لمواجهة إيران في ما بعد

ينبغي التعامل بصرامة إزاء عـلاقــــــات قطر مع الإرهاب

صورة

على الرغم من أن الأميركيين يدركون جيداً خطر الإرهاب وآثاره على الولايات المتحدة، إلا أن معرفتهم ليست على ما يرام في ما يتعلق بالدول التي تدفع للإرهابيين الأموال اللازمة، لتمكّنهم من الحصول على الأسلحة اللازمة، كي يقوموا بأعمالهم الهدامة، ويزوّدونهم بالغطاء الدبلوماسي والعلاقات العامة الدولية من أجل عملياتهم الإرهابية.

وفي منطقة الشرق الأوسط قامت أربع دول، حليفة للولايات المتحدة، هي المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين ومصر، بقطع علاقاتها مع دولة قطر، الأمر الذي أثار أزمة دبلوماسية معها، نظراً إلى أنها تقدم الدعم للإرهابيين.

ومنذ أن تقلّد الشيخ حمد آل ثاني منصب أمير قطر عام 1995، باتت هذه الدولة تحتضن لاعبين سيئين في المنطقة. ومن بين أهم أعمال قطر المثيرة للقلق: الدعم السري لمجموعات إرهابية، مثل «الإخوان المسلمين»، وتسخير محطة الجزيرة القطرية لخدمة المتطرفين دينياً، وإقامة علاقات قوية مع إيران، وعقد صفقات تجارية مهمة معها، وتقديم دعم مادي ومعنوي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله اللبناني، والسماح بنمو الجماعات الإرهابية داخل قطر منذ حدوث ما يسمى بالربيع العربي، وتمويل تنظيم «القاعدة»، كما أكدت ذلك وزارة الخزانة الأميركية عام 2013.

تجفيف المنابع

• الدعم الذي قدّمته الإدارة الأميركية الجديدة من أجل إيجاد استراتيجية في الخليج، تهدف إلى القضاء على المجموعات الإرهابية ورعاتها الدوليين، يعتبر تصرفاً سليماً.

• جميع اللاعبين في المنطقة يرغبون في الحفاظ على علاقات طيبة مع أميركا، كما أنهم جميعاً يرون في تركيز إدارة الرئيس ترامب واستعدادها لمواجهة أعداء مشتركين، باعتباره تحسناً كبيراً على ما كانت عليه الإدارة السابقة التي اتسمت كل تصرفاتها بالتردّد وعدم المبالاة.

وجاء قطع العلاقات مع قطر، إثر دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ربيع العام الجاري، حلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية، لاستئصال أي مصادر تقدم الدعم للإرهاب وتجفيف أي منابع يمكن أن تكون مصدر تمويل له في المنطقة، والاتحاد في جبهة دبلوماسية وعسكرية تقودها المملكة العربية السعودية لمواجهة إيران، وفي الوقت ذاته تكريس العمل مع الولايات المتحدة بصورة وثيقة. وقبل بضع سنوات توقع العالم الأميركي الشهير، روبرت كابلان، بأن تعمل الدول العربية على التحالف مع الولايات المتحدة لمواجهة طموحات إيران في الهيمنة على المنطقة، بمساعدة الأذرع الإرهابية المتحالفة معها. وبات الآن واضحاً أن القضاء على تنظيم «داعش»، والوقوف في وجه إيران وردعها عن تحقيق مآربها، وإعادة مظهر الحياة الطبيعية إلى منطقة الخليج العربي، تتطلب مثل هذه الاستراتيجية بالضبط.

ولكن كما هو ديدن الأمور في الشرق الأوسط، فإن كل شيء ينطوي على تعقيدات مهولة، إذ إن قطر، هذه الدولة الصغيرة، وبالرغم من مسلكيتها السيئة، فإنها تستضيف أكبر قاعدة جوية للولايات المتحدة، ليس في المنطقة فحسب، وإنما في العالم قاطبة، الأمر الذي يفرض على الولايات المتحدة التعامل معها بروية وصبر وحذر. ولكن مع ذلك، وكما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية فإن «جميع اللاعبين في المنطقة يرغبون في الحفاظ على علاقات طيبة مع أميركا، كما أنهم جميعاً يرون في تركيز إدارة الرئيس ترامب واستعدادها لمواجهة أعداء مشتركين باعتباره تحسناً كبيراً على ما كانت عليه الإدارة السابقة التي اتسمت تصرفاتها بالتردد وعدم المبالاة».

مخاوف الانفلات

وقامت السعودية وحلفاؤها المقاطعون لقطر بمنع الدوحة من استخدام ممراتها المائية والجوية - باستثناء ممرات الطوارئ - والبرية، الأمر الذي يضاعف الأثمان التي ستدفعها قطر من أجل الحصول على البضائع والمستلزمات التي تحتاج إليها، وتستوردها من الخارج، على الرغم من أن تدخّل تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، أدى إلى تعقيد الوضع، عندما قامت بكسر المقاطعة، وقدمت لقطر المواد التي تحتاج اليها. ويقول قائد حلف شمال الأطلسي السابق، الأدميرال جيمس ستافريديس، إن الأزمة بين قطر والسعودية وحلفائها يمكن أن تنفلت من عقالها وتخرج عن السيطرة، ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة أن تتدخل للتوسط في حلّها بجدارة، إذ إن الدول المتنازعة جميعها حليفة لواشنطن.

ولكن هذا الأدميرال نفسه يعترف بأن الولايات المتحدة لا يمكنها تجاهل تصرفات كيانات وأفراد قطريين «يواصلون لعب دور المورّد المالي لدعم المجموعات الإرهابية»، بما فيها حركات «طالبان»، و«حماس»، و«الإخوان المسلمين»، وتنظيما «داعش» و«القاعدة». ووصفت وزارة الخزانة الأميركية قطر بأنها «تتساهل قضائياً مع تمويل الإرهاب».

ويضاف الى كل هذه المخاوف وحالات القلق، ما تقوم به محطة الجزيرة من بث أفلام للمتطرفين يدعون من خلالها إلى قتل الجنود الأميركيين، «واليهود الصهاينة»، وفي واقع الأمر فإن قيام حلفاء أميركا، بالطلب من قطر محاربة الإرهاب وقطع أي علاقة معه، وإغلاق محطة الجزيرة، والتجارة مع إيران، تعتبر شرعية بموجب نظام العقوبات الدولية، ولكن ثمة حالة يمكن أن تؤثر على نحو خطير في أرباح قطر من إنتاج الغاز من بئر مشتركة في الخليج العربي مع إيران.

وعلى الرغم من ذلك، فإن دمج القوى تحت قيادة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، المعروف بميوله الإصلاحية في الاقتصاد والمجتمع السعوديين، إضافة إلى الدعم الاستراتيجي للإدارة الأميركية في وضع استراتيجية تؤدي إلى هزيمة تنظيم «داعش» والقضاء عليه، ووضع حد لطموحات إيران في الهيمنة على المنطقة، كل ذلك يتطلب مواجهة قوية للسياسات الدارجة في المنطقة، التي تحرّض المجموعات الإرهابية وتقدم الدعم لها وتعزز من قوتها. ويتطلب ذلك أيضاً قيام حكومة قطر باتخاذ خطوة نحو تلبية المطالب التي تقدمت بها الدول العربية في حشد جديد للطاقات، من أجل بدء تنفيذ الرؤية الاستراتيجية الجديدة والضرورية في المنطقة. فهل يتطلب ذلك انضمام قطر إلى السعودية ودول الخليج الأخرى، إضافة إلى الولايات المتحدة بهدف إقصاء إيران؟ بالطبع نعم.

وقت المفاضلة

إنه في الحقيقة وقت المفاضلة. وحان الوقت الذي تقوم فيه الدولة صاحبة أعلى دخل للفرد في العالم بوقف دعمها للإرهاب الذي يقتل عشرات الآلاف ويولد عدم الاستقرار والمظالم والقمع.

وحتى الآن رفضت قطر الموافقة على الشروط التي وضعتها الدول العربية، وأصرت على أنها غير داعمة للإرهاب، حسب التهمة التي وجهتها لها دول الخليج. ومع ذلك فإن السبب الرئيس للأزمة هو دعم قطر لـ«الإخوان المسلمين» والمجموعات الأخرى المتفرعة عنهم، والتي تصبو إلى الإطاحة بعدد من حكومات دول الخليج.

وفي حقيقة الأمر فإن هذه المخاوف ليست من نسج الخيال، إذ إن ما يعرف بالربيع العربي الذي أدى إلى اندلاع حروب أهلية في ليبيا وسورية، واضطرابات في تونس، حيث وصل «الإخوان المسلمين إلى السلطة. وبشكل موازٍ، وصل «الإخوان المسلمين» في مصر الى السلطة بزعامة محمد مرسي بدعم من الحكومة الأميركية، ونجم عن ذلك شبه انهيار للدولة، إضافة إلى ظهور تهديدات عظيمة للمنطقة، بما فيها تدهور أمن قناة السويس.

وبناءً عليه فإن الدعم الذي قدمته الإدارة الأميركية الجديدة من أجل إيجاد استراتيجية في الخليج تهدف إلى القضاء على المجموعات الإرهابية ورعاتها الدوليين، يعتبر تصرفاً سليماً. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تجنب الاضطرابات والفوضى، ووضع حد للدعم الذي يمكن أن تقدمه أي دولة في المنطقة للمجموعات الإرهابية، مثل «الإخوان المسلمين»، وتنظيمي «داعش» و«القاعدة».

وفي جبهة موحدة ومنسجمة، تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول العربية البدء في مسير الرحلة الصعبة التي تهدف إلى الإطاحة بنظام الملالي في إيران، والذي قالت عنه وزارة الخارجية الأميركية إنه أكبر داعم ومموّل للإرهاب في العالم.

تويتر