‏يعتزم إعادة صياغة البلاد لتصبح قوة عظمى ‏

‏بابا رامديف.. معلم يوغا يحاول تخليص الهند من الفقر والفساد‏

دورات رامديف التعليمية في اليوغا وصلت إلى قصر الرئاسة. أ.ف.ب

‏لافت للنظر بلحيته السوداء الكثيفة، وشعره الغزير المربوط من الخلف، وبنيته الجسدية التي تبدو مثالية، لكن حينما تصغي إليه وهو يتحدث يثير اهتمامك بصورة أكبر، بما لديه من ثقة وهدوء مستمدين من رياضة اليوغا التي يمارسها ويقوم بتعليمها للملايين من الهنود منذ سنوات. إنه بابا رامديف (57 عاماً) خبير اليوغا ورياضات أخرى مماثلة، والمعلم الذي خرّج أجيالاً، الذي يجتذبك بما لديه من حجة ومنطق وقدرة على الإقناع. وقد أطلق قبل أيام حزبه السياسي الجديد «بهارات سوابهيمان أندولان»، الذي يعني بالهندية (حركة احترام الذات)، ليخوض به الانتخابات التشريعية المقبلة عام 2014 في عموم الهند.

تدور أفكار رامديف حول تطهير الحياة السياسية في الهند من الفساد، وجعلها أكثر نزاهة وشفافية، واستعادة الاستثمارات والاموال الهندية من الخارج، واستخدامها لمصلحة الشعب الهندي لتخليصه من الفقر والمرض وتحقيق معدلات أفضل من التنمية. كما يقتبس رامديف، واسمه الحقيقي رامكيشان ياداف، أفكاراً ومبادئ منطقية من رياضة اليوغا، ويرى أنه يمكن القياس عليها في عالم السياسة.

فوائد اليوغا

يقول رامديف إن اليوغا هي السبيل الوحيدة للحد من مشكلات الفساد والأمراض الرئيسة في الهند، وإنه سينشئ وحدات تدريب لليوغا في كل قرية في الهند، مشيراً إلى أن السبيل الوحيدة لبناء الشخصية الوطنية تكمن في بناء شخصية الفرد، والطريق لذلك يكون من خلال تدريبات اليوغا.

ويتلقى أكثر من 80 مليون هندي دروساً ودورات في رياضة اليوغا على يد رامديف الذي حقق شهرة واسعة وسمعة طيبة في هذا المجال، من خلال برامجه المتخصصة في هذا المجال عبر قناة «أسثا» التلفزيونية الهندية وعشرات الآلاف من أشرطة الفيديو والاقراص المدمجة.

كما عمل رامديف على تنظيم معسكرات في الارياف وفي الغابات، لتعليم اليوغا التي أثبتت نجاحها وفاعليتها في تخليص الآلاف من الأمراض، وشارك فيها أكثر من ربع مليون.

ووصلت دوراته التعليمية والتدريبية في اليوغا إلى قصر الرئاسة في الهند. ويؤمن رامديف بقوة بأن اليوغا وسيلة فعالة في بناء الجسم السليم، وتخليص الجسد من الكثير من الاسقام والامراض والاوجاع، مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع السكر، والالتهابات الفقرية في الظهر، والتهاب الكبد، إضافة الى البدانة.

ويقول رامديف إن إيمانه بفوائد اليوغا هو الذي دفعه بكل إصرار إلى ممارستها في سنوات طفولته، وأثناء إصابته بالشلل الذي عانى منه سنوات، لكن مواظبته عليها ساعدته في الشفاء من ذلك الشلل، وتكوين بنية جسدية قوية، واكتساب لياقة بدنية عالية.

الرياضة والسياسة

وفي تدليل منه على العلاقة بين الرياضة والسياسة يقول رامديف «مشكلة البلاد تكمن في الفساد، ومع القضاء عليه يتم اقتلاع جذور الفقر والأمية، واليوغا تمرين بدني تقليدي يتعين على كل فرد ممارسته وإدراك القيمة التي تمثلها هذه الرياضة ليعيش حياة ملؤها الصحة والسعادة».

وفي عام 2006 ذكرت تقارير صحافية أن رامديف قادر على معالجة أمراض مزمنة ومستعصية، من دون الحاجة الى العمليات الجراحية أو الدواء، وبعيداً عن التكلفة المادية الباهظة، وذلك بممارسة اليوغا وتمارين للتنفس وأخرى رياضية مثل الايورفيدا مع الالتزام بنظام غذائي، وان أشهر ما عرف به هو تمارين «براناياما يوغا». ويردد دوماً أن الوجبات السريعة والمشروبات الغازية لها أثر مدمر للجسم.

 

 http://media.emaratalyoum.com/inline-images/102282.jpg

‏جوائز وتكريم

في يناير عام ،2007 حصل رامديف على الدكتوراه الفخرية من معهد كالينغا للتكنولوجيا الصناعية في جامعة كيت في ولاية اوريسا الهندية، اعترافاً منها بجهوده في تعميم علوم اليوغا وتوسيع ممارستها كرياضة.

في مارس عام ،2010 حصل على الدكتوراه الفخرية للعلوم من جامعة أميتي في ولاية اوتار براديش.‏

 

سيرة ذاتية

ولد رامديف في مقاطعة غار في ولاية هاريانا، وعانى في طفولته من الشلل، لكنه كان مؤمناً بأنه من خلال اليوغا قادر على استعادة كامل وظائف جسده مرة ثانية. وقد انتظم في الدراسة حتى الصف الثامن في شهباجبور، ثم التحق بمدرسة في قرية خانبور لتعلم اللغة السنسكريتية واليوغا. ومن خلال انتظامه فيها أسهم في برامج المدرسة لتعليم اليوغا للقرويين مجاناً.

وفي عام 1995 افتتح مدرسة لتعليم اليوغا مع شريكين له هما الطبيب فيدا أشاريا بالكريشنا والمتخصص ديفيا ماندير. ويقول الزعيم الروحي الهندي المعروف عالمياً سري رافي شانكر، إنه إذا كان هناك خبير متمرس يستحق الشهادة له في تعليم اليوغا فلا شك أنه رامديف وحده، حيث يمكنه علاج حالات مرضية خطرة وحرجة.

ومن خلال الحملة السياسية لحزبه، أثار رامديف جملة من القضايا الوطنية التي أحدثت جدلاً مطولاً ومتعمقاً في الاوساط الساسية الهندية، من قضايا البيئة والحد من استخدام المبيدات الحشرية واستهلاك المشروبات الغازية الى استعادة ما يسميه الاموال الهندية السوداء من المصارف الغربية، خصوصاً السويسرية، وفشل الصناعة الهندية الذي أدى إلى اغراق الاسواق الهندية بالبضائع الاجنبية وتقديم الدعم للمزارعين، باعتباره من الاسباب الرئيسة لتحقيق الرفاه الاقتصادي وإصلاح النظام التعليمي.

احترام الذات

أعلن رامديف أن حزبه سيخوض الانتخابات المقبلة بقوة، وسيشارك بـ10 مرشحين لكل مقعد في مختلف أرجاء الهند، وسيواصل حملته الهادفة إلى محاربة الفساد وسوء استغلال المنصب والنفوذ، والتستر على جرائم المال العام والقتل والمخدرات والاعتداءات الجنسية والاختطاف. ويقول إنه لن يرشح نفسه ولن يشغل أي منصب، وسيكتفي بدور المرشد وتوجيه الجهود حتى يتم التخلص من الفاسدين. ويضيف رامديف «سيصبح حزبنا قوة كبيرة ومؤثرة في صنع القرار»، مؤكداً أن في مقدمة أهداف حزبه وضع حد للفساد، كما يؤكد أن حزبه سيعمل لتوحيد قوى الامة نحو تطهير النظام السياسي، وجعل ممارسة السلطة أكثر شفافية ونزاهة ومسؤولية». ويقول «سيبذل حزبي كل جهد ممكن لنشر الوعي والاستفادة من ذكاء الناس، وخلق حالة من الوعي العام والحيوية لجعل الهند بلداً فخوراً بتراثه وماضيه وإنجازاته، ولتصبح قوة عظمى وستكون الشخصية القومية الهندية بفكرها هي محور كل شيء، وهذا يعني الحفاظ على التنوع في غنى هذه الشخصية بأبعادها الدينية من هندوسية وسيخ وإسلام ومسيحية وبوذية، وما يتعلق بها من تراث وتقاليد».

مؤامرة كبرى

كما ندد رامديف بحملة الاعتقالات الاخيرة التي شنتها السلطات في صفوف مؤيديه في ولايات عدة وتوجيه اتهامات جنائية لهم، ووصف ذلك بأنه «مؤامرة كبرى»، لكنها لن تثنيه عن المضي في مسيرته التي تعكس تصميماً على إعادة تشكيل الشخصية الهندية من خلال محاربة الفاسدين الذين يقول إنهم يتحملون مسؤولية الظروف البائسة والمزرية التي يعيشها المزارعون والعمال الذين يشكلون أغلبية الشعب الهندي. ويشير إلى أنه ليس سراً أو عيباً أن يكون حزبه من أقوى المحرضين على التظاهر ضد الفساد الذي يتسبب فيه المسؤولون من خلال التجرؤ على إبرام صفقات مشبوهة، تسمح للشركات الاجنبية باختراق جوهر الهند في معظم المجالات، اقتصادية كانت أو تعليمية أو اجتماعية.

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/102281.jpg

ويضيف رامديف أن حزبه سيسلط الضوء على إحياء جوانب منسية ومهملة من التراث الثقافي الهندي، وتعميم الوعي الشعبي، باعتبار ذلك «الخطوة الأولى لجعل الهند قوة عظمى»، وان إحياء النظام التعليمي وفقاً للأسس الوطنية الهندية المعروف باسم «سواديشي شيكشا»، والنظام الصحي القائم على الأسس الوطنية الهندية المسمى «سواديشي تشيكيتسا»، هما الركيزتان الأكثر أهمية في مهمة حزبه. وينتقد رامديف احتلال اللغة الهندية المرتبة الثانية في بلدها الهند بعد الانجليزية، على الرغم من أنها ثاني أكبر لغة في العالم من حيث عدد الناطقين بها بعد الصينية، ويطالب بتحديثها وتجديد حيويتها وتخليصها من المشكلات التي تسبب لها الجمود.

وفي يناير من عام 2006 اتهمت بريندا كارات زعيمة الحزب الشيوعي، سلسلة صيدليات «ديفيا يوغ ماندير ترست» التابعة لرامديف باستخدام عظام البشر والحيوانات في تصنيع الأدوية وتركيبها، وأن تحليلاً للأدوية أجرته مختبرات ومعامل حكومية أظهر ذلك، لكن تحليلاً لعينات أخرى تم إجراؤه في معهد شريرمان للابحاث الصناعية في نيودلهي بيّن أن تلك الادوية لم تحتو على مواد مرفوضة أو غير قانونية، وأن مكوناتها كاملة من الاعشاب، ما أدى إلى قفزة كبيرة في حجم مبيعات صيدليات «ماندير ترست».

مُعارض للشذوذ

«هذا الحكم القضائي سيشجع المنحرفين والشواذ والمرضى العقليين على ارتكاب الجرائم»، كانت هذه بعضاً من الكلمات التي انتقد فيها رامديف حيثيات الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في نيودلهي باعتبار الشذوذ الجنسي جريمة، حيث وصف لهجة الحكم بالضعيفة وغير الحازمة تجاه أمور مؤذية، وتجلب العار والخزي، وتستلزم حزماً وقوة قاطعة، نظراً لخطورتها على كيان الأسرة وتماسكه. ويقول رامديف «ننساق وراء الغرب في كل شيء في تقليد أعمى، ولن تتوقف حركة احترام الذات عن النشاط والعمل والدعوة إلى التظاهر لإبداء المزيد من الحزم تجاه هذه المسائل».

 

 

تويتر