محللون يرونه جزءاً من سجال المحافظة والتحديث في المملكة

سعوديات يعتبرن قيادة السيارة إحدى ضرورات التغير الاجتماعي

سعودية تتحدث إلى الإعلام بعد أن أقدمت على قيادة سيارتها. أ.ف.ب

عندما تتخذ السعودية (مها القطني) مقعدها خلف مقود سيارتها العائلية الرباعية الدفع (الهمر)، التي تسمى في الثقافة الشعبية لمنطقة الخليج «الهمفي»، فإنها تقوم بحركاتها الروتينية المعتادة، إذ تتامل المرآة الامامية داخل السيارة والمرآتين الخارجيتين الجانبيتين، وتتأكد من أوضاعها الصحيحة، وكذلك من وضعية حجابها، ثم تهمس ببعض الادعية الدينية، وتتأكد من وضعية المقعد بتحريكه الى الامام أو الخلف، قبل أن تتفقد المستلزمات الاساسية لاحتياجاتها في السجن، حال اعتقال السلطات لها، مثل فرشاة ومعجون الاسنان، ومزيل العرق والروائح، والملابس الفضفاضة المريحة، إضافة إلى الملابس والسجادة الخاصة بالصلاة.

وفي 17 يونيو الماضي أصبحت القطني أول امرأة في تاريخ السعودية تتلقى مخالفة مرورية، لانتهاكها قانونا يمنع السعوديات من قيادة السيارات، لكنها لاتزال تأمل في تمهيد الطريق لمزيد من السعوديات ليحذون حذوها، على الرغم من أن شبح الاعتقال والسجن يخيّم على كل إقدام على ذلك أو التفكر فيه، وفي هذا الشأن قالت القطني «إذا لم يقدمن التضحيات فلا أحد يمكنه أن ينتزع لهن حقوقهن».

وفي واحد من اكثر التطورات إثارة وغرابة وتميزاً من تلك التي افرزها ربيع الثورات العربية، خرجت القطني ومعها عشرات النساء السعوديات الى الشوارع يقدن سياراتهن، في تحدٍ جريء ومباشر لحظر شامل عليهن لقضاء احتياجاتهن من تسوق وزيارة للطبيب أو الصيدلية، أو إعادة أولادهن وبناتهن من المدارس، وغير ذلك. وقد سبب ما قامت به النساء السعوديات ازعاجاً للنساء في العالم، اللواتي عبرن عن احتجاجهن على الحظر المفروض عليهن، لكن البعض في السعودية اعتبر ما قمن به تعبيراً وتجسيداً لما حلمن به طويلاً من انطلاق وحرية.

وقالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون، إن «ما قامت به النسوة السعوديات امر شجاع وجريء، وما يطلبنه هو الحق والصواب». والسعودية - حيث الصحارى المترامية الاطراف، والقفار الشاسعة بشكل مذهل، والنهضة العمرانية المتواضعة والبطيئة، وأسعار الوقود الرخيصة- يصفها معظم من زارها بأنها بلد صمم للسيارات واستخداماتها الواسعة والمتعددة، فالعاصمة الرياض واسعة للغاية، وهي اكبر من مدينة لوس انجلوس الاميركية، لكنها تفتقر الى نظام جيد للمواصلات والنقل، فالنساء السعوديات يعتمدن على الرجال في الاسرة، كالأخ والابن والاب والزوج، أو استئجار السائقين الاجانب، لاسيما الهنود والباكستانيين الذين يتطلبون ميزانية مكلفة.

ومنذ بداية مسيرة الاصلاح في السعودية في ستينات القرن الماضي فُتح الطريق امام تعليم الاناث، حتى أصبحت نسبتهن في المجتمعات الجامعية والكليات من طالبات ومدرسات واداريات 58٪، لكن نسبة النساء في مجمل قوة العمل مازالت تقل عن 15٪، وتتركز في قطاعي التعليم والخدمات الطبية والصحية، ولا تكف الحكومة عن حث الشركات الخاصة على توظيف النساء، بشرط منع اختلاط الجنسين، لكن يصعب تحقيق هذا الامر ما لم يتم السماح للنساء بقيادة سياراتهن الى اماكن عملهن، ولا يشعر كثير من اسر الطبقة المتوسطة بحافز كبير يدفعها الى تشغيل بناتها والزوجات فيها إذا كان الامر سينتهي بإنفاق رواتبهن على السائقين. وتقول المهندسة المعمارية نادية باخورجي، ان مؤسستها تدفع 25٪ من مجمل نفقاتها لتأمين المواصلات والنقل للموظفات، بما في ذلك السيارة وخدمات السائق، وانها ترغب في الاستمرار في تقديم هذه التضحية، لكن معظم الشركات الاخرى «ترى أن هذا الامر أصبح عقبة تحول دون توظيف النساء».

وينبغي على أنصار حملة رفع حظر قيادة السيارات المفروض على النساء بشكل تام، واولئك المحافظين المؤيدين لحق النساء في قيادة السيارة الاتفاق على «ليس على السماح للنساء بقيادة السيارات لما هو أكثر من مجرد من النقطة (أ) الى النقطة (ب) فحسب، وإنما بالقيادة بما يسهم في احداث التغيير الحقيقي والاساسي في المجتمع السعودي وطريقته في التفكير». وبالنسبة للمحافظين الذين يعتقدون بأن حظر قيادة السيارات على النساء انما هو شأن ديني، بان تبقى المرأة في البيت، لترعى شؤون اسرتها وتقوم عليها، فإن رفع الحظر يعني فقدانهم حق التحكم في حياة نسائهم والسيطرة عليها وقبولهم بقدر اكبر من استقلاليتهن وحريتهن. وبالنسبة لانصار حملة رفع الحظر فإن قيادة المرأة السيارة هي حجر البناء للانطلاق منه الى حريات اخرى للنساء يجب العمل للحصول عليها. وفي الوقت الحاضر لا يمكن للمرأة السعودية ان تسافر خارج بلادها دون موافقة ولي الامر (الزوج أو الاب أو الاخ) ومرافقة محرم لها، وهو إعارة واحد من هؤلاء الثلاثة أو الابن. كما لا يمكن للمرأة السعودية الحصول على قرض من أي مصرف من غير كفالة او شهادة رجلين، حتى ولو كانت تحمل بطاقة هوية رسمية حكومية، وتميل القوانين والسلطات الى تفضيل الاب للتعامل مع هذه الامور. وتقول فوزية البكر التي تقود سيارة منذ اكثر من 20 عاماً «قيادة المرأة للسيارة تعني فتج مجالات جديد، والتطور والتنمية بشكل عام، وزيادة مشاركة المرأة في الوظائف وسوق العمل، وتهيئة الاجواء للمجتمع والسلطات للتعامل مع قضايا اكبر وأكثر أهمية، وباختصار إذا تمكنا من قيادة السيارة فإن أي شيء يصبح ممكناً».

من جانبها تقول نجلاء حريري، وهي ربة بيت في جدة، ان زوجها طيار، وهو يتغيب عن البيت وقتاً طويلاً، وإذا تأخر السائق أو غاب لسبب ما، فإنها تأخذ مفاتيح السيارة وتقودها، لكنها لا ترى في نفسها أنها شجاعة أو تقوم بعمل بطولي خارق «أنا مجرد أم، أقوم بتوصيل ابنائي مدارسهم، ثم إعادتهم الى البيت، ولا احاول تحدي الحكومة، فأنا لا اقوم بذلك إلا بعد ان يصيبني الملل من طول الانتظار». وفي رأي الحريري فإن التغيير الاجتماعي لا يأتي بالضرورة نتيجة الصراع بين فئات وقوى متصارعة من محافظين واصلاحيين، وانما يتم من خلال قيام النساء بأمور عملية بكل هدوء ونضج، ومن غير تحدٍ سافر للسلطات والقوانين، ومن غير طلب الحصول على موافقة اولياء الامور أو إذن من السلطات، ويتم التغيير أيضاً حينما تحصل المرأة التي تقود السيارة على مخالفة مرورية، وليس على حكم بالسجن.

تويتر