تلقى اتصالات بعد اغتياله تؤكد حياته

فيسك: باكستان كانت تعرف مكان بن لادن

عندما قامت مجموعة كوماندوز اميركية بقتل اسامة بن لادن في باكستان، ذهب العالم برمته في نوبة فرح جنونية. وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما قد نشر شهادة ميلاده حديثا، الا انه طلع علينا في منتصف الليل ليزف لنا على الهواء خبر مقتل ابن لادن ويزودنا بشهادة وفاة الرجل، الذي قتل في بلدة تحمل اسم ضابط من جيش الإمبراطورية البريطانية القديمة. وقيل لنا ان بن لادن تلقى طلقة واحدة في الرأس، لكن الطيران السري لمجموعة الكاوماندوز في افغانستان، والدفن السري ايضا في البحر، كانا غريبين تماماً كما كان هذا الرجل ومنظمته الشريرة.

وكان الأميركيون ثملين من الفرحة. واعتقد رئيس الحكومة البريطاني ديفيد كاميرون «ان العملية خطوة كبيرة الى الإمام»، ووصفتها الهند بأنها «حدث مهم». وقال رئيس الحكومة الإسرائيلي بينامين نتنياهو مباهياً «انها انتصار مدو» ولكن بعد مقتل 3000 اميركي في حادثة 11سبتمبر، وعدد لا يحصى من الأشخاص في الشرق الأوسط، منهم اكثر من نصف مليون مسلم قتلوا في العراق وافغانسان، و10 سنوات من المحاولة لإيجاد بن لادن، فإنه ليس هناك «انتصارات مدوية».

اما الهجمات الانتقامية فربما تكون مقبلة من قبل الجماعات الصغيرة في الغرب، التي ليس لها علاقة مباشرة مع «القاعدة». وتأكدوا أن شخصاً ما يحلم الآن بـ«ألوية الشهيد بن لادن»، وربما في افغانستان، بين افراد «طالبان».

ولكن الثورات الجماهيرية في العالم العربي خلال الأشهر الأربعة الماضية، توضح ان «القاعدة» ماتت سياسياً الآن. وكان بن لادن قد ابلغ العالم، قال لي ذلك شخصياً، انه ينوي تدمير الأنظمة العربية المؤيدة للغرب، ويريد انشاء خلافة اسلامية جديدة.

وخلال الأشهر القليلة الماضية انتفض الملايين من العرب المسلمين وكانوا مستعدين للشهادة، ليس من اجل الإسلام وانما من اجل الحرية والديمقراطية، ولكن بن لادن لم يقض على الأنظمة الديكتاتورية، وانما الشعب هو الذي فعل ذلك.

التقيت بن لادن ثلاث مرات، والسؤال الوحيد الذي لم أطرحه عليه هو «ما رأيه وهو يشاهد تلك الثورات خلال العام الجاري، تحت ظل الرايات الوطنية وليس الدين»، وكان يرى ان انجازه هو انشاء تنظيم القاعدة، الذي ليس له بطاقة هوية لأعضائه، واي شخص يريد الانضمام اليه فإنه يستطيع ذلك. وعلى الرغم من انه كان المؤسس الا انه لم يكن محارباً فيه. ولم يكن هناك جهاز كمبيوتر في الكهف الذي يختبئ فيه، ولا هواتف. ولكن الأنظمة الدكتاتورية التي تحظى بدعم الغرب لا تنتقد السياسة الأميركية ولكن بن لادن فعل ذلك.

وان كان بعض العرب قد اعجبوا به ذات يوم لأنه قال ما كانوا يريدون قوله، الا انهم اصبحوا قادرين على قول هذه الأشياء، ولذلك فهم لم يعودوا بحاجة اليه، وبالتالي اصبح لا شيء.

وبالحديث عن الكهوف، لابد من القول ان مقتل بن لادن سلط الأضواء على باكستان، ولأشهر عدة مضت كان الرئيس الباكستاني اصف علي زرداري يبلغنا بأن بن لادن كان يعيش في كهوف افغانستان. واتضح الآن انه يعيش في نزل في باكستان، فهل كان يخدعنا؟ بالطبع كان يفعل ذلك، وهل تم ذلك عن طريق الجيش الباكستاني او المخابرات الباكستانية؟ من المؤكد ان الطرفين قاما بذلك ، لأن باكستان كانت تعرف اين يعيش بن لادن.

أبوت آباد ليست موطناً للأكاديمية العسكرية، وانما مقر الفيلق الباكستاني الشمالي، وقبل اقل من عام حاولت اجراء مقابلة مع رجل مطلوب، كان قائد المجموعة المسؤولة عن تفجيرات مومباي بحسب اتهامات هندية، ووجدته في مدينة لاهور الباكستانية، ويحميه رجال من الشرطة الرسمية ويحملون رشاشات عسكرية.

لمشاهدة الموضوع كاملاً يرجى الضغط على هذا الرابط .

وبالطبع فإن هناك سؤالاً جلياً لم تتم الإجابة عنه حتى الآن: ألم يكن من الممكن بالنسبة لهم اعتقال بن لادن؟ ألم يكن بمقدور المخابرات أو البحرية أو القوات الخاصة التي قتلته ان تعتقله؟ اوباما قال ان «العدل» هو الموت، وفي الأيام الخوالي كان «العدل» يعني محاكمة وجلسات ودفاعاً. وكما حال ابنيّ صدام فقد تم قتل بن لادن. وكلي ثقة بأنه لم يكن يريد ان يتم اعتقاله، وكانت توجد كمية كبيرة من الدم في الغرفة التي قتل فيها.

ولكن انشاء محكمة من شأنه ان يزعج العديد من الأشخاص غير بن لادن، ففي نهاية الأمر من الممكن ان يتحدث عن علاقته مع المخابرات الأميركية (سي.آي.إيه) خلال الاحتلال السوفييتي لأفغانستان. وكما الحال بالنسبة لصدام الذي اعدم لقتله 153 شخصاً لم يمنح الفرصة كي يتحدث عن حصوله على مكونات قنابل الغاز من الولايات المتحدة، وعن علاقته الحميمة بوزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد، عندما التقاه في ثمانينات القرن الماضي.

والغريب ان بن لادن «اهم مطلوب» في العالم لقيامه بجرائم ضد الإنسانية، لم يكن كذلك لقيامه بتفجير 11 سبتمبر عام ،2001 وانما حصل على هذا الوضع لقيام «القاعدة» بهجمات ضد السفارات الاميركية في افريقيا والثكنات العسكرية في الظهران. وكان دائما ينتظر صواريخ كروز كي تسقط عليه، وكان ينتظر الموت في كهوف تورا بورا عام ،2001 عندما رفض حراسه ان يسمحوا له بالقتال وأجبروه على الانسحاب عبر جبال باكستان.

وأمضي كثير من الوقت في كراتشي وهو يحبها كثيراً وأعطاني صوراً لجدارية مؤيدة لله على جدران هذه المدينة وأثنى على أئمة المدينة. وكانت له علاقة جيدة مع المسلمين الآخرين، ولكنه بالكاد كان يهتم بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) او بكفاحها، ولم يكن يستحق لقبها التي أسبغته عليه في امس الأول «المحارب المقدس»، وهو الأمر الذي اعتبرته اسرائيل انه جاءها من السماء.

وجاءني بعد ظهر أمس ثلاثة اتصالات هاتفية من اصدقاء عرب تؤكد ان القتيل شبيه بابن لادن، تماماً كما اعرف عراقيين عديدين لا يزالون يعتقدون ان ابناء صدام لم يقتلا عام 2003 ولا صدام نفسه. ومع مرور الزمن ستؤكد لنا «القاعدة» الخبر اليقين. وبالطبع اذا كنا جميعا على خطأ وكان القتيل شبيهاً، فإننا سنشهد صدور تسجيل مرئي لابن لادن الحقيقي، وعندها فإن اوباما سيخسر الانتخابات المقبلة.

روبرت فيسك: مراسل الإندبندنت في الشرق الأوسط

تويتر