حكومات تسعى إلى تسييس الكوارث لكسب تأييد شعبي مفقود

تأثيرات غير مباشرة لزلازل إيران على دول في الشرق الأوسط

صورة

تحمل الكوارث الطبيعية التي تتعرض لها بعض دول الإقليم، وبصفة خاصة الزلازل - ولاسيما التي تؤدي إلى وقوع أعداد كبيرة من القتلى والجرحى وتتسبب في دمار بالغ في البنية التحتية، وانقطاع تام في خطوط المياه والكهرباء - تأثيرات سياسية مباشرة وغير مباشرة، يتم توظيفها في التحولات الداخلية والتفاعلات الإقليمية بأشكال مختلفة، على نحو ما جرى بالنسبة للعراق وإيران والمغرب والأردن ولبنان، خلال عام 2017، خصوصاً في ما يتعلق باختبار شعبية الحكومات، وتصاعد الصراعات بين النخبة السياسية، ومواجهة شبكات الفساد، وتهديد المحطات النووية، وإطلاق الأقمار الاصطناعية، واتساع دائرة المقاومة المجتمعية لإنشاء السدود، وتعزيز مبدأ الاعتماد على الموارد الذاتية.

التوظيف السياسي

إن الزلازل التي شهدتها دول الشرق الأوسط - وما تمخض عنها من مخاطر مباشرة على حياة البشر، خصوصاً في مناطق الجوار المباشر، فضلاً عن السعى لتعبئة الجهود للبحث عن الأحياء وإزالة أنقاض المباني، وتوفير ملاجئ إنسانية وإعادة إعمار المباني، والمرافق والطرق والجسور التي تهدمت بسببها - تثير مسألة «التوظيف السياسي للكوارث»، وهو ما يبدو جلياً في حالة الشد والجذب التي فرضها الزلزال في إيران بين الإصلاحيين والمحافظين وحكومة الرئيسين السابق أحمدي نجاد والحالي حسن روحاني.

ويظل التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الكارثة (الزلازل) إحدى القضايا الرئيسة للدول التي تقع على خطوط الصدع الرئيسة للزلازل. كما تشير الخسائر المجتمعية من الزلازل إلى قوة الرأي العام في بعض الدول، بل يؤخذ بمواقفها إزاء إنشاء سدود جديدة، حتى لو كان الهدف منها مواجهة العطش المائي للعاصمة، على نحو ما تعبر عنه الحالة اللبنانية، وكذلك برزت محاولة التمييز بين النظام والشعب في إيران من خلال المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي تداعيات ستستمر في مجملها خلال المرحلة المقبلة.


- قللت الحكومة العراقية من المخاوف الخاصة بسد الموصل، بسبب الهزات الأرضية التي تعرضت لها مناطق متفرقة من البلاد، في أعقاب الزلزال الذي وقع على الحدود مع إيران.

- يسود تخوّف لدى أطراف عدة تجاه مخاطر الزلازل على المحطة النووية الإيرانية، التي توجد في شبه جزيرة بوشهر المطلة على الساحل الشرقي للخليج العربي، خصوصاً في أعقاب وقوع أقوى زلزال شهدته البلاد منذ عام 2003.

لم تعد منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن حزام الزلازل في العالم، خصوصاً الحزام الذي يمر بجنوب أوروبا ويمتد حتى الصين، وكذلك الحزام الممتد من اليابان إلى سواحل الولايات المتحدة. وهناك أكثر من نصف الدول العربية، مثل سورية ولبنان والأراضي الفلسطينية والأردن ومصر ودول المغرب العربي واليمن، يقع في مناطق نشاط زلزالي مباشر، على نحو يجعلها تحت تهديد فجائي مباشر، مع الأخذ في الاعتبار أن الزلازل التي ضربت دول الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة راوحت بين هزات متوسطة الشدة (ما بين 3 وما دون 6 درجات على مقياس ريختر وتؤدي إلى أضرار طفيفة)، وكبيرة التأثير (تتجاوز 6 درجات، وتسبب خسائر بشرية واقتصادية حادة).

وقد تمثلت تأثيرات الزلازل، التي شهدتها دول المنطقة خلال عام 2017، على المستويين الداخلي والخارجي، في الآتي:

1- اختبار شعبية الحكومات:

تعد الأزمات أو الكوارث التي تتعرض لها المجتمعات لحظات كاشفة لمدى شعبية الحكومات في أوساط الرأي العام، وهو ما انطبق اخيراً على الحالة العراقية، لاسيما بعد امتداد الهزات الارتدادية للزلزال الذي ضرب الحدود الإيرانية - العراقية، في 12 نوفمبر الجاري، وكان بقوة 7.3 درجات على مقياس ريختر وأسفر عن مقتل 530 شخصاً، وإصابة نحو 9500 آخرين، إلى مدن عراقية مجاورة عدة، لدرجة بلغت 100 هزة، على نحو دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى مطالبة مؤسسات الدولة بالإسراع في إغاثة المناطق التي ضربها، مثل حلبجة وبعض مناطق محافظة ديالى، تجنباً لإثارة مشاعر الغضب والكراهية العامة.

وفي الوقت نفسه، دعا المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي مؤسسات الدولة إلى تسريع جهود الإغاثة، لإدراكه أن الكوارث تمثل لحظات اختبار للحكومات، للقيام بمهامها تجاه مجتمعاتها. ومن الملاحظ إضفاء صيغة دينية على النظام السياسي الذي يحكم دولة تتعرض لزلزال، إذ اعتبر الرئيس حسن روحاني الزلزال الذي وقع في بلاده أخيراً «امتحاناً إلهياً»، و«درساً يجب أخذ العبر منه»، مؤكداً أن «الحكومة ستتخذ الإجراءات والقرارات اللازمة لتقديم مساعدات لمحافظة كرمانشاه»، ودعا المواطنين إلى عدم الإصغاء للشائعات.

وقدرت كلفة الأضرار الناتجة عن الزلزال الإيراني بـ26 ألف مليار ريال إيراني (6.3 مليارات دولار)، حسب تصريحات مساعد حاكم كرمنشاه، مجتبي نيكردار، لوكالة «ايسنا» للأنباء، وهو ما لا يعبر عن عدم كفاءة حكومة روحاني في مساعدة المنكوبين خصوصاً في المناطق النائية، وسط مخاوف من انتشار الأوبئة، بقدر ما يعكس اتهامات محددة للقائمين على مشروع «مسكن مهر» الخاص بالبرنامج الوطني للإسكان بأسعار مخفضة، الذي تبنته حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد (2005-2013).

2- تصاعد حدة الصراعات بين النخبة السياسية:

تستغل التيارات السياسية في إيران الزلزال لتوظيفه في خدمة مصالح حزبية، حيث انتقل الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين إلى ساحة جديدة هي جهود الإغاثة الإنسانية، إذ اتهمت وسائل إعلام مؤيدة للمتشددين حكومة الرئيس حسن روحاني ببطء الاستجابة لتداعيات الزلزال حيث إن كثيراً من المنازل في المناطق الريفية بالإقليم مشيدة بالطوب اللبن، ويعرف عنها انهيارها بسهولة في إيران، التي تقع على خطوط صدع رئيسة.

في حين سلطت الوسائل الإعلامية نفسها الضوء على أعمال الإغاثة التي يقوم بها الحرس الثوري وقدمت تقارير من القرى المتضررة، نقلت شكاوى الناجين من عدم توافر ملاجئ تقيهم البرد الشديد، فضلاً عن تعرضهم لسرقات، وقيام غرباء عن المنطقة بالاستيلاء على جزء من المساعدات المخصصة لهم، بل إن هناك تصريحات لبعض الوزراء تدعم غياب الحكومة عن المناطق النائية، حيث قال وزير الداخلية عبدالرضا رحماني فضلي، في التلفزيون الرسمي، في 13 نوفمبر 2017: «الليل جعل من الصعب على طائرات الهليكوبتر الذهاب إلى المناطق المنكوبة، كما أغلقت بعض الطرق. نشعر بقلق بشأن القرى النائية».

ورغم ذلك أشارت الحكومة إلى إرسال مساعدات تشمل مواد غذائية وأدوية طبية وعيادات ميدانية، بخلاف مصادقة الحكومة على قروض من دون فوائد وهبات إلى العائلات التي تضررت منازلها في المناطق المنكوبة، ويعكس هذا التباين صراعاً طويل الأمد بين الرئيس حسن روحاني والمحافظين المناوئين له، في إطار مساعي الأول لإنعاش الاقتصاد عن طريق تحسين العلاقات مع العالم الخارجي، خصوصاً في مرحلة ما بعد الوصول للاتفاق النووي في منتصف عام 2015.

3- مواجهة شبكات الفساد:

وينطبق هذا على عقود البناء في إيران، لا سيما في ظل ما أظهره الزلزال الأخير. وفي هذا السياق، قال الرئيس حسن روحاني، خلال جلسة للحكومة في 15 نوفمبر الجاري: «عندما يصمد منزل شيده مواطنون، وينهار مبنى أمامه شيدته الحكومة، فهذا دليل على فساد».

وأضاف أنه «في عقود البناء فساد، وهو ما يفرض ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه المُقصرين في تشييد المساكن، والمرافق العامة في مناطق الزلازل، ومحاسبة المسؤولين عن كل خطأ». كما قال المدعي العام في كرمانشاه، محمد حسين صديقي، إن «السلطات ستحقق في مدى جودة المباني الجديدة المتضررة، وستوجه اتهامات إلى أي شخص يثبت تقصيره»، وأضاف: «إذا كانت هناك أية مشكلات في البناء، فيجب محاسبة المهملين عن أفعالهم»، لاسيما بعد الاستنكار على شبكات التواصل الاجتماعي لما حدث في البلاد.

4- تهديد المحطات النووية:

يسود تخوف لدى أطراف عدة تجاه مخاطر الزلازل على المحطة النووية الإيرانية، التي توجد في شبه جزيرة بوشهر المطلة على الساحل الشرقي للخليج العربي، خصوصاً في أعقاب وقوع أقوى زلزال شهدته البلاد منذ عام 2003. وتشير الكتابات إلى أن موقع المحطة النووية في قرية هيليه، مستقر على إحدى أكثر المناطق عرضة للزلازل.

ووفقاً للسجلات الرسمية، فإن المنطقة التي توجد فيها المحطة قد تعرضت لزلازل عدة في توقيتات زمنية مختلفة، في أعوام 1953، و1960، و1972، و2003. ومن شأن وقوع زلزال بقوة 7.3 على مقياس ريختر أن يحول هذه المنطقة بأكملها إلى منطقة نووية ملوثة. وعلى الرغم من أن هناك تأكيدات من الشركة الروسية التي تستكمل بناء هذه المحطة، بشأن قدرتها على مقاومة الزلازل حتى سبع درجات، إلا أنه لا توجد ضمانات بحدوث ذلك، بل قد تمتد تأثيرات الزلزال لبعض دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الكويت والبحرين وقطر والمنطقة الشرقية من السعودية.

5- إطلاق الأقمار الاصطناعية:

أطلقت الحكومة المغربية قمر «محمد السادس أ»، في 8 نوفمبر الجاري، لتعزيز القدرات الأمنية والاستخباراتية للمملكة، من أجل مواجهة التهديدات الإرهابية والهجرة غير الشرعية المتنامية ومتابعة شبكات التهريب والقرصنة في خليج غينيا، ومراقبة حدودها البرية والبحرية والاكتشافات المعدنية والغازية ودراسة ملاءمة المشروعات الاقتصادية، مثل الطاقة الشمسية والمحافظة على البيئة واستغلال الأراضي الزراعية، ومراقبة تأثير الكوارث الطبيعية خصوصاً الزلازل في مخططات الدولة، وهو ما يشير إلى أن هناك هدفين للقمر الاصطناعي المغربي، (أمني ومدني).

ولعل توجه عدد من الدول العربية، مثل الجزائر وليبيا ومصر والإمارات والسعودية، لإطلاق أقمار مختلفة، يعكس، في قسم منه، تقدير الأضرار الناتجة عن الزلازل والعواصف والأمطار والكوارث الطبيعية. ووفقاً لما ذكرته وكالة أنباء «مهر» الإيرانية، في 15 نوفمبر 2017، فإن خبراء في مراكز الدراسات الاستخباراتية ومعهد الدراسات الفضائية والصناعات الإلكترونية في إيران، يدرسون حدود المضي قدماً بمشروع إنشاء منظومة لأقمار اصطناعية استخباراتية، اقتصادياً وتقنياً.

6- اتساع دائرة المقاومة المجتمعية لتأثيرات السدود:

وهو ما ينطبق على ساكني منطقة بسرى في جنوب لبنان، بعد إنشاء الحكومة اللبنانية سداً كبيراً على أرض زلزالية (يفترض أن يتحول سد بسرى إلى ثانيأكبر سدود لبنان، وستصل قدرة استيعابه إلى 125 مليون متر مكعب ستتجمع في بحيرة تصل مساحتها إلى نحو 450 هكتاراً)، بهدف تغذية بيروت بالمياه، إذ يعاني لبنان، خصوصاً بيروت، ذات الكثافة السكانية العالية، عجزاً في إمدادات المياه بـ90 مليون متر مكعب سنوياً.

وقد أثار ذلك انتقاد ناشطين بيئيين، على نحو ما برز في نهاية يونيو 2017، على الرغم من تطمينات مجلس الإنماء والإعمار التابع للحكومة اللبنانية والبنك الدولي الذي يسهم في تمويل المشروع، حيث إن بعض المنازل سبق أن انهارت خلال زلزال ضرب المنطقة في عام 1956، بقوة 6 درجات على مقياس ريختر، وأسفر عن مقتل نحو 135 شخصاً من أهالي المنطقة، وتبعاً لوجهة النظر هذه، فإنه لا يمكن بناء سدود في منطقة زلازل، طبقاً لما تشير إليه الدراسات الخاصة بالمخاطر الزلزالية.

على جانب آخر، قللت الحكومة العراقية من المخاوف الخاصة بسد الموصل بسبب، الهزات الأرضية التي تعرضت لها مناطق متفرقة من البلاد، في أعقاب الزلزال الذي وقع على الحدود مع إيران، وهو ما أكده وزير الموارد المائية حسن الجنابي، خلال تصريحات صحافية في 15 نوفمبر الجاري، في حين يسود تخوف من تأثير الزلزال في سد درنبدخان، خصوصاً أنه كان قريباً من مركز الهزة الأرضية، بحيث سقطت قطع أحجار وأنقاض في المسيل المائي، وانهارت بعض البيوت المجاورة.

7- تعزيز مبدأ الاعتماد على الموارد الذاتية:

هذا ما حاولت الحكومة الإيرانية توصيله إلى الداخل والخارج بعد الزلزال الأخير، حيث قال الرئيس حسن روحاني، في تصريحات صحافية مختلفة: «أطلب من كل المسؤولين الحكوميين وكل القادة العسكريين، وكل المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية، مساعدة مؤسسة الإسكان وعدم القيام بأي شيء على حدة». كما أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أن بلاده ليست في حاجة إلى مساعدات خارجية في الوقت الحالي، حيث قال في هذا السياق: «إننا ممتنون لما تلقيناه من تعاطف وعرض للمساعدات، وفي الوقت الراهن يمكننا تدبر أمرنا بمواردنا».

8- توجيه رسائل من خلال المساعدات:

عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفقاً لما بثته وسائل الإعلام الإسرائيلية في 15 نوفمبر 2017، في خطاب مسجل على شريط فيديو موجه إلى مؤتمر للفيدراليات اليهودية في لوس أنجلوس، أن «تقوم حكومته بتقديم مساعدات طبية إلى ضحايا الزلزال الذي وقع في كل من العراق وإيران بشكل خاص». وقال نتنياهو: «بعد أن رأيت المشاهد المؤلمة لرجال ونساء وأطفال تحت الأنقاض، أمرت بأن يقدم إلى الصليب الأحمر طلب لتقديم مساعدة طبية إلى الضحايا العراقيين والإيرانيين».

تويتر