موقف تل أبيب الزائف من قناة «الجزيرة» هدفه محاولة رفع شعبية قطر في العالمين العربي والإسلامي

إسرائيل تتظاهر بالانقلاب على قـطر بوقف بث «الجزيرة»

صورة

هل انقلبت إسرائيل على قطر بوقف بث «الجزيرة»؟ أعلن أيوب قرا، وزير الاتصالات الإسرائيلي، في السادس من أغسطس الجاري، أن حكومته تنوي إغلاق مكتب «الجزيرة» بالقدس، وإيقاف بث القناة من الكابل الإسرائيلي الرئيس، واتهم قرا «الجزيرة» بأنها تدعم الإرهاب، وأضاف أن الإجراء الثاني المتعلق بوقف البث قد تم بالفعل، لكن إجراء إغلاق مكتب المحطة بالقدس سيحتاج إلى قرار إضافي.

كما أكد «قرا» أن دول المنطقة تنظر إلى «الجزيرة» كذراع للإرهاب، بدءاً من تنظيم «داعش»، ومروراً بإيران و«حزب الله»، ويطرح هذا التصعيد المفاجئ من جانب إسرائيل ضد قناة «الجزيرة» تساؤلات عدة حول مغزى الإغلاق في سياق أزمة ممتدة منذ أكثر من شهرين بين قطر وكلٍّ من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، تحتل فيها سياسة قناة «الجزيرة» موقعاً متقدماً في الخلاف بين الجانبين.

• على الرغم من أن القرارات الإسرائيلية الأخيرة قد تبدو كأنها تصعيد بين إسرائيل وقطر، إلا أن من المتوقع أن تمر الأزمة المفتعلة بين الجانبين بشكل سريع، دون أن يترتب على ذلك أي تأثير في سياسة قناة «الجزيرة»، التي تُعتبر تمثيلاً للسياسة القطرية الرسمية التي تصب في مصلحة إسرائيل بشكل عام.

• تعمدت إسرائيل المبالغة في رد فعلها تجاه قناة «الجزيرة» هذه المرة، لكي تدعم السياسة القطرية تجاه الدول الأربع المكافحة للإرهاب بشكل غير مباشر، فأتت حملتها ضد القناة منفصلة تماماً عن استمرار علاقاتها الجيدة مع قطر، ودون تحميل الدولة القطرية أية مسؤولية عن سياسة قناة «الجزيرة».

دلالات التهديد

لا يمكن استبعاد وجود ارتباط بين الأزمة القطرية وتصعيد إسرائيل لخطابها ضد قناة «الجزيرة»، رغم محاولة إسرائيل الإيحاء بأن تهديداتها بإغلاق القناة تأتي رداً على ما سمته التحريض ضدها، والتغطية المنحازة من جانب «الجزيرة» لأحداث المسجد الأقصى خلال الأسبوعين الماضيين.

ويُلاحَظ أن إسرائيل كانت دائمة التنديد بتغطية «الجزيرة» للأحداث في الأراضي الفلسطينية منذ انطلاق القناة عام 1996، لكن لم تترجِم هذه التنديدات في المرات السابقة إلى التهديد بإغلاق مكاتب القناة في إسرائيل، كما يحدث الآن.

فقد تعمدت إسرائيل المبالَغة في رد فعلها تجاه قناة «الجزيرة» هذه المرة، لكي تدعم السياسة القطرية تجاه الدول الأربع المكافحة للإرهاب بشكل غير مباشر، فأتت حملتها ضد القناة منفصلة تماماً عن استمرار علاقاتها الجيدة مع قطر، ودون تحميل الدولة القطرية أية مسؤولية عن سياسة قناة «الجزيرة»، في محاولة منها لتأكيد مزاعم الدوحة بأن قناة «الجزيرة» مستقلة عنها، وأن الخلاف مع «الجزيرة» من جانب أي دولة لا يترتب عليه بالضرورة الدخول مع الحكومة القطرية في أية مواجهة، وهو المنطق الذي يخدم قطر في مواجهة مطلب إغلاق القناة.

من جانب آخر، قد يُعطي الموقف الإسرائيلي الزائف من قناة «الجزيرة» مزيداً من المشروعية الشعبية لقطر في العالمين العربي والإسلامي، حيث يراهن القطريون على فاعلية المنطق التبسيطي السائد في الشوارع العربية، القائل بأن عداء إسرائيل لأي حكومة أو منظمة أو مؤسسة دولية أو إقليمية أو محلية هو شهادة مؤكدة على وطنية مَن تهاجمهم إسرائيل.

حيث منحت إسرائيل بهجومها على قناة «الجزيرة» الفرصة لقطر لخداع عدد من مواطني العالمين العربي والإسلامي، الذين قد لا يدركون أن خلاف الدول الأربع المكافحة للإرهاب مع قطر لا يتعلق بقناة «الجزيرة» بشكل خاص، بقدر ما يتعلق بمجمل السياسة الخارجية القطرية الداعمة للإرهاب، والساعية إلى هز استقرار البلدان العربية.

وبصفة عامة، فإن إسرائيل ترى في الأزمة القطرية فرصة لإزاحة القضية الفلسطينية من أجندة الاهتمامات الدولية، لتحل محلها هذه الأزمة، وهو ما تسعى إليه إسرائيل منذ فترة طويلة، حيث ذكر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي يروج منذ صدور كتابه «مكان تحت الشمس» عام 1993، لفكرة أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط مصدره الصراعات العربية- العربية، سياسياً ومذهبياً ودينياً، وليس الصراع العربي- الإسرائيلي.

ويمكن القول إن السياسة القطرية الحالية تخدم هذا الهدف تماماً، وتمنح إسرائيل الفرصة لتأكيد هذه المزاعم أمام الرأي العام العالمي، وبذلك تكون قطر شريكاً أساسياً في تنحية القضية الفلسطينية من أجندة الاهتمامات الدولية، واستبدالها بأجندة مصطنعة، تُعطي الأولوية لإعادة الاستقرار إلى الشرق الأوسط، بحل الصراعات العربية-العربية، التي تلعب قطر دوراً أساسياً في إثارتها، سواء داخل بعض الدول أو بينها وبين دول عربية أخرى.

تأثيرات القرار

وعلى الرغم من أن القرارات الإسرائيلية الأخيرة قد تبدو وكأنها تصعيد بين إسرائيل وقطر، إلا أن من المتوقع أن تمر الأزمة المفتعلة بين الجانبين بشكل سريع، دون أن يترتب على ذلك أي تأثير على سياسة قناة «الجزيرة»، التي تُعتبر تمثيلاً للسياسة القطرية الرسمية التي تصب في مصلحة إسرائيل بشكل عام.

وفي هذا السياق، ترك وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، الباب مفتوحاً أمام احتمالات التراجع عن قرارات، بزعمه أن هذه القرارات تحتاج إلى موافقة المجلس الوزاري المصغر (الذي يضم رؤساء الكتل المشاركة في الائتلاف أو الوزراء الممثلين لهم وبعض الجهات الأمنية)، إذ صرح «قرا» بأن إغلاق مكتب «الجزيرة» في القدس الغربية ليس من ضمن صلاحياته كوزير للاتصالات، وأن المجلس الوزاري المصغر له القول الفصل في هذا الشأن.

إضافة إلى أن قرار الوزير بقطع بث قناة «الجزيرة» من الكابل الإسرائيلي الرئيس، لا يُعد وسيلة حقيقية لمنع وصول القناة للمشاهدين الإسرائيليين، خصوصاً عرب 48، الذين يعتمدون على أقمار متعددة تمكّنهم من التقاط قناة «الجزيرة»، وحتى في حال قيام المجلس الوزاري المصغر باستصدار قرار لإغلاق مكاتب المحطة في القدس، على الرغم من صعوبة اتخاذه على المستويين القانوني والسياسي، فإن درجة تأثيره ستكون ضعيفة، في ظل اعتماد «الجزيرة» بشكل رئيس على مكتبها في رام الله الخاضع للسلطة الفلسطينية.

أوجه الاستفادة

تعتقد قطر أن صدام إسرائيل مع «الجزيرة» سيمنحها دعماً من الرأي العام العربي والإسلامي، وربما العالمي، على أساس أنها تقف في مواجهة إسرائيل، وتدافع عن الحق الفلسطيني، وتنتصر لحرية التعبير، ومبدأ عرض الرأي والرأي الآخر، لذا فإن علاقاتها الجيدة مع إسرائيل على المستويين الاقتصادي والسياسي، ودعم الدوحة للإرهاب الذي بات معروفاً للرأي العام العربي والعالمي، سيُقللان كثيراً من حجم العائد المنتظر من هذه السياسة المزدوجة.

فمن المعروف أن قطر كانت أول دولة تسمح لإسرائيل بافتتاح مكتب لرعاية مصالحها التجارية في الدوحة عام 1996، وقد تزامن هذا مع إطلاق قناة «الجزيرة»، كما استقبلت قطر العديد من القيادات الإسرائيلية المعروفة، مثل شمعون بيريز عام 2007، الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة حينها، كما زارت تسيبي ليفني قطر عام 2008، عندما كانت تتولى منصب وزيرة الخارجية.

وحتى عندما حدث خلاف بين الطرفين، بسبب قيام «الجزيرة» في يوليو 2008 بتغطية الاحتفالات التي أقامها «حزب الله»، بعد الإفراج عن الأسير اللبناني في السجون الإسرائيلية، سمير القنطار، وهو ما رأته إسرائيل عملاً غير مقبول، قامت «الجزيرة» بتقديم اعتذار رسمي لإسرائيل.

ويبدو أن إسرائيل ستكون أكبر المستفيدين من إثارة الأزمة الأخيرة مع قناة «الجزيرة» على أكثر من مستوى:

تعزيز التعاون

تُعطي إسرائيل من خلال تهديداتها الأخيرة الإيحاء بأن سياسة قناة «الجزيرة» منفصلة عن السياسة القطرية، وأن الهجوم على «الجزيرة» لا ينبغي أن يمتد للهجوم على مجمل السياسة القطرية، وهو ما سيدفع قطر إلى إبداء مزيد من التعاون مع تل أبيب، وضبط تحركات حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في غزة، التي تتلقى دعماً مالياً من قطر، بما يقلل من المخاطر الأمنية على إسرائيل، ويحد من احتمالات وقوع مواجهات بينها وبين «حماس»، كما قد يزداد التعاون بينهما في ملفات عدة، أهمها استخراج وتنظيم صادرات الغاز إلى أوروبا، وتحركات إيران في المنطقة.

تخفيف الضغوط

مع استمرار عدم استجابة قطر لمطالب الدول الأربع المكافحة للإرهاب، فإن ذلك سيؤدي إلى دفع الاهتمام الدولي للنظر إلى هذه الأزمة بدلاً من القضية الفلسطينية، وهو ما سيسهم في تخفيف حدة الضغوط الداعية إلى إنهاء الصراع مع الفلسطينيين، وبالتالي خدمة إسرائيل وحكومة نتنياهو المتطرفة، التي تبذل جهداً كبيراً من أجل منع استئناف مفاوضات التسوية مع الفلسطينيين.

تهويد القدس

مع احتمال بقاء مكتب «الجزيرة» في القدس الغربية وعدم إغلاقه، فإن ذلك يخدم الادعاء الإسرائيلي بأن القدس مدينة موحدة وعاصمة أبدية لها، حيث إن مقر قناة «الجزيرة» يؤكد أن قطر لا تجد حرجاً في وجود ما يُشبه تمثيلاً لها في القدس، في الوقت الذي تتفادى فيه معظم دول العالم الوقوع في هذا الخلط، وتقوم بإقامة هيئاتها السياسية والثقافية خارج القدس.

تصاعد التطبيع

تسعى إسرائيل إلى إنهاء سياسة المقاطعة الشعبية لها عربياً، عبر حثّ قطر على استمرار السماح بظهور باحثين أكاديميين وخبراء ومسؤولين رسميين لشرح وجهة النظر الرسمية في قناة «الجزيرة»، وهو ما يُضعف من قوة موقف العالم العربي الداعي إلى عدم السماح بالتطبيع الشعبي، إلا بعد قبول إسرائيل للمبادرة العربية للسلام، وإعلانها صراحة الالتزام بكل بنودها، فظهور إسرائيليين على الشاشات العربية من أقوى مظاهر التطبيع.

تويتر