دعمها المتواصل للجماعات المتطرفة أثار غضب الجيران

أزمة قطر الحالية تعود إلى عقود مضت

صورة

أكمل الخلاف بين قطر والدول العربية الأخرى شهره الثاني، دون أن تلوح نهاية واضحة في الأفق لهذا النزاع، وكانت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر، قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع قطر قبل 60 يوماً تقريباً.

• قطر تحاول الجلوس على كرسيين، فهي تستضيف من ناحية قاعدة جوية أميركية رئيسة، ما يجعلها شريكاً مهماً لأميركا في المنطقة، ومن ناحية ثانية تساند وتموّل الجماعات الإرهابية.

• الاستقرار الإقليمي، والتضامن العربي في مواجهة العدوان الإيراني، عاملان مهمان للولايات المتحدة، ولفترة طويلة ظل العديد من الأنشطة القطرية غير مواتٍ للمصالح الأميركية في المنطقة.

وراجت في الفترة القصيرة الماضية فرضية بشأن هذا النزاع، تتمثل في أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هو الشخص المسؤول عن انفجار النزاع، لكن ثبت بطلان هذه الفرضية، لأن الاحتكاك بين قطر وجيرانها يعود إلى سنوات عدة. بذور النزاع الذي تفجر في الوقت الراهن تم بذرها في عام 1995، عندما استولى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على العرش في بلاده، بعد انقلاب دموي على والده.

وانطلقت قناة «الجزيرة» تحت حكم حمد، وهي التي تمتعض منها الآن الكثير من الدول في المنطقة. كما أن حمد قرب إليه أحد القادة الروحيين الرئيسين لجماعة الإخوان المسلمين، المصري المولد، يوسف القرضاوي. وقد حظرت البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين، وصنفتها منظمة إرهابية. وأصبحت التوترات بين حمد وجيرانه أكثر حدة في أعقاب «الربيع العربي» في عام 2011. واستمر في تقديم الدعم لمجموعات مثل جماعة الإخوان، التي كادت تتسبب في حالة من عدم الاستقرار للعديد من دول الخليج.

عندما تخلى حمد عن العرش في عام 2013 لابنه تميم بن حمد آل ثاني، كان الكثيرون في المنطقة يأملون أن تعود قطر إلى حظيرة دول مجلس التعاون الخليجي، لكن ذلك لم يحدث أبداً، فبعد أشهر عدة من صعوده إلى العرش، حدثت مواجهة دبلوماسية بين تميم وجيرانه. وكانت نقطة الخلاف الرئيسة هي دعمه لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. واضطرت السعودية والإمارات والبحرين إلى استدعاء سفرائها من قطر في مارس 2014.

استمر هذا النزاع أشهراً عدة، ولم يتم حله إلا عندما وقّع الأمير اتفاقية سرية، تلزم قطر بتغيير مسارها. وبعد ثلاث سنوات، وبعد أن أفشت قطر مبادئ الاتفاق، تأكد للجميع أن قطر لم تف أبداً بالتزاماتها.

ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى التوتر الذي تشهده العلاقات بين قطر وجيرانها، دعمها المتواصل للجماعات المتطرفة. وقد أقام القطريون الأثرياء منذ وقت طويل منظمات إرهابية في جميع أنحاء المنطقة، في حين يبدو أن الحكومة القطرية تغض الطرف عن هذه الأنشطة.

ويؤكد تقرير نشرته وزارة الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي، أن «حكومة قطر حققت تقدماً في مكافحة تمويل الإرهاب، إلا أن ممولي الإرهاب داخل البلاد لايزال باستطاعتهم استغلال النظام المالي غير الرسمي لدولة قطر، وينبغي أن يتوقف هذا على الفور».

ومن المعروف أن قطر توفر موارد كبيرة لحركة «حماس»، وهي مجموعة فلسطينية تصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وغيرهما من الكيانات، على أنها منظمة إرهابية. كما دعمت قطر بعض الجماعات المتطرفة في سورية، مثل «أحرار الشام» التي لها صلات وثيقة بتنظيم «القاعدة». وهناك تقارير عدة تؤكد أن العقل المدبر لهجمات 11/‏‏‏‏‏9، خالد الشيخ محمد، عاش في قطر تحت حماية العائلة المالكة 1992-1996.

ومن شأن هذه الممارسات أن تسبب قلقاً للدول العربية، التي تقاطع قطر في الوقت الراهن، وتقلق الولايات المتحدة أيضاً.

وتحاول قطر الجلوس على كرسيين، فهي تستضيف من ناحية قاعدة جوية أميركية رئيسة، ما يجعلها شريكاً مهماً لأميركا في المنطقة، ومن ناحية ثانية تساند وتمول الجماعات الإرهابية، لكن يجب ألا تخول استضافة قطر هذه القاعدة حصولها على تصريح مجاني لممارسة أنشطتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.

ولم يفت الأوان بعد على دولة قطر لتؤكد بأنها تستطيع أن تلعب دوراً بنّاءً من أجل استقرار المنطقة. ويمكن لقطر أن تنظر إلى سلطنة عمان كنموذج، حيث أن لدى مسقط علاقات طيبة مع طهران، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على علاقات وثيقة وطيبة مع جيرانها العرب والولايات المتحدة. وبالقدر نفسه من الأهمية، فقد امتنعت عن تمويل المتطرفين في ليبيا وسورية. والواقع أنه لا يوجد تسامح مطلقاً مع هذه الأنشطة المتطرفة داخل عمان، فالسلطنة هي الدولة العربية الوحيدة التي تستطيع أن تؤكد أنها لم تقدم أي مقاتل لتنظيم «داعش» الإرهابي.

الاستقرار الإقليمي، والتضامن العربي في مواجهة العدوان الإيراني، عاملان مهمان للولايات المتحدة، ولفترة طويلة، ظل العديد من الأنشطة القطرية غير مواتٍ للمصالح الأميركية في المنطقة.

لم يكن الرئيس ترامب هو السبب في الأزمة الحالية، لكن القيادة الأميركية يمكنها، بل يجب عليها، أن تسعى لإيجاد حل بطريقة تخدم المصالح الوطنية لأميركا وحلفائها الحقيقيين في المنطقة.

لوك كوفي  مدير مركز أليسون للسياسة الخارجية

تويتر