تل أبيب تغاضت عن تصرفات نظام دمشق أملاً بحل سلمي لخلافاتهما

الصمت الإسرائيلي حيال سوريــــة.. خيار أم مؤامرة

جنود إسرائيليون يرتاحون على مقربة من قرية مجدل شمس في هضبة الجولان المحتلة. رويترز

يطفو السؤال مرة أخرى على السطح عن موقف إسرائيل من الوضع المرعب في سورية، حيث قضى النظام السوري على أكثر من 9000 مدني خلال الاحتجاجات. بعض المحللين يقارن خطأ بين الصمت الاسرائيلي وصمت بعض الجهات الاقليمية والغربية التي أبدت عدم المبالاة بما يجري هناك. والغريب في الأمر أن اسرائيل تعرضت للانتقاد من قبل بعض المحللين لاعتقادهم برغبتها في استمرار النظام السوري بينما انتقدها البعض الآخر لزعمهم أنها تحاول الاطاحة بالنظام السوري.

بيد أن الصورة الماثلة أمامنا تعكس وضعاً لا علاقة له بالمؤامرة إلا قليلا، فعند اندلاع الاحتجاجات في سورية جادل بعض المحللين الامنيين الاسرائيليين بأن أفضل وضع في سورية من وجهة النظر الامنية الاسرائيلية هو عودة الاستقرار لسورية في ظل نظام الرئيس السوري بشار الاسد. وبعد مرور شهرين مع اشتداد وتيرة العنف، تحولت وجهة نظر المحللين الإسرائيليين وقادة البلاد الى الرغبة في احلال الديمقراطية في سورية بعد رحيل الاسد وانعتاقها من المحور الايراني، وفي الوقت نفسه يعترف المسؤولون الإسرائيليون باحتمال ان تتمخض القلاقل عن وضع جديد تصبح سورية بموجبه دولة فاشلة ومسرحاً للصراع بين قوات من «حزب الله» مدعومة من ايران من ناحية وقوات اخرى مدعومة من تنظيم «القاعدة»، وهو الموقف الذي قد يخلق لإسرائيل وضعا شائكا غير متضح الرؤية.

ويجنح معظم هذه التحليلات للرؤية الاكاديمية، حيث يدرك الجميع ان افضل خيار عملي لإسرائيل في ما يتعلق بالأزمة السورية هو عدم التدخل في الشأن السوري الداخلي ولو شفاهياً.

كما ان اسرائيل لا تستطيع ان ترى نفسها داعمة للحكومة السورية او مجموعات المعارضة، لأن أياً من الجانبين لا يقبل مثل هذا الدعم، لاسيما ان نظام الاسد والمعارضة يتهم كل منهما الآخر بأنه يسعى لتنفيذ اجندة اعداء البلاد، وهو إسرائيل.

ويعتبر هذا فألاً سيئاً لإسرائيل التي على الرغم من كونها من الناحية الفنية في حالة حرب مع سورية، فإنها تتطلع دائماً لليوم الذي تستطيع فيه التوصل الى اتفاقية سلام مع جارتها، مثلما سعت خلال السنوات الماضية مراراً وتكراراً للدخول في مفاوضات سرية لتحقيق هذا الهدف. وخلال سعيها لتحقيق تلك الغاية كانت اسرائيل مضطرة للتغاضي عن حقيقة التركيبة القبلية الشمولية للحكومة السورية والتي لا تمثل وجها مقبولا كشريك للسلام.

ولعقود من الزمان ظلت اسرائيل قلقة من النظام البعثي الذي تسيطر عليه الطائفة العلوية. في يونيو 1967 احتلت اسرائيل مرتفعات الجولان السورية الاستراتيجية كرد فعل لدخول سورية طرفاً في حرب من ثلاثة محاور، وكان وزير الدفاع السوري في ذلك الوقت هو حافظ الاسد والد الرئيس الحالي والذي شغل ايضاً منصب رئيس البلاد من 1971 حتى وفاته عام .2000 وحيث ان آخر حرب بين اسرائيل وسورية حول مرتفعات الجولان كان عام 1973 فإن القوات السورية وحلفاءها انخرطوا في حروب صغيرة وتصعيد منذ ذلك الوقت ضد اسرائيل. وبوصفها شريكا اساسيا في المحور الايراني فإن سورية اصبحت معبرا للأسلحة التي ترسلها ايران لحزب الله في لبنان، والذي يحوز على 100 الف صاروخ موجهة ناحية إسرائيل من جنوب لبنان قادرة على ضرب أي نقطة داخل الدولة العبرية.

والى وقت قريب كانت دمشق ملجأ لحركة «حماس»، المدعومة هي الاخرى من ايران، والتي ظلت تهاجم اسرائيل بانتظام من قطاع غزة، والتي استولت عليها من السلطة الفلسطينية عام .2007

وخلال تعاملها مع سورية لا تستطيع اسرائيل ان تنسى الوحشية التي يتعامل بها النظام السوري مع مواطنيه، ففي عام 1982 أمر حافظ الاسد قواته بإخماد انتفاضة اسلامية في حماة وقضى الجيش على عشرات الآلاف من السوريين حيث ظلت تلك المجزرة تلوث أيدي النظام حتى اليوم.

وفي خضم أعمال العنف الحالية في سورية ظلت اسرائيل تراقب بشدة مصير أسلحة الدمار الشامل في الترسانة السورية، حيث تحوي هذه الترسانة اكثر الاسلحة الكيماوية دمارا ليس فقط لإسرائيل بل للعالم من حولها اذا ما سقطت في أيدي جماعات ارهابية في حالة حدوث أي انهيار للنظام السوري.

ونظراً للمستوى العالي من الخطورة الذي تمثله الأسلحة الكيماوية السورية فإن المحللين يرون انها القضية الوحيدة التي تجعل اسرائيل تقحم نفسها في الشأن السوري لمنع تلك الاسلحة من السقوط في أيدي جماعات تهدد أمنها.

ولحسن الحظ فإن تلك الاسلحة لا تحتوي على قدرات نووية وذلك بفضل ضرب اسرائيل عام 2007 للمفاعل النووي السوري السري الذي كان في ذلك الوقت قيد الانشاء بمساعدة كوريا الشمالية.

وعلى الرغم من دور الاسد في الارهاب الذي تدعمه الدولة وعلى الرغم من تقاربه مع النظام الايراني الذي هدد اسرائيل بالفناء فإن اسرائيل تركت الباب مفتوحاً امام دمشق للوصول الى تسوية سلمية لخلافاتهما.

في منتصف تسعينات القرن الماضي دخلت سورية واسرائيل في جولات عدة من مفاوضات السلام المباشرة، هذه الجولات تم إحياؤها لوقت وجيز في ،1999 وفي السنوات القليلة الماضية انتعشت الآمال مرة اخرى في إحياء مفاوضات السلام. هذه المباحثات، على الرغم من عدم تحقيقها لأي نجاح شكلت ارضية مناسبة.

وخلال قبولهم بصيغة الارض مقابل السلام المتجسدة في قرار مجلس الامن رقم ،212 وازن القادة الاسرائيليون بين الانسحاب من جميع مرتفعات الجولان كجزء من صفقة سلام مع دفع ثمن سياسي عال لتحقيق السلام.

ويعتقد معظم المحللين ان تردد الاسد في قبول اتفاقية سلام مع إسرائيل يتجذر في ان مثل هذه الاتفاقية قد تهدد شرعية كيان النظام البعثي الذي يستمد شرعيته من كونه الاكثر مناصرة للقومية العربية.

وتأمل إسرائيل ان تتفتح آفاق جديدة للسلام - الذي يبدو ميتاً في الوقت الراهن - في فترة ما بعد نظام الأسد المستقلة تماماً عن المحور الايراني والنابعة من إرادة الشعب السوري.

آهرون شابيرو - محلل سياسي بمجلس الشؤون الأسترالية الإسرائيلية اليهودية

تويتر