وسيلة جديدة تستخدمها الدوحة لافتعال الأزمات

دوافع قطر لـ «تسييس الحج» على النهج الإيراني

صورة

تصاعدت المطالب القطرية، بتوفير ضمانات إضافية لأمن وسلامة الحجاج القادمين من الدوحة، في إطار حملة دعائية مكثفة للمطالبة بـ«تدويل الحج». وعلى الرغم من عدم استجابة أيٍّ من الدول الإسلامية لقطر، إلا أن هذه الدعوة كشفت عن تصاعد التطابق بين السياسات الإيرانية والقطرية، في ما يتعلق بتسييس الشعائر الدينية، والمطالبة بإشراف هيئة دولية على الحج، في إطار توظيف أوراق ضغط متعددة على الدول العربية، المطالِبة بوقف دعم قطر للإرهاب.

تحركات بلا جدوى

التحركات القطرية لتدويل الحج لن تجد صدى لدى الدول العربية والإسلامية، باعتبارها ضمن سياسة افتعال الأزمات والحملات الدعائية القطرية، ضد دول الرباعية العربية والمملكة العربية السعودية؛ إلا أن التهديدات لأمن وسلامة الحجاج لاتزال قائمة، بسبب دعوات إيران للتظاهر والاحتجاج خلال الشعائر الدينية، وتهديدات استهداف حشود الحجاج، خلال المناسك بعمليات إرهابية.


• أضحى (الحج) أداة جديدة، من الأدوات التي توظّفها السياسة القطرية في مواجهة السعودية ودول الرباعية العربية، للرد على الإجراءات المتخذة ضدها، لدفعها إلى وقف دعم الإرهاب.


• يرتبط (تسييس الحج) بسياسة افتعال الأزمات، التي تتبعها قطر في مواجهة دول الرباعية العربية، والتي ترتبط بالتفجير المتتالي لقضايا مثيرة للجدل، والمحاولات المتواصلة لتدويل الأزمة القطرية، والتظاهر بالمظلومية، بالتوازي مع تكثيف الدعاية الهجومية ضد الدول العربية.

تسييس الشعائر

لا يُعد طرح الإدارة الدولية للحرمين الشريفين أحد مستجدات العلاقات بين الدول الإسلامية، حيث تكررت دعوات تدويل الحج من جانب الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، كما اعتادت إيران - منذ ثورة الخميني - طرح الفكرة ذاتها، عقب كل خلاف ينشب بينها وبين السعودية.

وترجع بداية المطالب الإيرانية بتدويل الحج إلى عام 1987، حينما نظم الحجاج الإيرانيون مسيرات ضخمة خلال مناسك الحج، تحت شعار «إعلان البراءة»، بدعوى وقوف المسلمين في مواجهة المُشركين، والتصدي للمظالم التي يواجهها العالم الإسلامي، بإيعاز من الخميني، ما تسبب في تفجر صدامات دامية بين الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودية، ترتبت عليها مقاطعة طهران لمواسم الحج، خلال الفترة بين عامي 1988 و1990.

وتكررت الدعوات الإيرانية لتدويل الحج عام 2015، حينما تسبب حادث تدافع كبير في مقتل نحو 464 إيرانياً خلال أداء مناسك الحج، حيث ادعت طهران وجود استهداف مُتعدد للحجاج الإيرانيين، وشنت حملات دعائية معادية للمملكة، كما تم تنظيم تظاهرات حاشدة ضد الرياض، تخللتها تصريحات عدائية من جانب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، علي خامنئي.

وطالبت إيران بتأسيس هيئة إسلامية مستقلة، مؤلَّفة من الدول الإسلامية، للإشراف على الحج. وتصدت السعودية والدول العربية لهذه الدعوات في أكثر من مناسبة، حيث أدانت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عام 2016 الدعوات الإيرانية لتدويل الحج، وأشار بيانها إلى «أن هذا الطرح رفضته الأمة الإسلامية والأزهر، حينما أثير في سبعينات القرن الماضي»، مؤكداً أن «المملكة العربية السعودية هي المختصة بتنظيم أمور الحج دون أي تدخل خارجي، وأن تلك الدعوات تمثل تدخلاً في الشأن الداخلي للمملكة، الأمر الذي ترفضه كل الدول الإسلامية، وكذلك المراجع الفقهية الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف».

الادعاءات القطرية

أضحى «الحج» أداة جديدة، من الأدوات التي توظّفها السياسة القطرية في مواجهة السعودية ودول الرباعية العربية، للرد على الإجراءات المتخذة ضدها، لدفعها إلى وقف دعم الإرهاب، ففي 20 يوليو الماضي، أعلنت الرياض السماح للمواطنين القطريين - الراغبين في أداء مناسك الحج - بدخول أراضيها بصورة استثنائية، على أن يتوافد الحجاج القطريون إلى المملكة جواً، وعبر أي خطوط جوية أخرى، غير الخطوط القطرية.

وفي المقابل، ادعت «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» القطرية أن هذه الضوابط تمثل قيوداً على حرية الحج، وتسييساً للشعائر الدينية، وتوازى ذلك مع مطالبة وزارة الأوقاف القطرية بتوفير ضمانات إضافية، لتأمين سلامة الحجاج القطريين، وتسهيل قيامهم بأداء الشعائر.

وقد أثارت التصريحات القطرية السالفة الذكر، استنكاراً من جانب الدول العربية والمسؤولين السعوديين، تجاه سياسات قطر الهادفة لتدويل الحج، حيث أشار وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في 30 يوليو 2017، في حديث مع قناتي «العربية» و«الحدث»، على هامش الاجتماع الرباعي في المنامة، إلى احتفاظ السعودية بـ«حق الرد على أي طرف يعمل في مجال تدويل المشاعر المقدسة»، واصفاً طلب قطر بالعدوان، واعتباره «إعلان حرب ضد المملكة»، مؤكداً أن «السعودية ترحب بأداء القطريين للحج، مثلهم مثل بقية الحجاج».

وهو ما سارع وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، إلى الرد عليه بعد ساعات أثناء مقابلة أجرتها معه قناة «الجزيرة»، مساء يوم 30 يوليو 2017، بأنه «لم يصدر أي تصريح من أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج، كما لم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية».

يُشار، في هذا الصدد، إلى أن المستشار في الديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني، قد نشر تغريدات على صفحته بموقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، تتحدث عن كيفية سفر الحجاج القطريين إلى السعودية، مشيراً إلى أن «السلطة القطرية تصد الشعب القطري الشقيق عن العمرة والحج بالأكاذيب، والترهيب قبل الترغيب».

حروب الدعاية

يرتبط «تسييس الحج» بسياسة افتعال الأزمات، التي تتبعها قطر في مواجهة دول الرباعية العربية، والتي ترتبط بالتفجير المتتالي لقضايا مثيرة للجدل، والمحاولات المتواصلة لتدويل الأزمة القطرية، والتظاهر بالمظلومية، بالتوازي مع تكثيف الدعاية الهجومية ضد الدول العربية. وفي هذا الصدد، تتمثل أهم ملامح سياسة قطر لتدويل الحج في ما يلي:

1- اللجوء للمنظمات الدولية

أعلنت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر، على موقعها الإلكتروني في 29 يوليو 2017، أنها خاطبت المقرر الخاص بالأمم المتحدة، المعني بحرية الدين والعقيدة لإبداء قلقها الشديد إزاء ما وصفته بـ«تسييس للشعائر الدينية، وانتهاك لجميع المواثيق والأعراف الدولية التي تنص على حرية ممارسة الشعائر الدينية»، كما ذكرت أنها تُرتب التقدم بشكوى أخرى إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، في إطار سعيها لتدويل ما وصفته بأنه «منع مواطني ومقيمي دولة قطر من أداء مناسك الحج، في كل المحافل الدولية المختصة».

2- تكثيف الحملات الحقوقية

تؤدي اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية دوراً رئيساً في السياسة القطرية، التي كثّفت اعتمادها على مفاهيم حقوق الإنسان في حملات الدعاية المعادية للدول العربية، ومحاولات تدويل «الأزمة القطرية»؛ حيث تولت هذه اللجنة تنظيم لقاءات مكثفة مع ممثلي منظمات حقوق الإنسان الغربية، والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى نشر موضوعات وتصريحات في الصحافة الغربية ضد الدول العربية، لتكثيف الضغوط عليها، للكف عن إجراءاتها الهادفة لدفع قطر للتخلي عن دعم الإرهاب.

3- استغلال صفة «دولة المقر»

تتخذ بعض المنظمات الدولية من الدوحة مقراً لها، وتحظى بدعم وتمويل قطري، مثل «يونسكو»، التي تملك مكتباً إقليمياً في قطر، يُمثل المنظمة في البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات واليمن.

ويرتبط ذلك برفع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، في قطر، شكاوى ضد الدول العربية إلى مقر «يونسكو» في الدوحة، بدعوى انتهاك الحق في التعليم، وعقد اجتماعات ممثلي المنظمات والأجهزة الدولية، مثل مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والأمين العام المساعد لشؤون حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ومركز الأمم المتحدة للتدريب والتوثيق، والبرلمان الأوروبي.

4- التواصل مع البعثات الدبلوماسية

كثّفت قطر تحركاتها ولقاءاتها مع البعثات الدبلوماسية الأجنبية، لدول مثل سويسرا والأرجنتين وكوستاريكا وغانا والسويد، واستغلت قطر وجود علاقات تعاونية بينها وبين هيئات التمثيل الأجنبية، مثل مذكرة التفاهم المبرمة بين اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية، وإدارة حقوق الإنسان بالخارجية السويسرية، التي تم توقيعها عام 2014، للتنسيق والتعاون المشترك.

5- تنسيق التحركات مع إيران

يأتي الموقف القطري، الأخير، مواكباً لدعوة مرشد إيران، علي خامنئي، في 30 يوليو 2017، للحجاج الإيرانيين باستغلال الحج للتعبير عن «احتجاج الأمة الإسلامية على سياسات الولايات المتحدة الأميركية، ومناصرة المسجد الأقصى»، ما يهدد أمن وسلامة الحجاج، وتحويل الشعارات الدينية إلى تظاهرات احتجاجية غير منظمة، الأمر الذي حذر منه «مجلس حكماء المسلمين»، في بيانه في 31 يوليو 2017 من أبوظبي، مؤكداً رفضه أي محاولة لتسييس الحج، محذراً من «دعوات إقليمية تسعى لاستغلال أحداث القدس، للدعوة إلى الاحتجاج والتظاهر خلال موسم الحج»، مشدداً على أن «هذه الدعوات تحمل في طياتها أهدافاً طائفية مغرضة، لإفساد موسم الحج».

تويتر