الدول المجاورة لسورية تستعد لمـــواجهة أزمة لاجئين كبيرة

معاناة اللاجئين السوريين تفاقمت في مخيمات تركيا مع الأمطار والبرد القارس. رويترز

عندما حضر اللاجئون السوريون في بادئ الأمر إلى بلدته اللبنانية الحدودية، استطاع عبدالله تيسير أن يوفر لهم غرفاً في منازل السكان، ولكن لم يعد لديه الآن أي مكان يؤويهم فيه سوى الكراجات وحظائر الماشية.

ويقول طبيب الأسنان البالغ من العمر 30 عاماً، الذي يقضي وقت فراغه في تنظيم المتطوعين لمساعدة السوريين الذين يتدفقون على الجبال التي يكسوها الجليد على الحدود، وإلى سهل البقاع في لبنان «كان من المفترض ان نستخدم الحظائر في حالات الطوارئ، ولكن مع تزايد الأعداد القادمة بات يتحتم علينا البدء في استخدامها بالفعل».

والمكان ليس نعيماً، خصوصاً في منتصف الشتاء، ولكن بالنسبة لـ(أبوعمار)، وهو نجار (43 عاماً) من مدينة حمص السورية المحاصرة، فإنه افضل من موطنه.

ويقول «نريد انقاذ انفسنا، لا نعبأ بأمر أموالنا وسيارتنا ومنزلنا، كل ما نريده ان نعيش».

لكن تيسير يشعر بالقلق مما سيحدث لاحقاً، ويضيف وهو ينظر بعبوس إلى خريطة احصائية اعدها بنفسه، وتبين ان عدد اللاجئين في البقاع وصل إلى 2500 شخص، حضر اكثر من نصفهم خلال الشهر الماضي، مع تصاعد العنف في سورية «لا اعتقد اننا نستطيع الاستمرار لأكثر من شهر اخر اذا استمر التدفق (للاجئين) بمثل هذا المعدل».

وعلى الرغم من تساقط الثلوج وتراكمها والانتشار المكثف للقوات السورية قرب الحدود، فقد سجلت تركيا ولبنان والأردن نحو 20 الف لاجئ.

ولكن مع تزايد وتيرة الفرار من المجازر التي ترتكبها قوات الرئيس السوري بشار الأسد في معاقل المعارضين مثل حمص، فإن الدول المجاورة لسورية تستعد لمواجهة ازمة لاجئين كبيرة.

وعلى الرغم من خبرتها الطويلة والمريرة في ظروف كهذه، بدءا من استقبال الفلسطينيين في الأربعينات، إلى ملايين العراقيين الذين فروا من القتل الطائفي بعد عام 2003 ـ الكثير منهم إلى سورية ـ فإن دول المنطقة ليست كلها مستعدة لذلك على نحو شامل، على الرغم من ان تركيا والأردن إلى الشمال والجنوب بدأتا وضع خطط لمواجهة ذلك.

وفي تركيا ارتفع العدد الرسمي للاجئين السوريين في المخيمات إلى 9700 من 7200 في الشهرين الماضيين.

وهذه نسبة ضئيلة من عدد سكان سـورية البالغ 23 مليون نســمة، ومعـظم اللاجئين من مناطق قريبة من الحدود.

وبدأت انقرة، التي منحت ملاذاً آمناً لقادة الجيش المنشقين، واصبحت تنتقد صراحة حليفها السابق الأسد؛ تشييد مخيم اكثر دواماً قرب الحدود لاستيعاب نحو 10 الاف شخص على 30 هكتاراً من الأراضي قرب الحدود.

ويقول مسؤول تركي، طلب عدم نشر اسمه «نحن على استعداد لاستيعابهم كلما كان ذلك ضرورياً، الأمر يتوقف على الوضع في سورية».

ويؤكد ان مخيماً جديداً يتسع لنحو 10 آلاف شخص أوشك على الانتهاء، ويمكن توسعته في حالة اندلاع حرب اهلية في سـورية وفرار «عشرات الآلاف» عبر الحدود.

وبدأ الأردن الذي يستضيف حتى الآن اكثر من 3000 من اللاجئين المسجلين، تشييد مخيم تحت اشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ويقوم بالفعل باستكشاف اماكن اخرى محتملة في حالة حدوث تدفق جماعي.

وفي لبنان تواجه منظمات مثل الأمم المتحدة عراقيل بسبب إحجام الحكومة عن الاعتراف رسمياً بالمشكلة.

ويقول أحد العاملين في منظمة اغاثة دولية في لبنان، طلب عدم الكشف عن اسمه، ان قدرة لبنان على استيعاب المزيد من اللاجئين عبر حدوده الشرقية محدودة.

ولكن في لبنان يقول عمال اغاثة محليون في سهل البقاع، ان الحكومة تتجاهل دلائل تبعث على القلق من ان مثل هذا التدفق قد بدأ بالفعل.

وفي سهل البقاع الواقع على امتداد الحدود الغربية الجبلية لسورية، كان عدد الأشخاص الذين يصلون أسبوعياً، العام الماضي، نحو 12 شخصاً.

ولكن على مدى الأسبوعين المنصرمين بدأ السكان يستقبلون ما بين 30 و100 سـوري من الفارين من منازلهم.

وإلى الشمال في لبنان، قفز عدد اللاجئين المسجلين بما يزيد على 1000 ليصل إلى 6375 في ينايرالماضي.

لكن ناشطين، مثل طبيب الأسنان تيسير، يقولون ان هناك آلافاً غير مسجلين.

ومن دون الاعتراف الرسمي بذلك والسماح ببناء مخيمات، ركزت منظمات اغاثة دولية مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، على دعم اشخاص محليين، مثل تيسير الذي يستضيف اللاجئين.

ويقول «عندما نستقبل 10 أو 15 عائلة في اليوم، فإننا نستطيع تدبر الأمر. ولكن ماذا يحدث عندما نستقبل 100 شخص في اليوم؟» ويضيف «البقاع قريب من العاصمة، اي ازمة هناك قد تجعل الوادي يعج باللاجئين».

ويؤدي تصاعد العنف إلى اجبار مئات الأشخاص بالفعل على الفرار من حمص، معقل الانتفاضة السورية، ضد 42 عاماً من حكم عائلة الأسد.

وقبل اسبوعين فر (أبوعمار) الذي لم يرغب في استخدام اسمه الحقيقي، بسبب الخوف على اقاربه الذين مازالوا في سورية، مع عائلته من المنزل الذي ظلوا محاصرين بداخله لأيام، وغادروا من دون اي شيء سوى ملابسهم التي حملوها معهم.

ومنذ ذلك الحين أدى القصف العنيف على منطقتهم «بابا عمرو» إلى مقتل مئات اخرين، وسوّى عشرات المباني بالأرض خلال ايام.

والآن يكافح ابناء عمومته وجيرانه للفرار والانضمام إليه في لبنان في رحلة تبعد نحو 25 كيلومتراً من حمص عند اقرب نقطة، ولكن يتحتم عليهم تفادي دوريات الجيش السوري في طريقهم. ويقول وهو يحمل ابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات، في غرفة صغيرة في مسجد تنام فيه عائلته المكونة من 10 افراد على اغطية من الصوف «نستطيع ان نبدأ من الصفر، لا توجد حياة في حمص».

ويضيف (أبوعمار) واصفاً الأوضاع في «بابا عمرو» «لم نستطع مغادرة المنزل للحصول على طعام، كنا نسمع النساء والأطفال يصرخون ويبكون، ولكن لم أستطع مساعدتهم، حتى الجثث ملقاة في الشوارع، وكان ينتابنا الخوف لدرجة اننا لم نستطع انتشالها».

تويتر