تعنت الدوحة.. ميوعة مواقف الوسطاء الغربيين.. وتباينات رؤى مراكز الحكم أهم الأسباب

الوساطات الدولية تخفق في تسوية الأزمة القطرية

صورة

تعثرت، أو بالأحرى أخفقت، الوساطات الدولية التي قام بها وزراء خارجية واشنطن وبرلين ولندن وباريس، عبر زياراتهم المكوكية لدول الخليج العربية، أو زيارات وزراء خارجية الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب والدوحة لتلك العواصم الغربية، خلال الأسابيع الستة الماضية، في تسوية الأزمة القطرية، التي تقترب من شهرها الثاني، لأسباب عدة، منها تعنت السياسة القطرية في الاستجابة لمطالب الدول الأربع الداعية لمكافحة للإرهاب، وضعف الطلب على الوساطة الغربية، والتباينات في رؤى مراكز الحكم، والتأثير داخل هيئات صنع القرار الغربية، وتحول الأطراف الدولية من الوسيط إلى الطرف، وتعثر أدوار الوساطات الغربية في حل الأزمات الإقليمية، سواء في ليبيا أو اليمن أو سورية.

مؤشرات دالة

ثمة مجموعة من المؤشرات التي تعبر عن فشل الوساطات الغربية في تحقيق أهدافها بتسوية الأزمة القطرية، على النحو التالي:

1- المكانة المركزية للوساطة الكويتية، وهو ما صرح به وزير خارجية فرنسا، جان ايف دوريان، خلال جولته الخليجية في 15 يوليو 2017، حيث دعم دور الكويت كوسيط في الأزمة، إذ إن الأخيرة يجب أن تحل «بين دول الخليج نفسها». وقال في تصريحات أخرى للصحافيين «فرنسا يجب أن تقوم بدور مسهل للوساطة التي تقودها الكويت».

2- الدعوة لحوار مباشر بين أطراف الأزمة، نظراً لعدم قدرة وزراء خارجية العواصم الدولية الكبرى على إحداث اختراق في مسار الأزمة، يراهن بعضهم على ضرورة حدوث لقاءات مباشرة بين أطراف الأزمة، التي لاتزال تتوالى فصولها من دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى إمكانية حلها.

3- السقف المنخفض للحل الفوري، إذ تشير تصريحات وزراء خارجية الدول الغربية إلى استبعاد التوصل إلى حل فوري للأزمة، وهو ما يعكس إدراكهم بأن حل الأزمة بعيد المنال في هذه اللحظة، على نحو ما أشار إليه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بعد لقائه أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، قائلاً «إن الولايات المتحدة ترغب في تجنب أي تصعيد إضافي»، أي أن واشنطن تعمل على منع الخلاف من التفاقم، وليس حله. كما رأى وزير خارجية بريطانيا في ختام جولته الخليجية أنه «من الممكن إحراز تقدم لتخفيف التوتر بين قطر وجيرانها، لكن ليس من المُرجح التوصل إلى حل فوري».

أسباب الإخفاق

وساطة غير نزيهة

إن خطابات وتحركات العواصم الغربية تفتقر للتوازن في أطروحاتها بشأن تسوية أو حل الأزمة القطرية، وتتجه لإدارتها بدلاً من إيجاد حل جذري لها، بحيث يتم خفض منسوب التوتر المترتب عليها ومنع تصاعدها، في حين تتجنب الدول المكافحة للإرهاب الحلول الترقيعية أو المؤقتة، التي سبق أن جربتها في فترات زمنية سابقة. وقد سبق أن غرد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، بالقول إن «سياسة المظلومية والعلاقات العامة الغربية التي تتبعها قطر، لن تحجب شمس دعمها للفوضى والإرهاب»، وأشار إلى أن «الحل ليس في نيويورك ولندن بل في الرياض».

ومن ثم، فإن الرهان منصب من دول المقاطعة الأربع على خيارات الأقلمة، غير المرتبطة بتركيا أو إيران، وإنما بوساطة الكويت، بما يقود في التحليل الأخير إلى حدوث تحوّل في «تغذية الدوحة للوحش» (أي دعمها للإرهاب على حد تعبير الرئيس الأميركي دونالد ترامب)، الذي يمثل الخطر الداهم على أمن واستقرار دول الإقليم. فهذه اللحظة هي التي سوف تبرهن إلى أي مدى يمكن للخيار الإقليمي أن ينهي المشروع القطري ويوقف تمدده، لأن الخيارات البديلة لذلك ستكون بالغة السوء على حالة الإقليم ككل.


• أهم مؤشرات فشل الوساطات الغربية الدعوة لحوار مباشر بين أطراف الأزمة، نظراً لعدم قدرة وزراء خارجية العواصم الدولية الكبرى على إحداث اختراق في مسار الأزمة، إذ إن بعضهم لايزال يراهن على ضرورة حدوث لقاءات مباشرة بين أطراف الأزمة، التي تتوالى فصولها دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى إمكانية حلها.

• تعقيد الصراعات المتأزمة في الإقليم الناجمة عن صراع المحاور، يعود جزء كبير منها إلى تدخلات الأطراف الدولية في إدارتها، وليس تسويتها.. فهي - أي المواقف الدولية تجاه الصراعات العربية - وإن كانت تسعى ظاهرياً لتسويتها والحد من انعكاساتها الإقليمية، إلا أنها تبطن رغبة في إطالة أمدها.

يمكن تفسير إخفاق الوساطات الدولية في تسوية الأزمة بين الدول الأربع المضادة للإرهاب من جانب وقطر من جانب آخر، استناداً للعوامل التالية:

1- مكابرة الدوحة:

يرتبط ذلك بتعنت السياسة القطرية في الاستجابة لمطالب الدول الأربع المضادة للإرهاب، إذ إن أحد أسباب إجهاض تأثير الوساطات الغربية هو عدم رغبة الحكومة القطرية في إبداء تنازلات أو تحولات في مواقفها، خصوصاً تجاه دعم وتمويل وتسليح الإرهاب، ومن ثم، فإن الجولات المكوكية لمسؤولين غربيين إلى دول الخليج، لا يمكن أن تنتج وساطة جدية طالما أنها لا تعالج أساس المشكلة، أي تمويل قطر للإرهاب ورعايتها تيارات إسلامية متشددة، وتحول أراضيها إلى منصة لاستهداف أمن دول الجوار.

ويضاف إلى ذلك، انعدام الثقة للدول المكافحة للإرهاب في تغيير السلوك الخارجي القطري، انطلاقاً من سوابق تاريخية تحبذ عدم التزام الدوحة بالتعهدات أو الاتفاقات، وهو ما يفسر تحول الأزمة الراهنة بين دول المقاطعة العربية وقطر من الصيغ الصامتة إلى المواجهة المكشوفة، غير أن ذروة الخلافات بين دول الخليج المكافحة للإرهاب، والدوحة، برزت في مارس 2014 فيما عرف بأزمة سحب السفراء، ثم ازدادت حدتها بعد قطع العلاقات الدبلوماسية في 5 يونيو 2017.

2- إقليمية الوساطة:

ويتصل ذلك بضعف الطلب على الوساطة الغربية، إذ تشير تصريحات وزراء خارجية الدول الأربع المكافحة للإرهاب، إلى أن إجراءات حل الأزمة القطرية ستكون «إقليمية»، عبر مساعٍ حميدة يقودها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأن جهود مراقبة تمويل قطر للإرهاب ستظل «غربية»، في الوقت الذي تتجه فيه الدوحة إلى تدويل الأزمة منذ بدايتها، بهدف ممارسة ضغوط على الدول الأربع المكافحة للإرهاب، لتنحية مطالبها أو تقديم تنازلات بشأن بعضها. وهنا تدرك دول المقاطعة الأربع، أن جهود الوساطة الغربية السابقة لا تشكل أساساً عملياً لحل الأزمة القطرية.

وفي هذا السياق، قال سفير دولة الإمارات لدى روسيا عمر غباش في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» الشهر الجاري إن «اتفاق وزير الخارجية الأميركي وقطر بشأن مكافحة تمويل الإرهاب، لن يحل المشكلة المتمثلة في دعم الدوحة للإسلام السياسي المتطرف»، مضيفاً أن «المشكلة الأساسية هي قضية إقليمية تحتاج إلى حل إقليمي داخلي»، وهو ما يعكس إدراك الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب للرسائل المختلطة للدول الغربية، التي تبرهن على التناقض والازدواج في سياستها المنحازة نسبياً للدوحة، جراء حشد وتوظيف مؤسسات صحافية ومراكز بحثية ومنظمات حقوقية للدفاع عنها.

على الجانب الآخر، أصدرت وزارة الخارجية البريطانية بياناً على هامش زيارة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون لمنطقة الخليج في 7 يوليو 2017، قالت فيه «سيحض وزير الخارجية جميع الأطراف على الاصطفاف خلف جهود الوساطة الكويتية، التي تدعمها بريطانيا بشدة، والعمل على وقف التصعيد، وعلى وحدة الخليج من أجل الاستقرار الإقليمي».

كما قال وزير خارجية فرنسا في حوار مع صحيفة «لوموند» بتاريخ 30 يونيو 2017، إنه «يتعين مكافحة كل أشكال دعم الإرهاب أياً كانت، وأن حل الأزمة لابد أن يكون داخل مجلس التعاون الخليجي، وليس بتدخلات خارجية».

3- المواقف المتضاربة:

ويقصد بها التباينات داخل دوائر صنع القرار الغربية، وهو ما يتضح جلياً في الحالة الأميركية، ما بين البيت الأبيض من ناحية، ووزارتي الخارجية والدفاع من ناحية أخرى. فبينما يؤكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ بداية الأزمة دعمه مقاطعة قطر واتهامها بتمويل الإرهاب، حيث قال إن «دولة قطر للأسف قامت تاريخياً بتمويل الإرهاب على مستوى عالٍ جداً»، وإنه «حان الوقت لدعوة قطر إلى التوقف عن تمويل الإرهاب»، فإن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يفضل التسوية السياسية للأزمة، وينحاز نسبياً لموقف الدوحة.

فقد أشار تيلرسون في توقيت سابق إلى أن المطالب التي قدمتها الدول المضادة للإرهاب للدوحة، يجب أن تكون معقولة وقابلة للتنفيذ. كما دعا تيلرسون، في 21 يوليو 2017، خلال استقباله وزير الدولة للشؤون الخارجية في سلطنة عُمان يوسف بن علوي، إلى رفع ما ادعى أنه الحصار البري لقطر، نظراً، حسب رؤيته وتقييمه، لأن «القطريين يحققون تقدماً في مذكرة التفاهم التي وقعتها واشنطن لمكافحة الإرهاب وتمويله».

ويعكس ذلك الموقف من جانب تيلرسون التفافاً على مطالب الدول الأربع المكافحة للإرهاب، إذ إن واشنطن هي التي سوف تبلغ الدول الأربع بمدى التزام قطر بهذه المطالب، وذلك بحكم تبعية قطر لواشنطن، مع الأخذ في الاعتبار أن قطر هي الطرف الذي تعهد ولم يفِ بتعهداته، فضلاً عن اعتراف وزير خارجية قطر خلال مؤتمر صحافي في إيطاليا، بأن «بلاده هي أقل دولة في قائمة تمويل الإرهاب».

4- دول «أطراف»:

تحولت الأطراف الدولية من وسيط إلى طرف في الأزمة، في حين ان الواجب على دول الوساطة عدم الانحياز لأي من أطراف الأزمة، والتزام الحياد الإيجابي، وهو ما لم تظهر به ألمانيا وفرنسا، على سبيل المثال. ووفقاً لما نقلته وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية عن وزير الخارجية الألماني زيجمار غابرييل في 6 يوليو 2017 «إن جهاز المخابرات في بلاده سيشارك في الجهود الرامية إلى تبرئة قطر، من اتهامات الدول العربية المجاورة بدعم الإرهاب، عن طريق مراجعة وتدقيق الأموال القطرية».

كما أشار الوزير الألماني في تصريحات نقلها راديو «ديوتسكلاندفونك» في 6 يوليو 2017 إلى أن «هناك اتفاقاً مع قطر على فتح جميع دفاترها أمام أجهزة الاستخبارات الألمانية، وما إذا كانت لدينا أسئلة حول بعض الناس أو الهياكل المؤسسية». وقال وزير الخارجية الفرنسي خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في 17 يوليو 2017 «تدعو فرنسا إلى رفع الإجراءات التي تؤثر في السكان بأسرع وقت».

ويعود ذلك الدعم الغربي لقطر إلى أن الأخيرة تقوم بدور الدولة الوظيفية الوكيل، لما تحدده لها العواصم الكبرى، لأنه لا يمكن لدولة أخرى لعب هذا الدور، خصوصاً عبر القيام بهمزات وصل مع التنظيمات الإرهابية. فقطر دولة تمعن في إشعال نيران الفوضى في بقع مختلفة من الإقليم.

وقد أكد مدير المخابرات الفرنسية السابق أيف بوني، خلال مشاركته في مؤتمر «الاستثمارات القطرية في أوروبا بين السياسة والإرهاب.. فرنسا نموذجاً» منذ أسابيع عدة، أن عناصر جهاز الاستخبارات الفرنسية- وتحديداً المختصين بأمن الحدود- قد رصدوا منذ سنوات عدة وجود أيادٍ قطرية خلف سفر الشباب التونسي، للتدريب في معسكرات تمولها الدوحة في تونس ودرنة الليبية، ومن ثم تسفيرهم إلى تركيا ومنها إلى الجهاد في سورية والعراق.

5- كرات النار:

تعثرت أدوار الوساطات الغربية في حل الأزمات الإقليمية وأسهمت في إشعال وتأجيج هذه الأزمات، إذ إن إخفاق الوساطات الدولية في حل الأزمة القطرية، يُعد جزءاً من سياق أوسع مرتبط بعدم النجاح أو تحقيق اختراق في مسارات الصراعات الإقليمية المتأججة في كل من ليبيا واليمن وسورية، وهو ما يرتبط بحزمة من العوامل أبرزها اشتعال تلك الصراعات في توقيت متزامن، فضلاً عن التعقيد الشديد في قضايا تسوية تلك الصراعات، وتبلور اقتصادات الصراعات الداخلية المسلحة، التي تجعل من مصلحة اللاعبين الأساسيين استمرارها، بحكم العوائد الناتجة عن ذلك الاستمرار.

لذا، فإن تعقيد الصراعات المتأزمة في الإقليم الناجمة عن صراع المحاور، يعود جزء كبير منها إلى تدخلات الأطراف الدولية في إدارتها، وليس تسويتها.. فهي – أي المواقف الدولية تجاه الصراعات العربية- وإن كانت تسعى ظاهرياً لتسويتها والحد من انعكاساتها الإقليمية، إلا أنها تبطن رغبة في إطالة أمدها، تخوفاً من التأثيرات غير المقصودة لتسويتها، خصوصاً ما يتعلق بعودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم.

تويتر