تنفس الصعداء بعد 20 عاماً من عقوبات أنهكت اقتصاده وعزلته مالياً وتكنولوجياً

السودان أمام تحدي «ما بعد رفع الحظر الأميركي»

صورة

تنفس السودانيون الصعداء، بعد القرار الأميركي برفع العقوبات الاقتصادية، المفروضة على السودان منذ 20 عاماً، وبعد انتظار استمر لسنوات عجاف، أصبح حلم فك الحظر واقعاً ملموساً، وبداية لتحقيق تطلعات السودان الاقتصادية، في النهوض مجدداً، مستفيداً من موارده الطبيعية الضخمة، وموقعه الاستراتيجي في القارة السمراء.

•ظل الاقتصاد السوداني في أزمة كبيرة منذ تطبيق العقوبات، وتفاقمت الأزمة بشدة بعد انفصال الجنوب في 2011، حيث تمكنت الدولة الجديدة (جنوب السودان) من السيطرة على نسبة تقترب من 70% من النفط، الذي كان المصدر الرئيس للدخل القومي للبلاد.

العقوبات الأميركية.. البداية والنهاية

- فى 3 نوفمبر 1997، صدر قرار العقوبات الأميركية على الخرطوم، بموجب قرار تنفيذى رقم 13067، من الرئيس بيل كلينتون.

وبموجب القانون الأميركى للطوارئ الاقتصادية، تم تجميد الأصول المالية السودانية، ومن ثم حصار اقتصادي يلزم الشركات الأميركية بعدم الاستثمار والتعاون مع السودان.

- فى 27 أبريل 2006، جاء الرئيس الأميركى جورج دبليو بوش (الابن)، فأصدر قراراً تنفيذياً آخر رقم 13400، ليزيد استدامة وتعقيد وتشديد العقوبات على السودان.

وفى نهاية مايو 2007، وسّع الرئيس الأميركى الحظر، ليشمل شركات وأشخاصاً لم يكونوا مشمولين بالقرارات السابقة.

- فى نوفمبر 2011، جدد الرئيس باراك أوباما العمل بقانون الطوارئ الوطني المفروض على السودان، وأشار أوباما فى رسالته للكونغرس إلى أن هذا التمديد يشمل توسعة نطاق القانون المعني، ليشمل تجميد ممتلكات بعض المسؤولين السودانيين.

لكن أوباما خفف قبيل تركه منصبه العقوبات المفروضة على السودان بشكل مؤقت، وفى يوليو أجلت إدارة الرئيس دونالد ترامب، لثلاثة أشهر قراراً بشأن رفع العقوبات بالكامل، وحددت مهلة للقرار تنتهى فى 12 أكتوبر.

ماذا يعني رفع الحظر الاقتصادي عن السودان

مع رفع الحظر، سيُسمح للبنوك الدولية بإجراء التحويلات المالية كافة مع السودان، ويمكن للمواطنين والشركات الأميركية إجراء تحويلات مالية مع نظرائهم في السودان.

ويمكن للمواطنين الأميركيين التصدير والاستيراد من السودان، الأمر الذي كان ممنوعاً بموجب العقوبات.

كما سيتم رفع كل الحظر المفروض على الممتلكات والمصالح، بموجب العقوبات.

وسيتم أيضاً السماح بالمعاملات التجارية، الممنوعة سابقاً بين الولايات المتحدة والسودان.

وكذلك السماح بكل التحويلات المالية، المتعلقة بالصناعات النفطية أو البتروكيماوية في السودان والمحظورة سابقاً، بما فيها خدمات الحقول النفطية، وخطوط النفط والغاز.

وأيضاً لن يكون ممنوعاً على المواطنين الأميركيين تسهيل التحويلات المالية بين السودان ودول ثالثة، إلى الحد الذي كان محظوراً من قبل.

ورفع الحظر لا يعني إزالة اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، لدى وزارة الخارجية الأميركية.

وأخيراً.. لائحة العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن الدولي على صلة بالنزاع في دارفور ستبقى نافذة، حيث إن هذا الحظر يمنع أساساً توريد الأسلحة، والمواد ذات الصلة، إلى الأطراف الضالعة في النزاع.

وجاء القرار الأميركي بفك الحظر، لينقل السودان من حالة المحاصرة الاقتصادية الشاملة، إلى الانفتاح، إذ إنه سيطال كل دول العالم، التي كانت ترغب في أن تدعم، أو تنمي، أو تطور مشروعاتها في السودان، لكن العقوبات حالت دون تحقيق رغباتها.

وبعد إعلان القرار الأميركي، اعتلت مظاهر الفرحة والسرور وجوه المسؤولين السودانيين ورجال الأعمال ورجل الشارع البسيط، واستبشر الجميع خيراً بمستقبل واعد ونهضة اقتصادية شاملة، بعد فك الحظر، الذي عطل مرافق الاقتصاد، وشلّ حركة البلاد.

أولى الثمار

وظهرت أولى ثمار قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية، بإعلان بنك السودان المركزي بدء تدفق التحويلات المصرفية بالدولار إلى البلاد عبر الجهاز المصرفي الرسمي. وقد وصف اقتصاديون هذه الخطوة بالإيجابية، لجهة إسهامها في استقرار سعر الصرف وانتعاش الجنيه السوداني، الذي تراجع أمام الدولار إلى أكثر من نحو 22 جنيهاً لكل دولار، مشيرين إلى أن تدفق التحويلات من شأنه أن يعمل على جذب مزيد من الاستثمارات.

وبلاشك، فإن رفع العقوبات سيعزز تعافي الاقتصاد السوداني، وسيعمل علي إعادة دمج السودان في النظام المالي العالمي، مع توقعات بتنامي العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن.

وينتظر السودانيون أن يؤدي رفع العقوبات إلى إنعاش اقتصادهم المنهك بفعل الحروب وانفصال الجنوب، الذي كان غنياً بالنفط. واقتصادياً، يؤدي رفع العقوبات إلى السماح بكل المعاملات التجارية الممنوعة مسبقاً بين الولايات المتحدة والسودان، إلى جانب فتح الباب مجدداً أمام الاستيراد والتصدير بين البلدين.

لقد كانت العقوبات والإجراءات الاقتصادية الأميركية، التي تعود إلى عامي 1997 و2006، سبباً في فصل السودان فعلياً، عن معظم النظام المالي العالمي، وأدت إلى وضع قيود على التحويلات المالية عبر البنوك الدولية، وعلى حصول السودان على التقنيات الحديثة، ما أدى إلى تباطؤ الاقتصاد.

قرار رفع الحظر الأميركي عن السودان بشارة خير، إلا أن هذه الخطوة يعترض طريقها كثير من العقبات الداخلية والخارجية، في ظل الأزمة التي يعانيها السودان، وتقلبات السياسات الاقتصادية العالمية والداخلية.

فالعقبات الداخلية تتطلب حلولاً جذرية، والتزاماً بالسياسات الموضوعة، حتى تستقر الموازنة العامة، وسد العجز في ميزان المدفوعات، وهذه تتطلب وجود قرارات حاسمة من القائمين على أمر تخطيط الاقتصاد السوداني، والسعي للنهوض به.

رفع الحظر ستكون له آثار إيجابية على الاقتصاد السوداني في ما يتعلق بتوفير النقد الأجنبي، وعلى قطاعي الصحة والتعليم في البلاد، إضافة إلى عودة الروح للنقل متمثلاً في قطاع السكة الحديد، والنقل البري والجوي والبحري.

وفي ضوء التطورات الإيجابية والانفراج في علاقة السودان الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي، فإن السودان ستكون له فرصة للحصول على القروض والمنح القادمة من الصناديق المانحة، والتي حالت العقوبات دون وصولها، كما أن رفع الحظر سيسهم في التحرك والتكامل مع مؤسسات التمويل الدولية، وحشد التمويل من المانحين لبرامج البلاد الإنمائية.

ومن أجل الاستفادة من هذا الانفتاح، فإنه لابد من إعادة ترتيب وتهيئة البيت السوداني من الداخل، وضرورة خلق توازن بين الاستيراد والتصدير والترويج بفاعلية لفرص الاستثمار بالسودان، وكذلك ضرورة إجراء مراجعة شاملة لمؤسسات الاستثمار، وإعادة النظر في السياسات النقدية والمالية والتمويلية، وتوجيه سياسات التمويل نحو القطاعات المنتجة، والاستثمار الأجنبي والمحلي للقطاعات الزراعية والصناعات، ولابد أيضاً للإعلام أن يلعب دوراً كبيراً في تقديم صورة إيجابية عن السودان.

الإصلاح الداخلي

الآن وبعد رفع الحظر، فإن السودان أمام تحدٍّ كبير، فالإصلاح الداخلي للمؤسسات له أولوية في معالجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، إضافة إلى التخطيط السليم لجذب الاستثمار الأجنبي، وسيتحتم على حكومة الرئيس عمر البشير تقليص النفقات ومكافحة الفساد، كي تجني ثمار القرار الأميركي.

لقد ظل الاقتصاد السوداني في أزمة كبيرة منذ تطبيق العقوبات، وتفاقمت الأزمة بشدة بعد انفصال الجنوب في 2011، حيث تمكنت الدولة الجديدة (جنوب السودان)، من السيطرة على نسبة تقترب من 70% من النفط، الذي كان المصدر الرئيس للدخل القومي للبلاد.

فقبل انفصال الجنوب، كان السودان يجذب استثمارات أجنبية تحاذي خمسة مليارات دولار سنوياً، وقد هبط هذا الرقم إلى أقل من مليارين، فيما سجل نمواً بنسبة 3.5% في 2016.

وأخيراً، فإن قرار الإدارة الأميركية سيسمح بإعادة تشغيل عدد كبير من المصانع المتوقفة، والتي كانت تستخدم التقنية الأميركية قبل فرض العقوبات على الخرطوم. ووفق بيانات رسمية، تبلغ نسبة المصانع المتوقفة بالسودان 40%، من إجمالي مصانع السودان المقدر بنحو 6660 مصنعاً.

إن فك الحظر يعني استعادة الصناعة لدورها في النهضة الاقتصادية بالسودان، وسيدفع بمزيد من الاستثمارات الأميركية، خصوصاً أن الولايات المتحدة تعتبر مستهلكاً جيداً للصناعات السودانية، مثل الصمغ العربي، الذي يصدر إليها.

ويعد رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان من جانب الولايات المتحدة الأميركية موقفاً إيجابياً، وإن تأخر كثيراً، لكنه سيكون نواة حقيقية لاقتصاد سوداني أكثر تطوراً، وخطوة تمهد الطريق أمام استرداد الاقتصاد السوداني عافيته، بعد 20 عاماً من الحصار.

تويتر