جيل جديد من « القاعدة » يخلف قيادة بن لادن

الظواهري.. جدل حول ارتضائه خليفة لبن لادن. رويترز

يتشكل الآن جيل من شباب تنظيم القاعدة ليخلف زعيمه أسامة بن لادن، إذ يتمتع بأفكار جديدة ورؤية تختلف عن الرعيل الاول للتنظيم.

وطبقاً لمقولة الراحل عبدالله عزام مرشد أسامة بن لادن «التاريخ لا يكتب سطوره إلا بالدم والأشلاء»، أصبح بن لادن الآن من هذه الاشلاء، ولكن ومع احتفال اميركا بمقتل الرجل الذي كان يمثل لها شرا مستطيرا، تقول المؤشرات ان هناك مبررات ضئيلة للاحتفال.

أميركا ترصد

بعض الخلايا السياسية في بلدان مثل المملكة المتحدة ستصبح نقاطاً مهمة لاستراتيجية «القاعدة» الجديدة، كما ان مقتل بن لادن قد يكون أداة محفزة على استقطاب المزيد من الموارد، إلا أن النصر في الحرب على ما يسمى «الإرهاب» بعيد عن التحقيق حتى الآن، فالانتصار في هذه الحرب، كما دلت خبرة عقد من الزمان منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يتطلب استراتيجيات سياسية متماسكة وليس فقط بنادق وقنابل.

الولايات المتحدة ترصد كل شيء، ففي الصيف الماضي بعثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون برسالة للحكومة الباكستانية تقول فيها «إنني أفترض أن شخصاً ما في هذه الحكومة (الباكستانية) يعلم مكان بن لادن»، ويوم الأحد وهو اليوم الذي قتل فيه الاميركان زعيم «القاعدة»، قالت كلينتون«أريد ان أعلم كيف خبأ الباكستانيون هذا الرجل؟».

 الرمز الملهم

بعد عقد من الزمان من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أصبح بن لادن «تشي جيفارا» للشباب المتشدد. في عام ،2001 وعشية الحادي عشر من سبتمبر كان للقاعدة أكثر من 200 مجند، 120 منهم في وحدات مقاتلة، والآن هناك مجموعات كبيرة من المرتبطين بمشروع «القاعدة» يمتد نفوذهم من شرق الصين ووسط آسيا الى أقاصي شمال إفريقيا، فعلى العكس من ذلك تزدهر «القاعدة» ولا تنحسر كما يعتقد القائمون على «الحرب على الإرهاب». وقبل سنوات من أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان بن لادن يسعى لكي يصبح الزعيم الرئيس، وذلك عن طريق خلق تحالفات مع منظمات تتبنى الأيديولوجيات المتطرفة نفسها، وهي تلك التحالفات التي تأسست بموجب علاقات بن لادن الشخصية وترسخت اكثر بأمواله. وفي عام 1996 عندما تزايدت الضغوط الدولية على السودان لطرد بن لادن كان أتباعه لا يتجاوزن 30 شخصاً.

بالطبع كان لديه أموال طائلة لكن لم يكن يتمتع بكثير من الحنكة التنظيمية ولم تتوافر لديه قاعدة صلبة لفكر عقائدي أصيل يساعد على استقطاب المزيد من الأتباع، لكنه استطاع ان يعوض ذلك عن طريق شد انتباه وسائل الاعلام وبتدبيره هجمات جريئة مدهشة. وبعد إعلانه الحرب على الولايات المتحدة عام 1998 مباشرة أسس الجبهة الاسلامية العالمية للجهاد ضد الصليبيين واليهود، وبعد ذلك بقليل فجرت «القاعدة» سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا.

على الرغم من ذلك لم يتمكن بن لادن حتى ذلك الوقت من الحصول على المنصب الذي رسمه لنفسه، فبغض النظر عن نائبه، أيمن الظواهري، لم يرض الا قليل بأن يضعوا انفسهم تحت إمرته، ففي افغانستان وقف كل من علي محمد الفخري وزين العابدين محمد حسين، أمام محاولاته لفرض سيطرته على معسكرات التدريب الخاصة.

كما لم يعترف المتشدد الاكثر تطرفاً في جيله، مصطفى ست مريم نصر، بسلطة بن لادن، وكان أحمد فضيل نزال الخلايلة، الملقب بأبي مصعب الزرقاوي، يطمح أيضاً في استخدام موارد بن لادن المالية لتدريب المجاهدين، لكنه لم يكن مستعداً للاعتراف بسلطته، حتى ان الزعيم الاعلى لـ«طالبان»، الملا محمد عمر، رفض التخلي عن قيادة جميع المقاتلين الاجانب لصالح بن لادن.

قاعدة صلبة

ساعدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بن لادن على تحقيق ما لم يكن يحلم بتحقيقه لنفسه، ففي الوقت الذي دخلت الولايات المتحدة الاميركية في صراع متعدد الجوانب في حربها على ما يسمى الإرهاب، أصبحت أيضاً عدوا مشتركا لمنظمات تختلف على المستوى المحلي لكنها تتبنى الايديولوجية نفسها.

وجاء جزء من ذلك الدفع من قادة «القاعدة» الذين هربوا الى ايران حيث وضعوا استراتيجيات جديدة للم شمل الحركة، وفي ما بعد خضعت مجموعة الزرقاوي لقيادة بن لادن رغم أن الاول يقود مجموعة من المجاهدين تفوق ما يقوده الثاني، كما أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال منحت «القاعدة» بعدا جديدا.

المحللة الاسترالية السابقة في شؤون مكافحة الارهاب، ليا فارال، تعتقد انه في الوقت الذي تسعى هذه المنظمات لضرب اهداف محلية فإنها تحتاج الى قاعدة صلبة لضرب بعض المصالح الغربية، وتقول فارال «إن قادة المجموعات المنضمين للقاعدة ينبغي أن يكونوا على استعداد لتشكيل جبهة موحدة وأن يلتزموا بالرسالة ويرضخوا لسلطة القاعدة، وان يثبتوا مدى قوتها ويستقطبوا الآخرين للعمل من أجل قضيتها».

أما قضية القاعدة فهي معروفة سلفاً منذ وقت طويل، فقد كتب عبدالله عزام ان الدولة التي يأمل إنشاءها «سترسل مجموعة من المجاهدين الى جيرانها الكفار»، وستعرض هذه المجموعة الإسلام على قادة تلك الدول، فإذا رفضوا عليهم ان يدفعوا الجزية وأن يخضعوا، ولكن اذا رفضوا هذا الخيار الأخير يتم إعلان الجهاد عليهم ».

القاعدة الجديدة التي جاء ميلادها بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر أعطت أسناناً لهذه الأفكار، فعندما خططت «القاعدة في الجزيرة العربية» عام 2003 لهجمات مدمرة في أنفاق نيويورك، أصبح افرادها يتمتعون بالحراك، فالهجمات الكبيرة على مصالح غربية مثل محاولة نسف طائرة قادمة من امستردام الى ديترويت عام ،2009 أو المحاولة شبه الناجحة العام الماضي لنسف طائرة «يو بي اس»، كل هذه العمليات قام بها أفراد وليست وحدات تعمل مباشرة تحت قيادة بن لادن، وبالمثل تستطيع «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي» ضرب المصالح الغربية في النيجر ومالي دون الرجوع لبن لادن، كما ان «الشباب» في الصومال استقطبت أعداداً كبيرة من الشباب المولودين في اوروبا واميركا.

دماء جديدة

عام 2010 انضم للقاعدة المجاهد الباكستاني، محمد الياس كشميري، جالباً معه مجموعة كبيرة من المقاتلين وموارد لوجستية غزيرة، اذ تعتقد الاستخبارات الغربية أنه مدبر الهجوم الفاشل على صحيفة جيلاند بوستن، المتورطة في نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن كبير قادة «القاعدة» سعيد المصري، الذي قتل العام الماضي في هجوم لطائرة من دون طيار، ترك رسالة لشباب القاعدة توصيهم «بإلحاق الاذى بأعداء الله (الاميركان) على أرضهم وحيثما وجدوا»، وهذا هو العمل الذي سيواصل تنفيذه خليفة بن لادن.

وبما أن الظواهري سيتولى القيادة في «القاعدة» بوصفه نائب بن لادن، فإن مسؤولين في الاستخبارات الغربية يعتقدون أن السلطة الحقيقية ستؤول للقادة الشباب، من بينهم: محمد إبراهيم مكاوي، المعروف بإبراهيم المدني، وهناك عمر الصومالي وسيف العدل، ويعتقد أن هذا الاخير قد تم اختياره لتوجيه العمليات التي تستهدف الغرب، حيث يسعى الى تأجيج حرب استنزاف طويلة الأمد ضد الحكومات الغربية التي أنهكها الغرب.

عام 2005 كتب العدل مذكرة انتقد فيها الجهاديين المصريين لتخطيطهم هجمات عالية المستوى من شأنها ان تستفز الدولة، والتي ستتخذ ضدهم تدابير لا قبل لهم بها. كما أنه انتقد هجمات الحادي عشر من سبتمبر للاسباب نفسها.

تويتر