يشرف عليها عدد قليل من أفراد العائلة الحاكمة

قطر.. تاريخ من المجازفات السياسية الخطرة والحسابات الاستراتيجية الخاطئة

صورة

يبدو أن المخاطر الاستراتيجية على الدوحة تهدد عائلة آل ثاني الحاكمة والدولة القطرية معاً. في الواقع، من الصعب التمييز بين الدولة وآل ثاني، والخيط بينهما رقيق للغاية. وبناء على ذلك، يمكن اعتبار السياسة الخارجية لدولة قطر سياسة خاصة بالعائلة الحاكمة، والتي يحددها عدد قليل من أفرادها في قمة هرم السلطة. وبعبارة أخرى، فإن السياسة الخارجية لهذه الدولة الصغيرة تدفعها المصالح الشخصية على حد سواء، وهي نتاج تقييم متواصل من قبل العناصر الفاعلة من آل ثاني، للمخاطر المحلية والدولية التي تهدد قبضة الأسرة منذ 140 عاماً في السلطة.

• السياسة الخارجية لقطر تدفعها المصالح الشخصية أولاً، وهي نتاج تقييم متواصل من قبل العناصر الفاعلة من قبيلة آل ثاني للمخاطر المحلية والدولية التي تهدد قبضة الأسرة على مقاليد الحكم.


• كان وزير الخارجية القطري السابق ورئيس وزرائها حمد بن جاسم، مهندس السياسة الخارجية في قطر، على مدى العقدين الماضيين، ما أدى إلى مواجهة دبلوماسية مع جيرانه العرب في الخليج.


• بحلول منتصف عام 2013 تعثرت طموحات قطر بشكل واضح كقوة إقليمية في تونس وسورية مع تعثر آخر في مصر، حيث كان (الإخوان) في حالة هزيمة.

في 25 يونيو 2013 أعلن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في خطاب متلفز إلى الأمة، أنه قرر التخلي عن منصبه، ونقل السلطة إلى ابنه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وتلا ذلك تعديل وزاري تم خلاله استبدال حمد بن جاسم آل ثاني، الذي كان رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية، لفترة طويلة، وتغير جميع الوزراء الآخرين ماعدا وزير النفط. وكان حمد بن جاسم بمثابة القوة الدافعة الرئيسة وراء ارتقاء بلاده إلى مكانة عالمية.

كان حمد بن جاسم حريصاً جداً على اتباع سياسة خارجية مغامرة جداً. وكان من المرجح استمرار خلفه في محاولة الحفاظ على دور قطر كوسيط دولي وكعامل مهم في الشؤون الدولية، ولكن ربما ليس بالقدر نفسه الذي شهدته آخر خمس سنوات من عهد حمد بن جاسم.

لقد كان وزير الخارجية القطري السابق ورئيس وزرائها مهندس السياسة الخارجية في قطر على مدى العقدين الماضيين، ما أدى إلى مواجهة دبلوماسية مع جيرانه العرب في الخليج، ففي عام 2003 أصبح بن جاسم النائب الأول لرئيس الوزراء، قبل أن يصبح رئيساً للوزراء في عام 2007 مع الإبقاء على منصبه في وزارة الخارجية، وكان قد انضم الى الحكومة مديراً لمكتب وزير الزراعة والشؤون البلدية بين عامي 1982 و1989. في عام 1990 تم تعيينه نائباً لوزير المياه والكهرباء، مع منصب وزير الزراعة والشؤون البلدية. وبعد عامين، أصبح بن جاسم وزير خارجية قطر، وانهمك في تطوير السياسة الخارجية الحالية لدولة قطر.

وكانت سياسات حمد بن جاسم العلامة المائية لحكم الشيخ حمد بن خليفة وابنه تميم، ولعب بن جاسم دوراً محورياً في صعود حمد إلى العرش في انقلاب عام 1995، وقد أدت السياسات التي بدأها بن جاسم إلى تحالف قطر مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في عدد من البلدان العربية، واستضافة أعضائها الرئيسين في الدوحة، وخلال الفترة التي خدم فيها بن جاسم، أنشئت العلاقات وبدأ التعاون مع ميليشيا حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، في حين تحسنت العلاقات كثيراً مع إسرائيل وإيران.

مواجهة التوازنات

اتبعت الدوحة سياسة تقليدية ضعيفة لدولة صغيرة تهدف إما إلى إرضاء أكبر عدد ممكن من اللاعبين أو احتواء الغضب ومواجهة التوازنات الناجمة عن هذه السياسة. واستمرت قطر في دعم اللاعبين المشكوك فيهم مثل حركة «حماس» و«حزب الله» والمجموعات المتطرفة في سورية، حتى في الوقت الذي حاولت تعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة وجيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي، وهكذا فقد استمر استخدام قناة الجزيرة كأداة غير رسمية للسياسة الخارجية.

كان لدى قطر علاقات طويلة مع بريطانيا لكنها ظلت تحت الهيمنة العثمانية الاسمية حتى عام 1916، عندما تولى البريطانيون الشؤون الخارجية والدفاع عن قطر. وخلال العقود الخمسة التي تلت ذلك التاريخ، مارست بريطانيا أيضاً نفوذاً كبيراً في الشؤون الداخلية للإمارة. وعندما جاء الإعلان بسحب قواتها العسكرية من الخليج بحلول عام 1971، أجبر القادة القطريون على النظر في كيفية البقاء دون حماية بريطانية.

حققت قطر استقلالاً كاملاً في جو من التعاون مع المملكة المتحدة والصداقة مع الدول المجاورة، واعترفت معظم الدول العربية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بدولة قطر، وحصلت الأخيرة على القبول الفوري في منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وأقامت قطر علاقات دبلوماسية مع أميركا والصين في عام 1988، وكانت عضواً مبكراً في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، وعضواً مؤسساً في مجلس التعاون الخليجي.

بالإضافة إلى السعي لتحقيق الأمن الجماعي من خلال مجلس التعاون الخليجي، أنشأت قطر علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية، ودخلت في اتفاق دفاع ثنائي عام 1982. ونظراً لصغر حجم قطر والرغبة في البقاء في السلطة، بذلت عائلة آل ثاني قصارى جهدها من أجل الحفاظ على علاقة جيدة مع اللاعبين الإقليميين الرئيسين، مثل السعودية. وفي نهاية 2008 وقعت قطر والسعودية اتفاقية الحدود البرية والبحرية مع التعهد بالتعاون المتبادل على عدد من القضايا الصناعية والتجارية. وفي سبتمبر 1992، نشب توتر مع الجارة الكبرى عندما زعمت الدوحة أن القوات السعودية هاجمت مركزاً قطرياً حدودياً، ما أسفر عن مقتل شخصين، إلا أن العلاقات سرعان ما تحسنت في ما بعد.

خط الأنابيب

وتم توقيع مذكرة تفاهم بين «قطر للبترول» وشركة «إكسون موبيل» وشركة البترول الكويتية في يوليو 2000 لتطوير مشروع لنقل الغاز الطبيعي من قطر إلى الكويت، وانتظر تنفيذ هذا المشروع موافقة المملكة العربية السعودية على السماح لجزء من خط الأنابيب بالمرور عبر المياه الإقليمية السعودية، وطلبت قطر من الولايات المتحدة إقناع السعوديين بالموافقة على مد خط الأنابيب، وبحلول عام 2006 لم يظهر السعوديون استعدادهم لمرور هذا الخط.

ساد الخلاف بين الدوحة والمنامة لسنوات على جزر حوار، وأحيلت القضية في نهاية المطاف إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، وقد أصدرت المحكمة حكماً في يونيو 2001 نال قبول الجانبين، واحتفظت البحرين بجزيرة حوار الرئيسة، لكنها أسقطت مطالباتها بأجزاء من البر الرئيس في قطر، في حين احتفظت قطر بمناطق بحرية كبيرة مع مواردها.

وحتى يناير 2009 حافظت إسرائيل على وجود شبه دبلوماسي في الدوحة، إلا أن الأخيرة اختارت «تجميد» مكتب إسرائيل التجاري في أعقاب فشل قطر في الحصول على النصاب القانوني للقادة العرب في قمة الجامعة العربية التي تهدف إلى معالجة الأزمة في غزة. وصوتت قمة الدوحة اللاحقة بشأن غزة، التي حضرها ممثلون عن فلسطين، لمصلحة قطع العلاقات مع إسرائيل احتجاجاً على سياسة تل أبيب في قطاع غزة، ووجدت الدوحة نفسها في مأزق.

تاريخياً، كانت هناك علاقات ثنائية دافئة بين قطر وسورية، وكانت السياسة الإقليمية في قطر تحافظ على العلاقات عبر الطيف السياسي، وإبقاء سورية في صلب السياسة العربية، وكان هدف الدوحة من القيام بذلك هو تأمين دور لنفسها في سياسة الشرق الأوسط كقناة لهذه «الجهات الفاعلة السيئة». استثمرت قطر في سورية على وجه التحديد، ويسود الاعتقاد عند بعض القادة القطريين بأنه على الرغم من صعوبة التعامل معه، فإن بشار نفسه «شخص جيد»، وطريقة تفكيره تتغير.

في المقابل، كانت قطر تمول مجموعات مسلحة محددة على أمل تغيير النظام في دمشق والمساعدة على إقامة حكم جماعة الإخوان، وبعد سنوات من النفوذ المتزايد وبحلول منتصف عام 2013، تعثرت طموحات قطر بشكل واضح كقوة إقليمية في تونس وسورية مع تعثر آخر في مصر، حيث كان الإخوان في حالة هزيمة. وأسهمت التغطية التي قامت بها قناة الجزيرة الفضائية، التي تتخذ من قطر مقراً لها، في تأجيج الثورات من تونس إلى سورية. وقد تكشف ذلك في أعقاب انتخاب أول رئيس إسلامي في مصر - محمد مرسي. كانت تونس تعيش أسوأ أوقاتها وليبيا مثخنة بالنزاعات، وانحدرت سورية إلى حرب أهلية وحشية. وفي مصر، كان ما يعرف باسم «المشروع الإسلامي» ـ بزعامة جماعة الإخوان - قد توقف بشكل عنيف. لقد باتت القناة التلفزيونية والبلد الذي يستضيفها متشابكين إلى حد كبير، إلى حد يصف البعض قطر بأنها عبارة عن «شبكة فضائية مع بلد ملحق بها».

تويتر