الوصول إلى مسار الحل يقتضي تغييراً في منهج السياسة الخارجية للدوحة

آفاق حل أزمة قطر غير واضحــــة رغم تعدّد الجهود المبذولة

صورة

ثلاثة أشهر مرت على الأزمة القطرية ولاتزال تفاعلاتها مستمرة، وآفاق الحل غير واضحة رغم تعدد الجهود المبذولة على مستويات عدة، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول المسارات المقبلة للأزمة وتداعياتها، ومواقف الأطراف المختلفة ذات الاهتمام بالأزمة، محلية وإقليمية ودولية.

طرحت الدول الأربع، السعودية والإمارات ومصر والبحرين، مطالبها الثلاثة عشر، التي لخصتها في ست حزم من المطالب بعد ذلك، واتخذت إجراءات عدة للضغط على قطر، لضبط سلوكها ودفعها للتجاوب مع تلك المطالب، إلا أن قطر لم تستجب لذلك حتى الآن، وذهبت بعيداً في المراهنة على قوى إقليمية، خصوصاً تركيا، وكذلك إيران، لموازنة ضغط الدول الأربع عليها، ورفعت بذلك حدة التوتر في الأزمة، وسعت إلى تدويلها، وحركت منظمات وجمعيات في أوروبا والولايات المتحدة للدفاع عن مواقفها، وتبريرها، وهو ما نقل الأزمة إلى مستوى أكثر حدة وتوتراً.

ويرى البعض أن المشهد الحالي للأزمة ارتبط بعدد من الاعتبارات التي حكمته ولاتزال، ومن أهمها: أن بعض القوى في الإدارة الأميركية، خصوصاً وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي عاش سنوات عدة في قطر، وكذلك بعض قيادات المخابرات المركزية التي وظفت قطر للعب أكثر من دور في ما يتعلق بصلات مع تنظيمات إرهابية في سورية بالتحديد، وكذلك وزارة الخارجية التي لاتزال تتبنى نظرية دعم قوى الإسلام السياسي - هذه القوى - أسهمت في حدوث نوع من التناقض والارتباك في الموقف الأميركي، فسّرته قطر لصالحها، إلا أن الموقف المتشدد للدول الأربع خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي الأخيرة للسعودية، أسهم في حدوث نوع من المراجعة للموقف الأميركي، حيث حاول وزير الخارجية ريكس تيلرسون أن يختصر الأزمة في توقيع بروتوكول ثنائي بين واشنطن والدوحة لمكافحة الإرهاب، وأسفر ضغط الرئيس الأميركي عليه في إرسال مبعوثين للمنطقة، لإجراء حوار مع المسؤولين فيها، ودعم الجهود الكويتية لإيجاد مخرج للأزمة يرتكز على مخرجات مؤتمر الرياض بهذا الخصوص عام 2014.

موقف مخيّب

الدور المصري

لاشك أنه يتوجب على مصر أن تنتبه إلى أن أطرافاً عدة سعت ولاتزال، لاعتبار الأزمة خليجية بامتياز، محاولة بذلك تجاهل القاهرة في أية جهود تبذل للحل وتسوية الأزمة، وبالتالي فإن الحرص المصري على تماسك إطار العمل الجماعي للدول الأربع، فضلاً عن أن عدم السماح بتحقيق هذه المحاولات، يسهم في بلورة محور حركة إقليمي يسمح بنوع من الحضور المصري على الساحة الإقليمية، ويوازن حركة قوى إقليمية منافسة ومعادية للسياسة المصرية، مثل تركيا وإيران، ويخدم متطلبات الأمن القومي المصري والعربي، ويسمح بصياغة موقف جماعي تجاه تطورات الأزمات العربية القائمة، ويحاصر نشاط تنظيمات الإرهاب في المنطقة.


• الملاحظ حتى الآن أن الجهود الكويتية المسنودة أميركياً لم تحقق أي اختراق في الأزمة، وأن المعيار الأساسي لحدوث مثل هذا الاختراق ليس في توفير ضمانات لتنفيذ اتفاق الرياض أو المبادئ الستة التي أعلنتها هذه الدول، ولكن في اتخاذ قطر خطوات فعلية في مجال وقف الدعم لتنظيمات الإرهاب بصورة كاملة.

جاء الموقف التركي المساند بقوة لموقف قطر مخيباً لآمال دول الخليج الثلاث، خصوصاً بعد مساندتها الواضحة لأردوغان في أزمته مع حركة الخدمة التي اتهمها بمحاولة الانقلاب العسكري، والتي أعلنت أن هذه الحركة التي يرأسها فتح الله غولن حركة إرهابية، فضلاً عن الاستثمارات الواسعة لتلك الدول في تركيا، ومشروعات التعاون، خصوصاً العسكرية منها، التي كان متوقعاً البدء فيها خلال الفترة المقبلة، ورغم أن القاعدة التركية في قطر لا تعد ذات شأن عسكري كبير ولا تغير من موازين القوى العسكرية في المنطقة، وأن الخيار العسكري ليس مطروحاً في أية مرحلة من مراحل الأزمة مع قطر، إلا أن هذه الدول فهمت السلوك التركي على أنه معادٍ لها، ويرجح الانحياز لقطر.

اقتربت قطر كثيراً من إيران ـ خلال هذه الأزمة ـ في تناقض واضح مع الموقف الأميركي الحالي تجاه إيران، وتجاهله للتنافس بين تركيا وإيران على مستوى المنطقة، وهو أمر سوف يدفع إلى تبلور موقف أميركي أكثر تفهماً لمطالب الدول المقاطعة، ولن يصب في مصلحة قطر، خصوصاً في ضوء ما يثار حول توجه بعض دول الخليج لتحسين العلاقات مع العراق، وحديث مسؤولين عراقيين عن جهود لتخفيف حدة التوتر في العلاقات السعودية الإيرانية. هذه الاعتبارات وغيرها تثير تساؤلاً حول المسار المحتمل لهذه الأزمة، في ظل التصعيد الإعلامي المتبادل والجهود الأميركية والكويتية.

ويرى بعض المراقبين أن الجهود الكويتية ترتكز على صيغة تكفل للدول الأربع تحقيق مطالبها، وتتولى خلالها الكويت والولايات المتحدة ضمان تنفيذ قطر لهذه المطالب، مع عدم الضغط على قطر لتوقيع وثائق إضافية بهذا الخصوص، واعتبار وثيقة مؤتمر الرياض 2014 هي الوثيقة الأساسية، ومراقبة تمويل قطر لمنظمات إرهابية، وعدم إيواء عناصر معادية للدول الأربع في أراضيها، والاكتفاء بمراقبة الأداء الإعلامي لوسائل الإعلام القطرية تجاه تلك الدول. الملاحظ حتى الآن أن الجهود الكويتية المسنودة أميركياً لم تحقق أي اختراق في الأزمة، وأن المعيار الأساسي لحدوث مثل هذا الاختراق ليس في توفير ضمانات لتنفيذ اتفاق الرياض أو المبادئ الستة التي أعلنتها هذه الدول، ولكن في اتخاذ قطر خطوات فعلية في مجال وقف الدعم لتنظيمات الإرهاب بصورة كاملة، وهو وإن كان مطلباً أميركياً، إلا أن الدعم القطري لتنظيمات إرهابية في سورية ليست بالأهمية بالنسبة لواشنطن، وهو ما يُبقي على التورط القطري على هذا المستوى، بنوع من غض النظر الأميركي، وتستمر قطر مطلوبة لتوظيفها لتنفيذ مصالح أميركية، ويؤثر ذلك في صدقية الموقف الأميركي حتماً. الواضح إذن أن الأزمة القطرية لاتزال تشهد تفاعلات مستمرة، وأن الجهود المبذولة لم تصل إلى مسار الحل حتى الآن، وأن الجهود الكويتية التي تساندها واشنطن سوف تكون الفرصة الأخيرة لتفكيك هذه الأزمة، التي بدأت تترك تداعياتها على بعض الأزمات في المنطقة، وتشهد تغييراً في مواقف دول خليجية من تطوراتها، خصوصاً الأزمة السورية.

مسار الحل

ولاشك أن الوصول إلى مسار الحل يقتضي تغييراً في منهج السياسة الخارجية القطرية، وإدراك أن دعم مجموعات سياسية ومذهبية ودينية تمثل خطراً واضحاً على الأمن القومي للدول الأربع لا يمكن السكوت عنه، ويمثل أولوية تحكم أي جهود لحل الأزمة.

ويبدو ظاهرياً أن الوساطة الكويتية تلقى قبولاً أكثر من ذي قبل، وأنها أصبحت تمثل نوعاً من الضغط على قطر، وأن هذه الوساطة تحتاج إلى ضغوط أميركية لتغيير الموقف القطري، وهو ما يحتاج إلى موقف أميركي أكثر وضوحاً يستوعب تناقضات مواقف الأطراف المختلفة في الإدارة الأميركية.

الدكتور محمد مجاهد الزيات

تويتر