‏‏‏يسعين إلى العمل بمفردهن لتحسين وضعهن المادي وتحقيق الذات

تزايد عدد النساء المهاجرات حول العالم‏

جانب من تظاهرة للمهاجرات في أوروبا بهدف تحسين أوضاعهن. أ.ف.ب - أرشيفية

‏تضطر الظروف الاجتماعية والاقتصادية الكثير من النساء إلى ترك بلدانهن أو المناطق التي يعشن فيها بمفردهن والذهاب إلى أماكن بعيدة سعياً وراء الرزق تارة وبحثاً على الاستقرار والنجاح تارة أخرى.

وتشير إحصاءات مختلفة إلى أن عدد المهاجرات يساوي عدد المهاجرين الذكور، حول العالم تقريباً. ويصل عدد المهاجرين من الجنسين إلى نحو 214 مليون شخص، يوجد من بينهم 49٪ من النساء هذا العام. وتحاول الباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا لورانس رولو بيرجي، أن تفهم الدوافع الحقيقية والمعاناة التي تعيشها الفتاة أو السيدة المهاجرة في فرنسا من خلال دراسة عينة من المهاجرات. وقد اختارت الباحثة 187 سيدة من أصول صينية وافريقية وشرق أوروبية، قدمن إلى فرنسا منذ نحو 10 سنوات.

وجدت رولو بيرجي أن القاسم المشترك بين السيدات هو اختيارهن للهجرة من أجل تحقيق نوع من الاستقلالية، سواء عن العائلة أو المجتمع. ورغم أن العامل الاقتصادي يكون غالبا المحفز الرئيس للهجرة إلا أنه حسب العينة المستطلعة فإن «السيدات هاجرن لتحقيق حلم تحقيق ذواتهن». وحسب الأمم المتحدة فإن نسبة المهاجرات تراجعت قليلا مقارنة بسنة ،2000 حيث كانت 49.4٪ من مجموع المهاجرين، غير أنها ارتفعت في السنوات اللاحقة، ففي أوروبا أصبحت 52.3٪ تليها أستراليا ونيوزيلندا بنسبة 51.2٪. وتقول الباحثة ان اللغة هي التي تحدد وظيفة المرأة المهاجرة، فإن كانت تتحدث لغة البلد المضيف أصبح من السهل عليها إيجاد فرصة عمل تتناسب مع مؤهلاتها العلمية أو المهنية. أما إذا كانت السيدة تجهل اللغة المتداولة فقد تضطر للعمل في ظروف صعبة وأحيانا يتعين عليها الانضمام إلى مجموعات عرقية معينة.

 ‏تمييز عنصري

 

تعتبر العنصرية في فرنسا أشد الصعوبات التي تعانيها المرأة العربية المهاجرة رغم حصولها على الجنسية الفرنسية. فقد أشار استطلاع للرأي أجرته اللجنة القومية لحقوق الإنسان قبل سنوات إلى أن 69٪ من الشعب الفرنسي يمارس التمييز العنصري ضد الأجانب خصوصاً النساء، وإلى أن سبعة فرنسيين من كل 10 أكدوا أنهم مارسوا العنصرية ضد المرأة الأجنبية. كما أكد 61٪ من المقترعين أن 75٪ من السكان العرب يتعرضون لتهديدات وأعمال عنف ذات طابع عنصري.

رعاية الشيخوخة

وأصبحت القارة العجوز بحاجة إلى من يرعى شيوخها الذين يتزايد عددهم يوماً بعد يوم، حيث تستقطب أوروبا آلاف الفتيات المؤهلات لرعاية المسنين في البلدان الغربية من القارة. وفي المقابل تحترف العديد من النساء تجارة المجوهرات، ويتنقلن من بلد إلى آخر لبيع سلعهن في نشاط ترويجي لثقافات عالمية مختلفة. وتقول المهاجرة السنغالية في مرسيليا، تيفاني، «أحاول جمع مدخراتي واستخدامها في تجارة مواد التجميل التي نقوم بتصديرها إلى السنغال». وتسافر تيفاني كثيرا وتبني شراكات مع سنغاليين وجنسيات أخرى في الدول تتعامل معها. وتقول إن هذه العلاقات تسهل مهمتها المتمثلة في بيع البضائع. إلا أن قصص النجاح هذه تعتبر ضربا من الخيال بالنسبة للكثير من النساء اللواتي وجدن أنفسهن في قبضة عصابات او تجار مخدرات أو أرباب عمل لا يرحمون. وتعتبر آسيا وأميركا اللاتينية القارتين الأكثر انتهاكاً لحقوق المهاجرات. وتسجل آلاف الخروقات سنوياً في الوقت الذي تتقاعس الحكومات عن اتخاذ التدابير المناسبة لحماية العاملات والخادمات في كثير من دول العالم الثالث.

تجربة قاسية

قبل سنة من الآن شكل ظهور فتاة اندونيسية على شاشات التلفزيون وهي مشوهة الوجه تبكي وضعها المزري، صدمة حقيقية للرأي العام الإندونيسي والماليزي. وقالت سيتي هاجر (33 عاما)، انها وقعت ضحية للاستعباد لمدة ثلاث سنوات، في ماليزيا. ولم تتقاض هاجر شيئاً مقابل الخدمات التي قدمتها للعائلة التي كانت تقيم عندها. وبضغوط من المنظمات الحقوقية فرضت جاكرتا قيودا على مغادرة الفتيات بمفردهن إلى ماليزيا من أجل العمل. ويهاجر نحو 700 ألف شخص من موطنه الأصلي، في إندونيسيا سنوياً لأسباب اقتصادية. وتشكل النساء نسبة 75٪ من هذا العدد، وتعمل الغالبية في خدمة المنازل في ماليزيا ودول الخليج العربي. أما في الفلبين فإن 10٪ من السكان يعيشون خارج الحدود، أغلبهم من النساء. ويسهم المهاجرون بنحو 14٪ من الناتج القومي المحلي من خلال تحويلات تصل إلى 14 مليار دولار سنويا.

وأصبحت المهاجرات بالنسبة لدول مثل مدغشقر والنيبال من أهم الصادرات إلى الدول المصنعة. وفي ذلك يقول المسؤول في البنك الدولي، موريس شيف، «زادت نسبة النساء المهاجرات من أجل العمل بشكل ملحوظ»، وقد شكلت النساء 40.5٪ من اليد العاملة العالمية في .2008 ورغم الأزمة المالية فإن قطاع استقدام العمالة في الشرق الأوسط لم يتأثر كثيراً، حيث تشهد الخدمات المنزلية في بعض الدول مثل لبنان إقبالاً من طرف الخادمات الآسيويات والإفريقيات، وجدن في هذا البلد المضطرب مكانا آمنا يدر عليهن بعض الرزق. ويوجد في لبنان نحو 200 ألف خادمة، جاء معظمهن من الفلبين وسريلانكا وإثيوبيا. ولا توجد تشريعات تحمي العمالة المنزلية بشكل كاف، حيث تتعرض الكثير من العاملات في لبنان لسوء المعاملة.

دخل ثابت

ويقول الاختصاصي الاجتماعي لويس لورا، ان «النساء أكثر تأثرا بظاهرة العولمة لأنهن، خلافا للرجال، لا يطالبن بأجور كبيرة ولا يشترطن ظروف عمل معينة». ويضيف «أهم شيء بالنسبة للمرأة أو الفتاة المهاجرة هو تحقيق دخل ثابت خصوصاً إذا كانت تعول عائلتها، وقد تواجه ظروفا صعبة خصوصاً إذا كانت غير مدربة». ويفضل العديد من الرجال البطالة عن العمل في ظروف صعبة خلاف للنساء اللواتي «لا يمتلكن خياراً لأن هدفهن الأساسي هو تأمين مستوى معيشة مناسب لأطفالهن»، حسب لورا. وهذا ما يفسر توضيح لورا، لماذا تقبل المهاجرات بأي عمل يعرض عليهن، سواء في المنازل أو المصانع أو حتى الوظائف الجزئية، التي تحدد ساعات قليلة، ولا تحاول الكثير من الفتيات أو السيدات اللواتي يحصلن على عمل، ما وراء البحار، أن يفهمن طبيعة العمل ومخاطره وإيجابياته، بل يقبلن مباشرة ويعتبرن أنفسهن محظوظات، نظراً للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعانين منها.

مشاركة مهمة

أشار صندوق الأمم المتحدة للسكان قبل أربع سنوات إلى أن «نشاط القسم الأكبر من المهاجرات يتم بعيداً عن الأنظار، ومن دون اعتراف لهن بما يقدمنه للمجتمع من الناحية الاقتصادية او الاجتماعية». فعلى مستوى العائدات التي يدرها عمل النساء المهاجرات والمسجلة رسمياً ضمن ما يحول سنويا الى البلدان الأصلية يتم الاعتراف بأن للنساء قسط لا يستهان به من مجموع تحويلات المهاجرين عالميا والتي فاقت قيمتها 232 مليار دولار أميركي في عام .2005 فعلى سبيل المثال، تم تقدير نسبة تحويل مهاجرات سيرلانكا بـ62٪ من إجمالي الأموال التي أرسلها المغتربون السريلانكيون إلى بلادهم، أما مهاجرات الفلبين فساهمن بما يناهز الثلث من مجموع التحويلات. على صعيد آخر، تمس هجرة النساء بعض القطاعات الحيوية في البلدان النامية مثل القطاع الصحي، حيث يشير تقرير الأمم المتحدة الى أن دراسات أجريت أخيراً أظهرت أن «نية الهجرة مرتفعة جدا بالذات بين المشتغلين في مجال الصحة». يضاف الى ذلك أن هذه الظاهرة تمس مناطق هي في أشد الحاجة الى وجود كفاءات صحية لمواجهة تفشي آفات واسعة الانتشار مثل مرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز».

تويتر