يؤدي أدواراً عدة في أكثر من موقع

«حــزب الله».. وكيـل إيران وأداتهـــا لتنفيذ أجندتها في المنطقة

صورة

استمر «حزب الله» على مدى ثلاثة عقود في العمل بشكل مستقل كمجموعة عسكرية لبنانية تقاتل إسرائيل، واستطاعت أن تشيّد شبكة من المخابئ الحصينة والأنفاق، بالقرب من الحدود اللبنانية الجنوبية، وأن تدرب الآلاف من المقاتلين الملتزمين للقتال ضد إسرائيل، وأنشأت ترسانة من الصواريخ قادرة على إصابة أهداف داخل العمق الإسرائيلي.

• يشارك «حزب الله» في كل معركة تهم إيران، وأكثر من ذلك ساعد على تجنيد وتدريب وتسليح مجموعات مختلفة من الميليشيات الجديدة، التي تنفذ أيضاً أجندة إيران في المنطقة.

• بالنسبة لإيران، فإن «حزب الله» لا يوفر القوة العسكرية فقط، وإنما أيضاً القادة والنشطاء، الذين يتحدثون اللغة العربية، ويستطيعون العمل بسهولة في العالم العربي. وبالنسبة لـ«حزب الله»، فإن تحالفه مع إيران يعني المال لتشغيل شبكة خدمات اجتماعية واسعة في لبنان، تشتمل على مدارس ومستشفيات وقوات كشفية، فضلاً عن أسلحة وتقنيات ورواتب لعشرات الآلاف من المقاتلين.

• بعد تغير الشرق الأوسط، تغير «حزب الله» أيضاً، حيث وسّع بسرعة نطاق عملياته، وأرسل جحافل المقاتلين إلى سورية، ومدربين إلى العراق. ودعم الحوثيين الذين تمردوا على الحكومة الشرعية في اليمن. وساعد على تشكيل كتيبة من المسلحين في أفغانستان تستطيع أن تقاتل في أي مكان تقريباً.

10

آلاف مقاتل عراقي كانوا في سورية خلال معركة حلب العام الماضي، بالإضافة إلى الآلاف من بلدان أخرى.

نعيم قاسم :

«كل مجموعة في العالم تعمل لمصلحة الحزب تعتمد على أفكارنا».

ولكن مع تغير الشرق الأوسط، تغير «حزب الله» أيضاً، فقد وسّع بسرعة نطاق عملياته، وأرسل جحافل المقاتلين إلى سورية. ومدربين إلى العراق. ودعم الحوثيين الذين تمردوا على الحكومة الشرعية في اليمن. وساعد على تشكيل كتيبة من المسلحين في أفغانستان، تستطيع أن تقاتل في أي مكان تقريباً.

وعلى هذا الأساس أصبح «حزب الله» ليس مجرد قوة في حد ذاتها، وإنما أداة أكثر أهمية تسعى من خلالها إيران، صانعته، لتحقيق التفوق الإقليمي.

ويشارك «حزب الله» في كل معركة تهم إيران، وأكثر من ذلك ساعد على تجنيد وتدريب وتسليح مجموعات مختلفة من الميليشيات الجديدة، التي تنفذ أيضاً أجندة إيران في المنطقة.

تم تأسيس الحزب بتوجيهات من إيران في ثمانينات القرن الماضي، كقوة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وأصبح نموذجاً تقتدي به الميليشيات التي تدعمها إيران الآن في المنطقة. وتطور ليصبح الذراع القوية للحرس الثوري الإيراني في المنطقة، حيث يوفر النسيج الضامن لشبكة متنامية من الميليشيات القوية.

وقد أفضت شهور من المقابلات التي أجرتها «نيويورك تايمز» مع مسؤولي ومقاتلي وقادة الحزب، ومع محللين من تسع دول، ومع أعضاء من الحزب نفسه، إلى الكشف عن منظمة تتمتع بقوة ومدى لم يكن معروفاً من قبل على نطاق واسع، يعتمد عليها القادة الإيرانيون لتحقيق أهدافهم في المنطقة.

إيران و«حزب الله» يكمل كل منهما الآخر، كلاهما قوى شيعية في جزء من العالم يغلب عليه الطابع السنّي. وبالنسبة لإيران، وهي دولة فارسية في منطقة غالبيتها من العرب، فإن «حزب الله» لا يوفر القوة العسكرية فقط، وإنما القادة والنشطاء الذين يتحدثون اللغة العربية أيضاً، ويستطيعون العمل بسهولة في العالم العربي. وبالنسبة لـ«حزب الله»، فإن تحالفه مع إيران يعني المال لتشغيل شبكة خدمات اجتماعية واسعة في لبنان، تشتمل على مدارس ومستشفيات وقوات كشفية، فضلاً عن أسلحة وتقنيات ورواتب لعشرات الآلاف من المقاتلين.

الشبكة التي ساعد «حزب الله» على إنشائها غيّرت الصراعات في جميع أنحاء المنطقة. في سورية، لعبت هذه الميليشيات دوراً رئيساً في دعم الرئيس بشار الأسد، الحليف الإيراني المهم، وفي العراق، يحارب «حزب الله» ميليشيات «داعش»، ويعزّز المصالح الإيرانية، وفي اليمن، ساعد في الاستيلاء على العاصمة، وفي لبنان، يبث الأخبار الموالية لإيران، ويبني قوته لمحاربة إسرائيل.

تعاون ميليشياوي

وتتعاون الميليشيات المتحالفة بشكل متزايد عبر الحدود، ففي أبريل الماضي، تم إطلاق سراح صيادين ينتمون للأسرة الحاكمة في قطر، اختطفهم مسلحون في العراق، وذلك في إطار اتفاق مع «حزب الله» في سورية. وفي جنوب سورية، تتواصل القوات المدعومة من إيران مع نظيراتها في العراق. وفي معركة حلب العام الماضي - التي تعتبر نقطة تحول في الحرب السورية - جاء الناشطون المدعومون من إيران من مختلف البلدان، وأذهل تنوعهم حتى أولئك الذين شاركوا في القتال.

يقول مقاتل عراقي درّبه «حزب الله» وحارب في حلب، اسمه حمزة محمد: «كان في الخطوط الأمامية العديد من الجنسيات»، وأضاف «كان (حزب الله) هناك يتكوّن عديده من أفغان وباكستانيين وعراقيين، الجميع موجودون هناك بمشاركة إيرانية لقيادة المعركة».

شبكة موسّعة

جذور هذه الشبكة من الميليشيات تعود إلى الغزو الأميركي للعراق عام 2003، عندما طلبت إيران من «حزب الله» المساعدة على تنظيم الميليشيات الشيعية العراقية، التي قامت في السنوات اللاحقة بقتل مئات الجنود الأميركيين والكثير من العراقيين.

وقد أتاحت الحروب الأخيرة الفرصة لإيران لتجديد وتوسيع الشبكة، وإرسال بعض المجموعات التي دربها «حزب الله» في العراق للقتال في سورية. العلاقة بين «حزب الله» وإيران أكثر من مجرد تحالف سياسي، وإنما يرتبط هذا الحزب بعلاقات أيديولوجية عميقة مع هذه الدولة الفارسية. معظم أفراد الحزب يؤيدون ولاية الفقيه، وهي الإيمان بأن المرشد الأعلى الإيراني هو أعلى سلطة سياسية في البلاد، ويمثل السلطة الدينية العليا. كما أنهم ينظرون إلى هدف واحد هو مكافحة المصالح الأميركية والإسرائيلية، في حين يزعمون أنهم يملؤون الثغرات الناتجة عن الحكومات الضعيفة، ويحاربون الجهاديين السنّة مثل تنظيمي «القاعدة» و«داعش».

وفي إحدى المقابلات التي أجريت معه، اعترف نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بكل فخر، بجهود منظمته في تمرير تجربتها العسكرية الغنية إلى قوات أخرى موالية لإيران. وقال «إن كل مجموعة في العالم تعمل لمصلحة الحزب تعتمد على أفكارنا». ويضيف «وعليه فمن الطبيعي أن يكون كل من يعمل معنا في أي مكان من العالم إضافة لنا، وهذا هو الفوز بالنسبة لنا، لأنهم أصبحوا جزءاً من محورنا ومكسباً لجميع من يدور في محورنا».

ويتساؤل الكثير من المحللين عن مصير عشرات الآلاف من المقاتلين، الذين اكتسبوا خبرة بعد انتهاء حروب سورية والعراق، ويقول زعماء «حزب الله» إنه يمكن استخدامهم في الحروب المستقبلية ضد إسرائيل.

استهداف إيران وحلفائها

نفوذ طهران المتزايد، وأطماعها في المنطقة، جعلاها هي وحلفاءها هدفاً لقوى أخرى، حيث تعتبر المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، «حزب الله» منظمة إرهابية.

أما بالنسبة لـ«حزب الله»، فإن نفوذه المتزايد قد كلفه كثيراً، حيث تكبد الكثير من الخسائر البشرية، والمزيد من الالتزامات المالية جراء حروبه الطاحنة في سورية.

حرب بلا حدود

أصبح «حزب الله» ناشطاً في العديد من الأماكن، للحدّ الذي جعل الكثير من خصومه يسخرون منه، ويصفونه بـ«بلاك ووتر» إيران، في إشارة إلى الشركة الأميركية سيئة الذكر، التي كانت تورد عسكريين مرتزقة أميركيين للعمل في العراق.

في مقبرة تتوسع باستمرار في مدينة النجف العراقية، أشار مقاتل من الميليشيات، يدعى حسين علاوي، إلى شواهد قبور الرفاق الذين قتلوا في معارك بالخارج. وزينت بعض القبور بالزهور البلاستيكية وصور للموتى. وأشار علاوي بإصبعه «هذا واحد من سورية، لدينا الكثير من سورية».

وبدأ العديد منهم حياته المهنية مثل نعيم تماماً، حيث انضم إلى إحدى الميليشيات في العراق، وتلقى تدريباً عسكرياً. وكان أكثر المدربين خبرة من «حزب الله».

في السنوات الأخيرة، ركّز جزء كبير من العالم على المقاتلين السنّة، الذين سافروا إلى سورية والعراق، للانضمام إلى تنظيم «داعش». لكن العالم لم يعر اهتماماً حينما باشرت إيران إطلاق عمليتها الخاصة لتجنيد وتدريب واستقطاب ونشر المقاتلين من جميع أنحاء العالم الشيعي. وفي خضم هذا الجهد، لعب «حزب الله» أدواراً متقدمة على نحو متزايد في قوات الحرس الثوري الإسلامي، وهي القوة التي ساعدت على إنشاء «حزب الله» نفسه.

وفي العراق، أعادت إيران نشر الميليشيات التي شكلتها أصلاً لمحاربة القوات الأميركية، لكن هذه المرة لمحاربة تنظيم «داعش». كما قامت بتجنيد اللاجئين الأفغان للقتال ضمن ميليشيات أطلقت عليها «لواء فاطميون». وقامت بتنظيم جسر جوي كبير لنقل المقاتلين للقتال دعماً للأسد في سورية. ويوفر سلاح الحرس الثوري الإسلامي البنية التحتية لهذه القوات، في حين يركز القادة في إيران و«حزب الله» على التدريب والخدمات اللوجستية.

وشرح عناصر من الميليشيات الموجودة في العراق والمدعومة من إيران، خلال المقابلات التي جرت معهم، كيفية تسجيلهم محاربة تنظيم «داعش». حيث تم تدريب بعضهم في العراق، بينما سافر آخرون إلى إيران لمدة 15 يوماً للتدريب، قبل أن يتوجهوا إلى سورية للقتال هناك. وانضم المقاتلون الأكثر خبرة إلى دورات متقدمة في لبنان أو إيران، يشرف عليها قادة من إيران و«حزب الله». وقامت إيران بحشد المقاتلين من خلال إغراءات مالية ونداءات دينية، لتأجيج قتال دولي ضد الطرف الآخر.

علي حسين، طالب تسرّب من المدرسة الثانوية في العراق، بدأ عهده بالقتال بعد أن اقتحم تنظيم «داعش» شمال العراق في عام 2014، وذهب إلى مكتب تجنيد ميليشيات تدعمها إيران للاشتراك في محاربة المتشددين. إلا أن الجهات المعنية في هذا الخصوص طلبت من حسين القتال أولاً في سورية المجاورة، ضد الثوار الذين يسعون للإطاحة بالحكومة. ووافق على ذلك، وسرعان ما تم تجنيده ضمن شبكة من المسلحين الموالين لإيران، المنتشرة في أنحاء عدة من الشرق الأوسط.

وتم إرساله إلى إيران مع مجندين آخرين، الذين تم نقلهم في ما بعد جواً إلى سورية، حيث تلقى تدريباً عسكرياً ومحاضرات حول «الحرب المقدسة». وبعد قضائه شهراً على الخطوط الأمامية، عاد إلى العراق وبحوزته 1000 دولار وحماسة أيديولوجية جديدة. ويقول «أريد مواصلة القتال ضد المقاتلين السنّة حتى النصر أو الشهادة».

الباحث في الجماعات المسلحة بجامعة ماريلاند، فيليب سميث، ذكر أن أكثر من 10 آلاف مقاتل عراقي كانوا في سورية خلال معركة حلب العام الماضي، بالإضافة إلى الآلاف من بلدان أخرى. وأكد مقاتلون أن ضباطاً إيرانيين نسقوا عمليات القوات الأرضية مع الجيش السوري وسلاح الجو الروسي، بينما وفّر «حزب الله» قادة ميدانيين ومقاتلين يتحدثون العربية. ودافع قادة الميليشيات العراقية عن دورهم في سورية، قائلين إنهم ذهبوا إلى هناك لحماية الأماكن المقدسة، ومحاربة الإرهابيين بناء على طلب من الحكومة السورية.

وقال متحدث باسم إحدى الميليشيات الناشطة في سورية، واسمه هاشم الموسوي: «إذا سألنا أي أحد عن سبب ذهابنا إلى سورية، فاسألوه عن سبب احتلال الأميركان لبلادنا»، ويمضي قائلاً «لم نتسلل، بل دخلنا من الباب». ظهر مقاتلو «حزب الله» اللبناني أيضاً في ساحات القتال في العراق. علي كريم محمد، قناص في إحدى الميليشيات العراقية، عاد بذاكرته إلى إحدى المعارك مع تنظيم «داعش» وسط العراق، يقول ظل المتشددون يرسلون سيارات مصفحة مملوءة بالمتفجرات، والتي لا يستطيع رفاقه تعطيلها. وطلبوا المساعدة، وقدمت مجموعة من المقاتلين اللبنانيين صواريخ متقدمة مضادة للدبابات.

ويمضي محمد قائلاً: «كان الجميع يعرفون أنهم (حزب الله)»، ويضيف: «إذا أرسلت أي مجموعة سيارة انتحارية، فسيتم التعامل معها على ذلك النحو». واليوم تستخدم مجموعته الصواريخ نفسها، ولكن من دون مساعدة «حزب الله».

تويتر