تزايد السخط على الغرب وكابول مكّن «طالبان» من مواجهة «الأطلسي»

تاريخ أفغانستان يُعيد نفسه

جنود أفغان ودوليون يوزعون مواد الإغاثة على سكان مقاطعة بغلان لخطب ودهم ضد «طالبان». إي.بي.إيه

كانت الولايات المتحدة في فترة الستينات إبان المرحلة الحاسمة من حرب فيتنام، مصممة على هزيمة أعدائها عسكرياً، ولكنها لم تضع استراتيجية سياسية واقعية كي تدعم هدفها، الأمر الذي ادى في نهاية المطاف الى الفشل.

وكذلك هي حال استراتيجية اميركا في أفغانستان التي تعاني الآن ضعفاً مماثلاً. وأطلق الرئيس الأميركي (باراك أوباما) تصريحاته المنفعلة هذا الأسبوع، التي مفادها أن الجيش الأميركي يعمل على استقرار الوضع العسكري لمصلحته، ولكن لا أوباما ولا مستشاروه للأمن القومي أظهروا أية اشارة إلى فهم الوتيرة المتسارعة التي تخسر وفقها الولايات المتحدة الأرض سياسياً.

ومراراً وتكراراً، يسمع المرء الأفغان يقولون «لايمكن لأحد ان يحب حركة طالبان»، ولكن الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة وحلفاءها يفقدون ثقة الأفغان بهم، بل ويصبحون مكروهين من قبل هذا الشعب.

وفي حقيقة الأمر، فإن هذا السخط المتزايد بسرعة هو الذي مكّن 25 ألفاً من مسلحي «طالبان» من الوقوف في وجه 140 الف جندي اجنبي تقودهم الولايات المتحدة، اضافة الى الجيش الأفغاني وأفراد الشرطة. وبدلاً من اعطاء الأولوية للبحث عن حل سياسي معقول، فإن الاستراتيجية الأميركية الحالية تهدف الى إزالة «طالبان» باعتبارها منظمة عسكرية فاعلة.

يقول الجنرالات الأميركيون إنهم بدأوا تغيير دفة القتال لمصلحتهم بعد ان تمكنوا من توجيه ضربات قوية الى حصون الأعداء في جنوب افغانستان، من خلال القتل المنظم لقادة «طالبان» المحليين من قبل القوات الخاصة الأميركية.

ويبدو أن تعداد قتلى العدو، وهي طريقة سيئة كان يلجأ اليها الأميركيون لتحديد نجاحهم في فيتنام، عادت من جديد. واعلن الجيش الأميركي بفخر، هذا الأسبوع، انه قتل 952 رجلاً من «طالبان» وأسر 2469 خلال الـ90 يوماً التي سبقت شهر ديسمبر. وقال احد الجنرالات متفاخراً «كل 24 ساعة نقتل ثلاثة او خمسة من قادة العدو».

والأمر المثير للغرابة أن قائد قوات التحالف في افغانستان الجنرال ديفيد بترايوس، هو الذي يقود حملة تهدف الى الانتصار عسكرياً فقط. وكان بترايوس الذي يعتبر احد واضعي خطة زيادة القوات الأميركية في العراق، هو الذي اكد انه من خلال مواجهة المسلحين فإن الولايات المتحدة لن تتمكن من النصر عن طريق القتل فحسب. وهو مؤلف كتاب «ميدان المعركة للقوات الأميركية» الذي حظي بالكثير من الإطراء، إذ يقول ان النجاح في مواجهة المسلحين يعتمد على السياسة بنسبة 80٪ واما القتال فإنه يمثل 20٪ .

وثمة تغيرات مهمة على الأرض في افغانستان خلال العام الذي شارف على الانتهاء، ولكن العديد منها كان لمصلحة «طالبان». ومع تركيز قوات الولايات المتحدة على جنوب افغانستان، ازدادت سيطرة «طالبان» على مناطق كبيرة في الشمال والشرق، بعيداً عن المناطق التي يتلقون فيها دعمهم الأساسي. وحتى كابول التي تعتبر جزيرة الأمن والسلام، فإن جميع الطرق الداخلية والخارجية اصبحت هشة امام تعرضها للهجمات.

وفي عام 2001 وقبيل بدء الحرب البرية، عندما كانت «طالبان» تسيطر على معظم افغانستان، سافرت من شمال كابول عبر جبال هندوكوش الى باداكاشان الى الحدود مع طاجيكستان المحاذية. وكانت التضاريس سيئة جداً، وكان يتعين على المسافر وقتها ان يسير بمحاذاة النهر لبعض الوقت أو يقود في ممرات محفورة على سفوح الجبال. واستغرقت الرحلة اربعة ايام، ولكن لم يكن هناك رجال «طالبان» ولا خطرهم.

ولم أتمكن من القيام بمثل تلك الرحلة هذه الأيام لأن «طالبان» اوحلفاءها يقومون بغارات على المناطق التي لا يسيطرون عليها.

وفي كابول، تنتهي سلطة الحكومة عند اخر مركز للشرطة، وتبدأ بعده دوريات «طالبان» ومراكز التفتيش المتحركة التابعة لها بحيث يمكن قتل او خطف اي شخص يمر من هناك له علاقة مع الحكومة الأفغانية او القوات الأجنبية. ويفضل كثيرون عدم حمل هواتفهم النقالة مخافة ان يعثر افراد «طالبان» على ارقام فيها تعتبر معادية بالنسبة لهم.

وتعتبر الحكومة غير موجودة في معظم أنحاء افغانستان، وهو ما يستغله «مسلحون محليون» غالباً يرتدون ملابس عسكرية او زي الشرطة للابتزاز. وقبل بضعة اسابيع كنت في السيارة في منطقة «سالانغ باس» وهو ممر حيوي ويعتبر آمناً ويربط كابول بشمال افغانستان، فتم إيقافنا من قبل عدد من المسلحين الذين يرتدون بدلات عسكرية ادّعوا أنهم يجمعون ضرائب الطرق للبلدية. وقال السائق الأفغاني انهم مجموعة من عصابات قطاع الطرق، ومع ذلك فقد دفعوا لهم. ومن الواضح ان الفساد الذي يعم جميع انحاء افغانستان يزداد سوءاً، وكل انتخابات تكون اكثر سوءاً وفساداً من التي سبقتها. وكانت اخر انتخابات للبرلمان، تم الإعلان عن نتيجتها الشهر الماضي، مخادعة بصورة مؤكدة. و قال احد المرشحين «لا اعتقد ان أحداً سيكلف نفسه عناء الانتخاب في الانتخابات المقبلة».

ولا تهتم السياسة الأميركية في افغانستان بآراء الشعب الأفغاني، ولكن جميع الأدلة تشير منذ عام 2001 إلى أن رأي هذا الشعب مهم جداً، اذا كانت الولايات المتحدة تريد انجاح سياستها في هذا البلد. ولم يكن انبعاث حركة طالبان من جديد أمراً حتمياً، إنما تم تحريضه نتيجة تسليم قيادات المناطق المحلية الى امراء الحرب السابقين، وقادة الميليشيا. وكانت اثارة غضب الشعب على نطاق واسع هي التي حدثت أخيراً والتي مكنت «طالبان» من الصمود على الرغم من الإصابات القوية التي نفذتها القوات المتحالفة بقيادة الولايات المتحدة على «طالبان» خلال الليل، وكذلك الضربات الجوية.

ولا يقتصر العداء للحكومة على المزارعين الذين يتعين عليهم دفع المال للشرطة المحلية، وكان من الغريب ان يستمع المرء لعميل عقارات في كابول يقول «انه من المستحيل ان تستمر الحال من دون حدوث ثورة»، واشار الى ان بعض العمال «يحصلون على اجر قدره خمسة أو ستة دولارات في اليوم، في حين ان استئجار منزل محترم يتطلب 1000 دولار شهرياً».

وعلى الرغم من أن الأفغان يعملون لدى النخبة من الجنرالات وعمال المنظمات الخيرية في كابول، الا انهم لا يحبونهم. وقال احد الأفغان المتعلمين «إنهم يعاملوننا باعتبارنا مواطنين من الدرجة الثالثة ويحشرون كل خمسة او ستة منا في غرفة واحدة، في حين ان كل اجنبي يكسب خمسة اضعاف ما نكسبه نحن ويعيش في غرفة وحده». وبات الأفغان بارعين في إخفاء آرائهم، وكان احد الموظفين الحكوميين يقدم وصفاً مسهباً عن نشاطات وزارته، وسألته اذا كان ثمة شيء يريد أن يقوله لي فقال من دون ان يغير نبرة صوته «ليس هناك اي فرصة في حدوث اي تقدم طالما ان بلدنا محكومة من قبل رجال العصابات وأمراء الحرب»، ولكن الولايات المتحدة وبريطانيا تشنان حرباً من اجل إبقاء هؤلاء الناس في السلطة.

تويتر