للأبرياء يكون قد فقد جوهر إنسانيته، وإن قرية القبير كانت مطوقة على ما يبدو من القوات السورية، وجثث الأبرياء كانت ممدة على الارض، وتم إطلاق النار عليهم، وبعضهم أحرق أو تم تقطيعه بالسكاكين، بينما طالب أنان بمستوى جديد من العمل الدولي لوقف العنف في سورية.

ويضيف كي مون: «يبدو أن كل يوم يمر يجلب معه إضافة جديدة الى قائمة الفظائع الوحشية، وأنه بات واضحاً منذ أشهر عدة أن الرئيس السوري بشار الاسد وحكومته قد فقدوا كل شرعية». وتأتي مذبحة القبير التي راح ضحيتها نحو 100 شخص لتمثل أحدث حلقة في سلسلة من المذابح، كانت آخرها مذبحة الحولة في منطقة حمص الاسبوع الماضي، بينما تشير كل المؤشرات إلى أن المذبحتين ما هما إلا مقدمة لأشياء أخرى مقبلة، وليستا نوبتين نهائيتين في نزاع تسبب حتى الآن في مقتل نحو 15 ألف شخص. وبعد المقارنة بين اسلوب تنفيذ المذبحتين يخلص مراقبون إلى انه إذا تكرر هذا النموذج، مع تأكيد طبيعته الانتقامية، فإن أسلوب الحرب الاهلية اللبنانية قد يكون بدأ في سورية، ويجب ألاّ يكون رد الفعل بإعلان موت خطة انان، حتى ولو كانت في طور الاحتضار، بل بتشديد الضغط على روسيا والصين للمساعدة في فرض هذه الخطة، وتعزيز فرص نجاحها.

ويرى خبراء إعلاميون أن سورية ليست مثل السودان أو ليبيا، إذ ليس ثمة مصالح نفطية للصين فيها، ولن تربح الصين شيئاً من حرب أهلية في سورية، كما ان روسيا لن تربح الكثير من تدمير خطة انان للسلام، وأن خيارات عدم فعل شيء أو التدخل العسكري بتفويض من الامم المتحدة أو من دونه ستؤدي الى النتيجة ذاتها، وهي حرب طويلة، بنتيجة غير حاسمة، وربما تقود الى تفكك سورية، إذ إنه مع تعمق العنف الطائفي يجب على روسيا والصين أن تسهما في فرض الخطة، لتجنب حرب أهلية دموية طويلة.

ويؤكد كي مون أن الشعب السوري ينزف دماً بشكل يومي ويزداد غضباً، ويريد العيش بسلام وامان وكرامة، وان جرائم ضد الإنسانية قد يكون تم ارتكابها، ولابد من القبض على القتلة وتقديمهم إلى المحاكمة ومحاسبتهم، مشيراً الى انه تم اطلاق النار على المراقبين الدوليين لدى محاولتهم دخول قرية القبير التي شهدت المذبحة لمعاينة الوضع على الطبيعة، في وقت تحدث مراقبون عن ازدياد التوترات الطائفية.

وتم توجيه الاتهام على نطاق واسع الى ميليشيات الشبيحة الموالية للنظام بشأن ارتكاب مجزرة الحولة، بينما أصر كثير من السوريين على أن معظم عناصر تلك الميليشيات هم من العلويين الذين ينتمي إليهم الاسد ومعظم مساعديه المقربين.

من جانبه، حث أنان أعضاء مجلس الأمن الدولي على تكثيف التعاون والعمل المشترك لإنجاح خطته المكونة من ست نقاط، بينما نبه وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الى ان الخطة أنان تواجه مشكلات خطرة، وان سورية تقف على أعتاب فصل جديد ذي طابع طائفي وأكثر دموية من ذي قبل.

وقال إن تلك الخطة لن تظل قائمة الى ما لا نهاية، وإن الصورة الاجمالية للوضع في سورية هي اقرب الى صورة البوسنة في التسعينات منها الى صورة ليبيا خلال العام الماضي. من جانبها، قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون، إن بلادها مستعدة للعمل والتعاون مع روسيا لتنفيذ خطة تتضمن تنحي الأسد عن السلطة.

وقال رجلان ممن شاهدوا مذبحة القبير إن بعض عناصر الشبيحة ممن يعرفونهم جيداً قاموا بجولة في صفوف القوات الموالية للنظام، قبل دقائق من بدء عمليات القتل التي بدأت بعد التمهيد لها بقصف بالدبابات، كما كانت الحال في مجزرة الحولة في 25 مايو الماضي، وان معظم الضحايا كانوا من النساء والأطفال. وقال أبوهشام الحموي، وهو من أهالي حي المزرعة في الضواحي البعيدة للقبير، إنه شاهد رجال الشبيحة من القرى العلوية القريبة يمرون من أمام بيته في طريقهم الى القبير، قبل بدء الهجوم عليها. واضاف «أعرف بعضهم باسمائهم من المدرسة، وأعرف أسماء قراهم وبلداتهم، إنهم الشبيحة وليس لدي أدنى شك في ذلك». وأضاف الحموي أن حي المزرعة لم يكن منطقة نشاط سياسي على مدى الأشهر الـ16 الماضية، ولم تكن من معاقل الجيش السوري الحر، إنها مجتمع زراعي، وليس لأهلها اهتمامات غير الزراعة والحياة المتصلة بها، إنهم أناس فقراء وبسطاء، وعدد كبير منهم رعاة ماشية، ولم يتبق منهم بعد المذبحة إلا أعداد قليلة. وأشار الى انه «قبل المذبحة لم تكن بيننا وبين اهالي القرى العلوية القريبة مشكلة، ولم تحدث بيننا توترات، وإنها المرة الاولى التي يشن الجيش هجوماً على منطقتنا». وقال شاهد ثانٍ، لم يرغب في ذكر اسمه، إن إطلاق النار على البلدة بدأ في الثانية بعد الظهر لمدة نصف ساعة، وبعد توقف لمدة 15 دقيقة بدأت جولة ثانية من إطلاق النار، وإن 25 من منازل القرية تعود الى عائلة علوية واحدة، وانه تم إحراق عدد من المنازل، وحاول أصحابها الهرب، لكن تم إطلاق النار عليهم في بساتين الزيتون.

وقال شاهد ثالث، يدعى ليث الحموي، إنه شاهد تفاصيل الهجوم على القرية من على بعد 800 متر، وسمع هدير الدبابات القادمة من قرى علوية، مثل عسيلة والبيات والسكينة «كنت أعرف بعض عناصر الشبيحة معرفة شخصية». ونفت الحكومة السورية مسؤولية قواتها عن المذبحة الجديدة، وألقت باللوم على ما وصفتها بـ«جماعات إرهابية» تناور قواتها وتقوم بذبح المدنيين، غير أن شهوداً شككوا بقوة في صحة هذا الموقف، وقالوا إنهم لم يشاهدوا أي متطرفين في المنطقة، وإن أحداً لا يمكنه الدخول، بسبب الحراسة الأمنية المشددة على القرى العلوية والوجود الكثيف لقوات النظام.

تويتر