فريدمان: الثورات العربية تفجّرت من أجل اســــترداد الكرامة

طفل يمني كتب على جبهته دعوة للرئيس صالح بالرحيل. إي.بي.أيه

مشاهدتي للانتفاضات العربية رسمت على وجهي ابتسامة وتركت في حلقي غصة، أما مبعث الابتسامة فهو مشاهدتي هذا الكم الهائل من البشر، وهو ينزع عن نفسه رداء الخوف ليستعيد كرامته، أما الغصة فمبعثها هو الخوف المتزايد من ان الربيع العربي قد يكون أمرا حتميا وجاء متأخرا، فإذا لم تكن عزيزي القارئ تحسّ بنبض هاتين الحقيقتين فستكون خارج الصورة.

صديق ليبي أخبرني صباح بأنه كان يشاهد قناة فضائية خارج مدينة بنغازي، حينما لاحظ شعارا باللغة العربية «أنا رجل»، فإذا كان هناك شيء يلخص الانتفاضات العربية، فهو ذلك الشعار.

كما حاولت أن أجادل من قبل بأن هذه الانتفاضة ليست سياسية في جذورها، بل هي وجودية في كنهها، فهي تنتمي للكاتب الكبير البير كامو أكثر من انتمائها للثائر تشي جيفارا، إذ إن جميع هذه الأنظمة العربية من ناحية أو أخرى انتزعت من شعوبها كرامتها الشخصية، فقد حرمتهم حريتهم ولم تترك لهم الفرصة أبدا للنمو ليبلغوا مبلغ الرجال، وبما ان العالم قد اصبح قريبا من بعضه، أصبح جليا لكل مواطن عربي أنه متخلف عن بقية العالم، ليس فقط عن العالم الغربي، وإنما أيضا عن بلدان أخرى مثل الصين والهند وأجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء. وعليه يحس المواطن العربي بأن حكامه الأوتوقراطيين يعاملونه كالطفل وبقية الناس في العالم يعتبرونه متخلفا. كل ذلك ولّد لديه نوعا من الإذلال والخزي، والذي انعكس بالتالي على الشعارات مثل تلك المرفوعة في ليبيا والتي ليست موجهة لشخص بعينه: «أنا رجل»، تعني أن لدي قيماً وطموحاً وأريد ان أحصل على الحق الذي يحصل عليه كل إنسان في العالم، وبما ان الكثير من العرب يتشاركون هذه المشاعر نفسها، فإن هذا الربيع العربي لن ينتهي أبدا، بغض النظر عن عدد الأشخاص الذين ستقضي عليهم الأنظمة العربية. الروائي وليس العالم السياسي هو الذي يستطيع التعامل مع هذا المزاج، الاستاذ رايموند ستوك، الذي يدرس اللغة العربية في جامعة درو في ماديسون كتب ترجمة شخصية للاديب المصري الحائز جائزة نوبل للسلام، نجيب محفوظ، إذ اشار ستوك في موضوع نشره معهد أبحاث الدراسات الخارجية كيف أن محفوظ حشد الكثير من المشاعر التي غذت الربيع العربي في روايته «أمام العرش»، وضع محفوظ في فم كل ثائر جمرة يستطيع من خلالها الدفاع عن ثورته ضد «الفرعون»، وهي العبارات نفسها التي نسمعها كل ظهيرة في ميدان التحرير هذا العام. يقول محفوظ «تحملنا من الآلام فوق ما يتحملُ البشر، ولما انصبَ غضبنا الكاسرُ على عفنِ الظلم والظَلَمة نعتوا ثورتنا بالفوضى، ونعتونا باللصوص»، إنها ليست سوى ثورة ضد الاستبداد باركها الله، إلا أن ذلك يشرح ايضا الغصة التي في الحلق.

فهذه الانظمة العربية قررت خلال حكمها ألا تدع فرصة لأي مجتمع مدني أو أحزاب تقدمية ان تترعرع وتنهض. ويواجه الأشخاص خارج الانظمة العربية معضلة عويصة، الذين يعتقدون أن اميركا ينبغي ان تقف إلى جانب حسني مبارك أو لا ترغب في الاطاحة ببشار الاسد. كل ذلك باسم الاستقرار، متناسين ان استقرار هؤلاء الحكام مبني اساسا على تخلف ملايين العرب، بينما بقية العالم يتحرك قدما، بل إن العرب لم يحصلوا على الاستقرار الذي يوفره النظام الأوتوقراطي الصيني: نأخذ حريتك ونعطيك التعليم ونرفع مستواك المعيشي، ويرتكز الاستقرار الأوتوقراطي العربي على: نأخذ حريتك ونغذيك بالكفاح العربي الاسرائيلي والفساد والتعتيم.

وفي الوقت الذي ننادي فيه بإسقاط هؤلاء الدكتاتوريين، علينا تسوية البناء المتهالك مع الارض، ولكن ليس هناك ضمان لبنائه من جديد، إذ إن إعادة بنائه بالغة الكلفة كما هو حادث في العراق، وفي الوقت نفسه نجد ان تشييد بناء جديد اكثر كلفة، وقد تعوزه القوة على الصمود.

ومع المناداة بإسقاط الدكتاتوريين، فإننا نأمل بأن يلتئم شمل شعوبهم لتأسيس حكم ديمقراطي في مصر وسورية واليمن وليبيا.

ولكننا نتساءل: هل الانقسامات في هذه المجتمعات عميقة للحد الذي نفقد فيه الامل بأن تتمخض هذه الانتفاضات عن شيء ما؟ وهل الربيع العربي حتمي ومتأخر؟

أيضا يشير ستوك في رواية محفوظ إلى فقرة في رواية «امام العرش»، وهي الرواية التي يتحدى فيها كل زعيم مصري خليفته. وفي تلك الفقرة نجد زعيم حزب الوفد، مصطفى النحاس، الذي حله الرئيس السابق جمال عبدالناصر بعد انقلابه العسكري عام ،1952 نجده يلوم ناصر بتدميره الإرث الدستوري المصري.

توماس فريدمان كاتب ومحلل أميركي

تويتر