•نتيجة رفضها مطالب الدول العربية

قطر تلعب لعبة خطرة.. وتلبس وجوهاً عدة

صورة

خلال الشهر الماضي عدّلت مجموعة الدول التي تقودها السعودية، والتي تتضمن الإمارات العربية والبحرين ومصر، مطالبها التي قدمتها إلى قطر قبل شهر، وأصرت على ست فقط من أصل 13 كانت قدمتها سابقاً. وتعتبر هذه المبادئ محاولة لإقناع القطريين لمحاربة التطرف والإرهاب، ومنع التحريض على العنف، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والإحجام عن دعم الكيانات غير الشرعية، وأشياء أخرى.

• الدول التي تعارض سياسة قطر ترى في تصرفاتها محاولة من حكام آل ثاني من أجل ممارسة نفوذ كبير على دول العالم العربي عن طريق دعم «الإخوان المسلمين» للسيطرة على حكومات هذه الدول.

• على الرغم من أن القطريين يدعمون «الإخوان المسلمين» في سعيهم من أجل الوصول إلى السلطة، ويؤكدون باستمرار أن الديمقراطية هي التي ستسود في مستقبل العالم العربي، فإنهم لم يفعلوا أي شيء للترويج للديمقراطية في بلدهم.

وعلى الرغم من أن الدول الأربع المذكورة بقيادة السعودية، انتقلت من مرحلة تقديم المطالب إلى حث قطر على قبول مبادئ يُنظر اليها باعتبارها إشارة تصالحية من قبل هذه الدول، تبقى القضية الخلافية المركزية هي دعم قطر لـ«الإخوان المسلمين».

وتدرك الدول الأربع أن تجارب العديد من حكومات الدول الإسلامية قد أثبتت، على المدى البعيد، أن «الإخوان المسلمين» هي حركة معارضة لا تمثل شكلاً مستداماً من الحكم، ولا تقدم شيئاً لتطوير البلاد كبرامج اجتماعية واقتصادية، كما أن بعض أفرادها مرتبطون بالعنف السياسي والتطرف الإرهابي.

وتنطوي الأزمة الحالية في الخليج العربي على سياق تاريخي ديني جيوسياسي، إذ إن قطر دولة صغيرة لا يزيد تعداد سكانها على 2.5 مليون نسمة (أقل من 10% منهم مواطنون)، ولذلك فإنها تشعر بالحسرة منذ أمد بعيد، لكونها تابعة للدول العربية الكبيرة، أمثال السعودية ومصر.

دور يفوق الحجم

ونتيجة رغبتها الجامحة في ممارسة دور يفوق حجمها، والشعور بأهميتها ضمن العالم الإسلامي، عمدت قطر منذ أمد بعيد إلى استضافة قادة «الإخوان المسلمين»، ودعم محاولاتهم من أجل الاستيلاء على السلطة في العديد من الدول العربية. وتربط أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وهو والد الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، علاقة قوية مع الزعيم الروحي الحالي لـ«الإخوان المسلمين»، المولود في مصر، يوسف القرضاوي، الذي يعيش في قطر منذ عام 1961. وإضافة إلى ذلك، عمدت قطر إلى إنشاء وتمويل محطة الجزيرة الإخبارية، ومنصات إعلامية أخرى بهدف الترويج ونشر الخطاب الديني السياسي الصارم لـ«الإخوان المسلمين».

وتشكّل تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر عام 1928، وانتشر عبر منظمات وأفرع في العديد من الدول العربية، مثل تونس والمغرب، وسورية والأردن وفلسطين، إضافة إلى دول أخرى. وفي جميع الحالات التي وصل بها «الإخوان المسلمين» إلى السلطة ثبت عدم قدرتهم على العمل بنجاح وبصورة سلمية في الأنظمة السياسية الثابتة، ويرجع ذلك الى ثلاثة عوامل، هي:

1- تركيزهم على الأيديولوجية الدينية على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يجعل سكان البلاد التي حكموا فيها يشعرون بالنفور منهم، ويفضلون الأنظمة العلمانية الأقدر على الحكم.

2- عجز «الإخوان» عن منع أتباعهم وقياداتهم من التدخل في الحكم، أدى الى إشاعة تصور مفاده أنهم لا يصلحون للحكم الرشيد والمتماسك.

3- عجز «الإخوان» عن إبعاد شبهة التعامل مع المتطرفين والإرهابيين.

ولم يصل «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في مصر إلا لفترة قصيرة بعد حدوث ما يعرف بـ«الربيع العربي»، عندما ثبت أنهم أقل كفاءة من نظام الرئيس السابق حسني مبارك، في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، والجيش. وبالنظر إلى أن العديد من العناصر الإخوانية قد نفذت عمليات إرهابية ضد قوات الأمن المصري، سمّى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر «الإخوان المسلمين» بأنهم «أسلاف تنظيم (داعش) والتنظيمات المتطرفة الأخرى».

فشل الأفرع

وفشلت الأفرع والامتدادات الأخرى لـ«الإخوان المسلمين» في الوصول إلى السلطة في الدول الأخرى للأسباب ذاتها المذكورة آنفاً، ففي الأردن حاول «الإخوان المسلمين»، الذين تجمعوا في حزب أطلق على نفسه «جبهة العمل الإسلامي» إبعاد أنفسهم عن الإرهاب، إلا أن أربعة من قادة الحزب كانوا يحضرون خيمة جنازة عزاء أبومصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق، كما أن قادة من الحزب ذاته أدانوا الغارات الجوية الأميركية على «داعش».

وفي فلسطين تجمع «الإخوان المسلمين» في حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي فشلت في ترسيخ نفسها كياناً يتمتع بالسيادة، كما أنها نفذت عدداً كبيراً من الأعمال العنيفة. وفي سورية أيضاً تصرف «الإخوان المسلمين» طبقاً لصورتهم النمطية، حيث فشلوا في سياسة التغيير التدريجي.

وفي تونس وصل «الإخوان المسلمين» إلى السلطة للمرة الأولى، بعد ما عرف بـ«الربيع العربي»، لكنهم تنازلوا عنها نتيجة فشلهم في السياسات الاقتصادية، ومقاومة العامة «لأسلمة» السياسة، واغتيال اثنين من أبرز السياسيين العلمانيين.

وأخيراً، في المغرب، حيث أطلق «الإخوان المسلمين» في هذا البلد على أنفسهم «حزب العدالة والتنمية»، ووصلوا الى السلطة نتيجة إبعاد أنفسهم بقوة عن المبادئ الثورية، التي يتسم بها حزب «الإخوان المسلمين» الرئيس المؤسس.

وعلى الرغم من أنه ليس جميع الأحزاب التي تنتمي الى «الإخوان المسلمين» مرتبطة بالإرهاب، إلا أن تلك المجموعات منهم الموجودة في مصر، والأردن، وفلسطين، تورطوا بصورة مؤكدة. وتعتبر المنظمة الرئيسة لـ«الإخوان المسلمين» حالياً إرهابية من قبل كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين، وثمة جدل في الولايات المتحدة منذ عقود مضت حول إمكانية وضع الحزب على قائمة المنظمات الإرهابية أم لا. ويعترف معظم الذين يعارضون وضع الحزب في قائمة المنظمات الإرهابية، بأنه مرتبط بأعمال العنف، بيد أنهم يدّعون أن تصنيفه كمجموعة إرهابية من شأنه أن يضر بإحراز أي تقدم سياسي في المنطقة.

لعبة خطرة

وترى السعودية والدول الحليفة لها أن قطر تلعب لعبة خطرة تنطوي على وجوه متعددة. وعلى الرغم من أن القطريين يدعمون «الإخوان المسلمين» في سعيهم من أجل الوصول إلى السلطة، ويؤكدون باستمرار أن الديمقراطية هي التي ستسود في مستقبل العالم العربي، إلا أنهم لم يفعلوا أي شيء للترويج للديمقراطية في بلدهم. ومن حيث الجوهر فإن الدول التي تعارض سياسة قطر ترى في تصرفاتها محاولة من حكام آل ثاني من أجل اكتساب نفوذ كبير على دول العالم العربي عن طريق دعم «الإخوان المسلمين» للسيطرة على حكومات هذه الدول.

وكما هو واضح مما سلف، فشل «الإخوان المسلمين» لنحو نصف قرن في تقديم شكل عملي وقابل للتطبيق للحكم، ولهذا السبب بالذات يتعين على قطر أن توقف دعمها الكبير والطويل الأمد لهذه المجموعة المتزمتة دينياً. كما أن الولايات المتحدة على حق في الضغط على الدول الأخرى لتوقف دعمها لتنظيم «داعش» و«القاعدة»، فإن السعودية والدول التي تتحالف معها على حق في الضغط على قطر لوقف دعمها لـ«الإخوان المسلمين». ليس بسبب أعمال العنف الكثيرة التي ارتكبها «الإخوان»، وانما لمحاولاتهم الدؤوبة لتقديم أنفسهم باعتبارهم حزباً سياسياً عملياً ومقبولاً من الآخرين، يطرح نفسه دائماً للقيادة، بالرغم من فشله لسنوات عدة، إضافة إلى وجود هدفه الراسخ المتمثل في الإطاحة بحكومات الدول العربية التي لا تدعم ثورته الدينية.

تويتر