عدد أفرادها 50 شخصاً يقاومون اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال

عائلة دعنا محاصرة داخل منزلها منذ 9 سنوات في الخليل

مستوطنة «كريات أربع» بدأت في التوسع منذ ما يقارب الـ 40 عاماً حتى لاصقت منزل عائلة دعنا. الإمارات اليوم

تنتظر الطفلة لينا دعنا (12 عاماً) هي وأشقائها وأبناء عمها كل يوم الإذن من جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين يحرسون مستوطنة كريات أربع شرق مدينة الخليل المحتلة، للسماح لهم بالخروج من بوابة منزلهم الوحيد للتوجه إلى المدرسة، فيما يسلكون طريقاً وعرة تمر خلف المنزل، ويسيرون مسافة ثلاثة كيلومترات بسبب منع الاحتلال والمستوطنين لهم من السير في الشوارع العامة، كما يتعرضون لاعتداءات المستوطنين المستمرة، إذ يتم ضربهم واعتقالهم.

فيما تُحرم لينا من زيارة صديقاتها لها في منزلها واللعب معهن، بسبب القيود التي يضعها الاحتلال لزيارة منزلهم، هذا عدا عن خوف الأطفال من رؤية الجنود والمستوطنين المدججين بالسلاح، فمنزل العائلة يعد المحطة الأخيرة لمستوطنة كريات أربع التي لا تبعد عنه سوى 12 متراً، بل إن القادم إلى منزل دعنا يتصور كما لو أنه يدخل المستوطنة، بسبب كثرة كاميرات المراقبة والبوابات العسكرية التي تحيط به.

هذا جزء من حكاية عائلة دعنا التي يبلغ عدد أفرادها 50 فرداً، يعيشون حياة قاسية في ظل حصار مشدد فرض عليهم منذ تسع سنوات داخل ثلاثة منازل متلاصقة زحفت إليها مستوطنة كريات أربع منذ ما يقارب الـ40 عاماً، فيما يُفرض على منازل العائلة هذه الأيام حصار تام يومي الجمعة والسبت، بينما تواجه العائلة في بقية الأيام صعوبات كبيرة وهي تتنقل عبر طرق وعرة.

تقول الطفلة لينا لـ «الإمارات اليوم» بصوت مرتجف: «نعيش في حالة خوف دائمة، لا نعرف النوم في الليل تخوفاً من اعتداءات المستوطنين، وأذهب إلى المدرسة وحيدة، وليس عندي زميلات وصديقات، فجميعهن يخشين القدوم إلى منزلنا، وأعيش وحيدة أنا وإخوتي وأبناء عمي». وتضيف: «لا أحد يزورنا في منزلنا حتى في الأعياد، لأن الاحتلال يمنع دخول أحد إلى منزلنا، كما نحرم من اللعب، ولا يوجد لدينا أماكن نلهو فيها أو متنزهات».

بداية المعاناة

تروي لينا معاناتها في كل يوم، إذ تسير إلى المدرسة، على الأقدام لمسافة ثلاثة كيلومترات في طريق ترابية وعرة مملوءة بالأوساخ، وفي أعياد اليهود يغلق جنود الاحتلال مدخل البيت بالأقفال الحديدية، ويمنعون الجميع من الخروج إلى المدرسة. وتوضح أن المستوطنين في فصل الشتاء يصرفون مياه الأمطار تجاه منزلهم، ما يتسبب في إغراق المنزل وتلف ممتلكات سكانه.

ويقذف المستوطنون أطفال عائلة دعنا، بحسب لينا، بالحجارة وقنابل «المولوتوف» في محاولة لمنعهم من التوجه إلى أرضهم المجاورة لمنزلهم، بل يعتقلون الأطفال، وهذا ما حدث مع شقيق لينا وابن عمها قبل أشهر عدة، إذ اعتقلهم الجيش في الجيب العسكري لساعات عدة قبل أن يفك أسرهم.

معاناة عائلة دعنا المكونة من ست أسر بدأت أوائل سبعينات القرن الماضي مع إقامة جيش الاحتلال معسكراً بالقرب من منزلهم، حيث أقام سبعة مستوطنين في المعسكر تحت الحكم العسكري الإسرائيلي في خيام، وبعد ذلك بدأ مسلسل السيطرة على الأراضي، إذ عرض المستوطنون على جد الطفلة لينا سعيد دعنا آنذاك شيكات مفتوحة مقابل ترك منزله، بينما قصفوا مدخل المنزل عام 1973 بصاروخ، واعتقلوا صاحب البيت لمدة 12 شهراً، ولكنه رفض الخروج من المنزل.

وفي إحدى ليالي عام 1982 واجهت العائلة محطة أخرى من الاعتداء وتضييق الخناق على منزلها والتهديد، إذ أطلق المستوطنون عليها ثماني قنابل يدوية، وهددوهم بالقتل، وعرضوا عليها إغراءات مالية لترك منزلها.

جميع الاعتداءات التي تعرضت لها العائلة منذ بداية السبعينات كانت أخف قسوة مقارنة بالأيام التي عاشتها العائلة عقب العملية الفدائية التي نفذت في شارع واد النصارى المجاور للمستوطنة عام ،2002 وخلفت 12 قتيلاً من المستوطنين وجيش الاحتلال.

فيما كان رد الاحتلال قاسياً عقب هذه العملية، وكان نصيب عائلة دعنا هو الأثقل، إذ بدأت محاصرتها داخل منزلها حتى يومنا هذا، وكانت أولى محطاته عقب العملية هو حصار العائلة في منازلها لفترة دامت 28 يوما، لم يتمكن أفرادها خلالها من فتح نوافذ المنزل، ولم تتمكن أية مؤسسة من الوصول إليهم طوال هذه المدة، إذ إن المؤسسات الإغاثية التي كانت تحاول الوصول إليهم لم يسلموا هم أيضاً من اعتداءات المستوطنين، حيث تم رشقهم بالحجارة، فيما دمر الاحتلال منزلاً رابعاً بالكامل يعود للعائلة عقب هذه العملية.

ويقول والد الطفلة لينا كايد دعنا (46 عاماً) أحد الأشقاء الذين تحاصرهم المستوطنة لـ«الإمارات اليوم» «بعد هذه العملية اشتد الحصار علينا داخل منازلنا، وبدأ إغلاق الطرق المؤدية إليها حتى بقي لمنزلنا مدخل واحد فقط يتحكم الاحتلال في فتحه وإغلاقه، إذ فتحوا لنا طاقة صغيرة عند مدخل البيت، الذي يوجد عنده جندي إسرائيلي لحراسة المستوطنين، فيما يمنعنا من الخروج، وعند الضرورة أنتظر تنسيق الجيش مع الصليب الأحمر وفي النهاية يرفض خروجي».

ويضيف أن الاحتلال وضع مكعبات أسمنتية شبيهة بالجدار في شارع واد النصارى الرئيس، الذي يجاور منزل العائلة ويبلغ عرضه ستة أمتار، ومنعوها من السير فيه، ويسمحون لها في بعض الأحيان بالسير خلف الجدار في طريق وعرة وطويلة.

ويراقب الجنود والمستوطنون، بحسب دعنا، منزل العائلة بالكاميرات التي تحيط بها من كل تجاه، إذ يتم اقتحام المنزل في حال زيارة أي شخص للعائلة، ويتعرض الزوار لتحقيق قوات الاحتلال، وهذا ما أدى إلى تردد الناس في زيارة العائلة.

ويذكر دعنا ما حدث مع أصدقائه الذين قدموا لزيارته من مدينة «يطا» في الخليل، حيث فوجئوا باقتحام الشرطة والجيش للمنزل، فيما ادعى المستوطنون بأن هؤلاء اقتحموا المستوطنة التي تحيطها الأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة والبوابات العسكرية، عدا عن الجنود المدججين بالسلاح.

ويعد يومي الجمعة والسبت (العطلة الرسمية لدى اليهود) من أقسى الأيام التي يعيشها أفراد عائلة دعنا، حيث يتم منعهم من الخروج من المنزل وفتح نوافذه، بل يتعرضون للاعتداء بالضرب في حال شاهدهم أي مستوطن خارج منزلهم.

ومن المواقف الصعبة التي مرت بها العائلة، قال كايد دعنا، «في أحد أيام عيد الأضحى خرجت لزيارة شقيقتي، وكنت قد حذرت أطفالي من شراء الألعاب، وفوجئت بأن أحد أبنائي اشترى لعبة ليفرح بها في العيد على شكل مسدس، ولكن المستوطنين اعتدوا عليه وفقؤوا إحدى عينيه».

وتسببت هذه الممارسات في معاناة كبيرة لأفراد العائلة بشكل يومي، تتمثل في عدم قدرة السيارات من الوصول إلى منزلهم، فمن الصعب نقل مريض من البيت لتلقي العلاج في أي مستوصف أو مستشفى.

كما تواجه العائلة معاناة حقيقة في توفير المواد التموينية، إذ يضطرون لحملها على أكتفاهم والسير على الأقدام في الطريق الوعرة، كما تعاني العائل عدم وصول المياه، إذ يقطع المستوطنون المياه عنهم، ويضطرون إلى نقلها من البيوت والمناطق المجاورة على أكتافهم.

ويقول الفلسطيني المحاصر في منزله، «نضطر كل يوم للانتظار لساعات على حاجز بالقرب من منازلنا خلال توجهنا إلى العمل، ونتأخر عن عملنا، وعندما تتكرر هذه الحادثة بعض أصحاب الأعمال يحرموننا من العمل بسبب التأخير الخارج عن إرادتنا».

تويتر