لا تقتصر على «الجزيرة»

الأذرع الإعلامية السرية لقطر

صورة

تدفع شبكة «الجزيرة» ومؤيدوها بحجة مفادها أن التغطية القوية للقناة هي ببساطة مظهر من مظاهر حرية الصحافة في منطقة تفتقر إليها بشدة. غير أن منتقدي «الجزيرة» يقولون إنها ماكينة للتطرف تؤجج لهيب الإرهاب وتسعى بنشاط إلى زعزعة استقرار الدول الإقليمية.

الكاتب في سطور

مايكل روبن هو مسؤول سابق في «البنتاغون»، متخصص في أبحاث الشرق الأوسط وتركيا وإيران. يلقي دروساً لكبار الضباط الذين ينتشرون في الشرق الأوسط وأفغانستان حول السياسة الإقليمية، كما يقوم بالتدريس في ما يتعلق بإيران والإرهاب والسياسة العربية على متن حاملات الطائرات الأميركية.

عاش روبن في إيران بعد الثورة، واليمن، وفي العراق قبل الحرب وبعدها، كما قضى وقتاً مع حركة «طالبان» قبل هجمات سبتمبر. يفحص أحدث كتبه «الرقص مع الشيطان.. مخاطر الانخراط مع النظم المارقة» Dancing with the Devil: The Perils of Engaging Rogue Regimes نصف قرن من الدبلوماسية الأميركية مع النظم المارقة والجماعات الإرهابية.

أميركان إنتبرايس إنستتيوشن - واشنطن

يقول المعهد إنه «مركز أبحاث سياسة عامة مكرّس للدفاع عن الكرامة الإنسانية وتوسيع الإمكانات الإنسانية وبناء عالم أكثر حرية وأمناً. وعمل باحثينا وموظفينا يسعى للارتقاء بالأفكار المتجذرة في إيماننا بالديمقراطية والنشاط الاقتصادي الحر وقوة أميركا وعالمية قيادتها، والتضامن مع أولئك الموجودين على أطراف مجتمعنا، وثقافة تعددية تقوم على الابتكار».

ووفقاً لبرقية لوزارة الخارجية القطرية تصف محادثات جرت بين السلطات القطرية والدبلوماسيين الأميركيين، اعترفت الدوحة بذلك الدور السياسي «والنفوذ» الذي تمثله الشبكة بالنسبة للدولة القطرية. وتدير «الجزيرة» قنوات عدة، وتعترض السعودية والإمارات ومصر والبحرين على قناة الجزيرة التي تبث باللغة العربية، نظراً لأنها تروج لخط الإخوان المسلمين، وتبدو غالبا وهي تعبر الخط بين تغطية الأخبار والتحريض.

خبرة الجيش الأميركي

ولدى الجيش الأميركي خبرة كبيرة مع «الجزيرة» العربية في العراق، ولم يكن من غير المعتاد أن يؤدي بلاغ من مجهول إلى توجيه جنود أميركيين إلى عرين للمسلحين كان خالياً، ولكنه مزود بالمتفجرات، وعندما تصل القوات الأميركية إلى الموقع تجد مصوري «الجزيرة» في مكان قريب، وفوق أسطح بنايات مجاورة في انتظار تصوير الكمين.

و«الجزيرة» الإنجليزية مألوفة أكثر بالنسبة للكثيرين في أوروبا والولايات المتحدة، لكن من الخطأ أن نفترض أن محتوى القناتين متكافئ، فـ«الجزيرة» الإنجليزية تبيض صورة «الجزيرة» العربية، و«الجزيرة» الإنجليزية، على سبيل المثال، تكرس وقتاً أطول للأقليات والقضايا الاجتماعية والنساء، علماً بأن تجربة «الجزيرة» مع قناة أميركية منفصلة لم تلبث أن انتهت بالفشل.

ولو لم تكن «الجزيرة» الإنجليزية هي وسيلة قطر الرئيسة للتأثير على بيئة الإعلام الغربية، بما يتجاوز العمل على طمس الحقيقة بشأن «الجزيرة» العربية، فما الذي تفعله إذن؟

نشطاء مزيفون

اكتشف المتطرفون السياسيون والإرهابيون أنهم طالما وصفوا أنفسهم بأنهم نشطاء حقوق إنسان، فإن الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان الآخرين، بل حتى الدبلوماسيين، سيقبلون حججهم بقيمتها الظاهرية.

من جهتها، اكتشفت الحكومة القطرية والشبكات التابعة لها الخاصة بحركة «حماس» والإخوان المسلمين، أن المبدأ نفسه ينطبق على المنافذ الإعلامية، وقد تكون «الجزيرة» أهم مثال، لكن يبدو أن مديري «الجزيرة» يسعون الآن إلى زراعة شبكات أخرى أيضاً، وأن التمويل القطري لديه أجندة إعلامية.

دور الوكيل

هنا يأتي دور شركة ميدل إيست آي أو ما يعرف اختصاراً بـ«مي» Middle East Eye (MEE) العنصر الرئيس للتأثير لقطر، إذ تقوم جماعات حقوقية مثل «منظمة هيومن رايتس ووتش» و«منظمة العفو الدولية» بنقل موضوعات عن «مي» كما تفعل صحف مثل نيويورك تايمز والواشنطن بوست.

والغوص في تفاصيل «مي» يظهر أنها تعمل بصورة أقل كمنفذ صحافي تقليدي، أو كواجهة باللغة الانجليزية للجماعات المدعومة من قطر، مثل الإخوان المسلمين وحركة «حماس».

وتشير سجلات الشركات البريطانية إلى أن جمال عون بسيسو، وهو مسؤول سابق بشبكة «الجزيرة» في قطر، وتلفزيون القدس، الذي ينتمي إلى حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في لبنان، هو من يمتلك ويشغل شركة «مي».

وطبقاً لسيرة ذاتية تم محوها من على شبكة الإنترنت أخيراً، فقد كان بسيسو يشغل سابقاً منصب مدير التخطيط والموارد البشرية لقناة الجزيرة في قطر، ومدير الموارد البشرية في شركة سما لينك (الوكيل المسجل لموقع تلفزيون القدس على الإنترنت) للإنتاج التلفزيوني في لبنان. وقد دعم بسيسو علناً الجماعات المتطرفة، إذ إنه قام عام 2012 بإعادة نشر منشور على «فيس بوك» يشيد بحركة «حماس»، إضافة الى مقتبس ليوسف القرضاوي يشجع فيه أتباعه على استخدام «العنف ضد من يستحقونه».

وقد عززت شركة «مي» محتواها بالوصول «الحصري» إلى «حماس»، وهي تعمل كمنفذ مفضل للجماعة الإرهابية تخاطب من خلاله العالم الناطق بالإنجليزية، كما نشرت افتتاحيات تشيد بالإخوان المسلمين والإسلام السياسي.

وبينما أبلغ الصحافي البريطاني رئيس تحرير «مي»، ديفيد هيرست، صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية، أن بسيسو «هو زميل ورئيس الموارد البشرية والمدير القانوني»، نفى في الوقت نفسه أن يكون بسيسو هو مالك «مي» على الرغم من إدراجه ضمن سجلات الشركة.

ولم يحدد لا هيرست ولا محرر الأخبار السابق روري دوناغي (في تغريدة حذفت أخيراً) ولا موظفو «مي» من الذي يمتلك «ميدل إيست آي»، فمن هو إذاً إن لم يكن بسيسو؟

وما يؤكد ذلك وجود روابط أخرى بين «مي» وقناة الجزيرة، إذ اعترف جوناثان باول، وهو موظف في «الجزيرة» مسؤول عن المشاريع الخاصة في مكتب رئيس القناة، ومقرب من رئيس شبكة «الجزيرة» الإعلامية السابق وضاح خنفر، بأنه كان مستشار إطلاق «مي» في نسخة سابقة من ملفه الشخصي على موقع «لينكد إن»، (لكنه قام بتعديل المعلومة بعد أن سلطت صحيفة إماراتية الضوء على دوره).

كذلك انتقلت أروى إبراهيم، ويعقوب باول، من قناة الجزيرة للعمل في «مي» محرري أخبار، كما انتقل كل من لاري جونسون وغرامي بيكر من شبكة الجزيرة إلى «مي» ليصبحا من كبار المحررين. وعلى أقل تقدير يبدو أن «مي» توظف الكثير من العاملين في «الجزيرة».

درجة العمق نفسها

أما علاقات حركة «حماس» فإنها بدرجة العمق نفسها. وسجل مسؤول سابق في مؤسسة انتربال، وهي مؤسسة خيرية مسجلة في المملكة المتحدة، وتدرجها وزارة الخزانة الأميركية على قائمة الممولين الداعمين لحركة «حماس»، موقع الإنترنت لشركة «مي». وقبل الانضمام إلى «مي» كان روري دوناغي يعمل لمنظمات أسستها حركة «حماس» (مثل بيت الحكمة في غزة).

بقلم: مايكل روبن من معهد أميركان إنتبرايس

تويتر