وزراء خارجية أميركيون أعطوا الدوحة مجالاً للتصرف بشكل يفوق حجمها

مخاطر وساطات قطر في الأزمات الصعبة

صورة

لطالما كانت الوساطات السياسية من قبل شخصيات تحمل خبرة كبيرة في المجال الدبلوماسي تفضي إلى حلول وافية للأزمات الصعبة التي عانتها العديد من الدول، والتي نجم عنها مقتل أعداد كبيرة من المدنيين والأبرياء، تحت نظر وسمع العالم قاطبة، لكن ليس جميع هذه الوساطات كان يسير كما هو مرغوب، إذ إن العديد منها مُني بالفشل، لأسباب عدة تتعلق بالوسيط، أو صعوبة الأزمة، أو ربما لتشعب المصالح الدولية فيها.

خلاصة خطرة

لطالما كان من الخطورة بمكان أن تخلص الميليشيات والمجموعات الإرهابية إلى نتيجة، مفادها أن الرغبة الأميركية لتحقيق السلام تعني أن الترويج للعنف يمكن أن يؤدي إلى اتفاقية معها، يحصل فيها المتسببون في العنف والتطرف على الأفضلية على الذين يتمسكون بالقوانين والأعراف الدبلوماسية، وهذا بالضبط ما فعلته رايس، ثم فعله كيري.

وعندما يتعلق الأمر بقطر وهي تقوم بدور الشرطي الطيب لإنجاز أهداف الشرطيين الأشرار في الشرق الأوسط، وبدلاً من معاملة قطر كشريك كامل، ينبغي على وزارة الخارجية الآن، وكذلك وزارة الدفاع، وضع خطط تفضي إلى إبعاد قطر عن الولايات المتحدة، حيث بات ينظر إلى هذه الإمارة الصغيرة باعتبارها عبئاً وليست ذخراً.

انقضى زمن طويل على الفترة التي كان فيها وزراء الخارجية الأميركيون يفكرون بصورة استراتيجية، وليس مجرد التصرف كرد فعل على الأزمات الناجمة دولياً.

وإذا كانت الأزمات تصنع أو تدمر رجال السياسة، فإن الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» كانت تجربة لوزير الخارجية الأميركية، جون كيري، وأثبتت إنه غير كفء.

وعمل كيري طوال الحرب كمحكم بسيط، أكثر منه دبلوماسياً، يعتقد أن من مصلحته حماية الديمقراطية والحرية، ومعاقبة الإرهاب، وليس الحصول على مكافأة. ولم يكن كيري يقود وزارة الخارجية ببساطة، وإنما كان يعكس ثقافتها أيضاً. وانقضى زمن طويل على الفترة التي كان فيها وزراء الخارجية الأميركيون يفكرون بصورة استراتيجية، وليس مجرد التصرف كرد فعل على الأزمات الناجمة دولياً. وبصورة عامة تجري المفاوضات السياسية، والعمليات الدبلوماسية، والرغبة في بدء واستمرار العمليات السياسية، على مدار الساعة، لكن قلة من الدبلوماسيين يفهمون أنه في بعض الأحيان يكون الخيار الأمثل هو البقاء في حالة استعداد دائم، دون القيام بأي شيء، والاستمرار في ذلك إذا تناقصت قوة العدو في صراع مستمر.

آلية العمل

ويفهم أعداء أميركا آلية عمل الدبلوماسية الأميركية، ويتصرفون استناداً إلى ذلك، وقطر هي واحدة من هذه الحالات الواضحة. وعلى الرغم من أن قطر تطرح نفسها باعتبارها منافساً لأماكن أخرى في المنطقة، كما أنها تتصرف على نحو يفوق حجمها كثيراً على المسرح الدولي، إلا أن الحقيقة أن هذه الإمارة الصغيرة تشجع، وتمول، وتقبل أشكالاً مدمرة من التطرف مسؤولة عن مقتل عدد من الأشخاص خلال العقد المنصرم، يفوق تعداد سكان قطر نفسها، وهذا ينعكس في الوساطة القطرية نفسها.

ولو أخذنا الأحداث التي وقعت في لبنان عام 2008، لوجدنا أن الولايات المتحدة كانت محقة في اعتبارها «حزب الله» تنظيماً إرهابياً قبل هذا التاريخ بكثير. وفي مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط عام 2008 اعترف سفراء إيرانيون، عملوا في لبنان، بأن إيران أسست هذا التنظيم، وقام الحرس الثوري الإيراني بتدريبه كذراع لها، تقوم بتنفيذ أهداف طهران. وعندما زرت لبنان عام 2006 (الحديث للكاتب)، قمت بجولة في بعض الملاجئ التي أنشاها «حزب الله» في جنوب لبنان، ورأيت كيف كانت صور الخميني تزيّن جدران هذه الملاجئ.

وعلى الرغم من أن «حزب الله» متمسك بخطابه السياسي، الذي ينص على أنه حركة مقاومة مناوئة لإسرائيل، إلا أن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، الذي صادقت عليه الأمم المتحدة عام 2000، ينفي مبرر وجوده غير الطبيعي في لبنان. وبناءً عليه، ابتكر سبباً آخر لهذا الوجود، حيث ادعى بأن مزارع شبعا تعود إلى السيادة اللبنانية، على الرغم من أن هذه المزارع هي مرتفعات سورية، احتلتها إسرائيل في عام 1967 في حرب السادس من يونيو، عندما قام الجيش الإسرائيلي باحتلال مرتفعات الجولان، لكن «حزب الله» يعمل من حيث الممارسة في المشهد السياسي اللبناني كالمافيا، حيث ينشط في مجال الأعمال المربحة، ويفرض الحماية، ويعمل في السوق السوداء. وإذا وضعنا الأيديولوجية جانباً، فإنه يتصرف على نحو ما كان عليه الحال في مدينة شيكاغو في ثلاثينات القرن الماضي، أو ربما شيكاغو في عام 2014. وفي عام 2008 قام «حزب الله» باحتلال وسط بيروت، ووجه بنادقه نحو اللبنانيين، وادعى أنه قام بذلك بدافع حماية وجوده، لأنه يخشى أن الحكومة المركزية، التي تسيطر على مطار بيروت الدولي، يمكن أن تجعل من غير الممكن بالنسبة للحزب القيام بتهريب المخدرات والأسلحة، التي يعمل بها مع الإيرانيين.

قلاقل

وفي الوقت ذاته، فإن قيام حركة 14 مارس، إبان ثورة الأرز، بغض النظر عن سلبيات هذه الحركة، شكلت تهديداً للحزب ورؤيته في دفع لبنان نحو الفلك الإيراني. وثارت القلاقل، وتدخلت قطر، وقررت التوسط بين الطرفين لحل النزاع، وهي عملية وافقت عليها وزيرة الخارجية الأميركية في حينه، كونداليزا رايس، وكانت النتيجة اتفاق الدوحة 2008. ووافقت الوزيرة رايس على هذا الاتفاق الذي تم طبخه بصورة سيئة، والذي يعكس ثقافة التفكير قصير النظر، حيث أدى إلى مكافأة «حزب الله» بأن حصل على ثلث المناصب الوزارية في لبنان، الأمر الذي أعطاه القدرة على رفض أي شيء لا يروق له في الحكومة اللبنانية. وكان ذلك نهاية «ربيع الديمقراطية» في لبنان، وهو نتيجة مباشرة للاتفاق الذي وافقت عليه الولايات المتحدة وقطر، والذي كافأ أصحاب العنف والتطرف.

والآن لو نظرنا إلى حركة «حماس»، فإننا نرى أن حجم الدعم الذي قدمته لها قطر، ينبغي أن يكون كافياً لجعل هذه الإمارة الصغيرة في قمة قائمة الدول الراعية للإرهاب، حسب تصنيف وزارة الخارجية الأميركية. ومع ذلك، فإن الوزير كيري جعل قطر شريكاً كاملاً في العملية الدبلوماسية لتحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والحركة. وربما كان هدف الولايات المتحدة هو التوصل إلى الهدوء، إلا أن هدف كيري كان تحقيق نجاحات شخصية له خلال وجوده في منصب وزير الخارجية، لكن من الضروري الاعتراف بأن هدف قطر كان ببساطة هو إنقاذ «حماس»، والسماح بإعادة تسليحها وتقويتها.

مايكل روبن*

*خبير في مركز «أميركان إنتربرايز انستوتيوت»

تويتر