قراءة في مذكرات مؤسس مكتب تمثيل إسرائيل في الدوحة سامي ريفيل (1-4)

العلاقات الإسرائيلية – القطرية.. من التفاخر والعلنية إلى التقية والاختباء

صورة

مثَّل تأسيس علاقة علنية بين إسرائيل وقطر زلزالاً في المنطقة العربية، من جهة لأن قطر لم تكن من دول المواجهة، وبالتالي لم تكن بحاجة للتعامل المباشر مع إسرائيل، لا سلباً ولا إيجاباً، ومن جهة ثانية لأن في هذه العلاقة اختراقاً ووصولاً إلى قلب الخليج العربي، وهو أمر لم يكن يخطر على بال أحد، بمن فيهم الإسرائيليون أنفسهم.
وتكشف مذكرات مهندس هذه العلاقات، ومدير أول مكتب إسرائيلي في الدوحة، الدبلوماسي الإسرائيلي سامي ريفيل، والتي ترجمها إلى العربية الباحث محمد بحيري، ونشرتها مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة، وحملت عنوان «قطر وإسرائيل.. ملف العلاقات السرية»، والتي نقدم هنا قراءة بين سطورها، تكشف خلفية هذا الاختراق الإسرائيلي لقطر، ومنحنيات صعوده وهبوطه، والدور الحكومي والمقاومة الشعبية له، وحجم المصالح الخلفية التي تقف وراءه، والمواجهة الخليجية والعربية له، وتباين مراحله من العلنية والفخر إلى التقية، ومن ثم الاختباء.

اعتبر مؤسس ورئيس أول مكتب تمثيل إسرائيلي في الدوحة، سامي ريفيل، أن انقلاب يونيو 1995، الذي أطاح فيه أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة والده من سدة الحكم، وتولى فيه - أي حمد - شؤون الإمارة، هو نقطة التحول التاريخية في علاقة إسرائيل بقطر.

- الانقلاب على الأمير والتطبيع مع إسرائيل.. صدفة غير سعيدة.


اللوبي اليهودي في أميركا  دعم الانقلاب القطري

في جلسة خاصة، في بيت المعارض الليبي النبيل، المرحوم حسن الأشهب، في ضواحي واشنطن العاصمة سنة 1997، حكى قصة انقلاب الشيخ حمد على أبيه 1995، حيث كان الشيخ حمد بن خليفة يخشى تدخل المملكة العربية السعودية، التي تحافظ على تقاليد تمنع حدوث انقلابات في دول الخليج، فطلب المساعدة من الشيخ حمد بن جاسم، الذي رتب الأمر كاملاً مع لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (الإيباك AIPAC)، وهي جماعة الضغط الأكبر والأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة. زارها حمد بن جاسم قبل حدوث الانقلاب، وطلب منها أن تتدخل لدى الإدارة الأميركية لضمان نجاح الانقلاب، وعدم تدخل السعودية؛ مقابل أن يكون النظام القطري الجديد في خدمة إسرائيل في أي شيء تقرره «الإيباك»، وكان الرد أن أميركا ستكون أول من يعترف بالتغيير في قطر، وكان ما كان. وتحولت قطر إلى جزء من منظومة المؤسسات الصهيونية الكبرى في العالم: السياسية والمالية والإعلامية، فكان إنشاء الجزيرة، واستقدام معظم العاملين بمحطة الـ«بي بي سي» البريطانية، بتعاون كامل مع بريطانيا، وتم افتتاح أول تمثيل دبلوماسي إسرائيلي في جزيرة العرب، وأصبحت قطر في قلب المنظومة الصهيونية العالمية، التي تمتد من الهيمنة على النظام المالي العالمي، من خلال عائلات روتشيلد وركفلر، التي تملك البنك المركزي الأميركي، إلى الكيان الصهيونى في قلب العالم العربي.

ويرصد الدبلوماسي الإسرائيلي، في مطلع مذكراته، أن «هناك خصوصية ميزت قطر من وجهة نظر إسرائيل، وهي تصورها أن خزائنها الممتلئة بالذهب تمكنها من لعب دور لافت في منطقة الشرق الأوسط، بما يتعدى أبعادها الجغرافية وحجم سكانها».

ويمتدح ريفيل، من وجهة نظره الإسرائيلية، قطر التي «رغم الضغوط التي تعرضت لها من جانب جاراتها في الخليج العربي، أقدمت على إقامة علاقات مع إسرائيل، وقامت بفتح مكتب دبلوماسي لها، وفي الوقت نفسه وطدت علاقتها مع القيادة الإيرانية والروسية، ومنظمات إسلامية متطرفة».

ويلمح الدبلوماسي الإسرائيلي إلى الربط بين وصول أمير قطر حمد بن خليفة إلى الحكم، عبر الانقلاب على أبيه، وتحسن العلاقات القطرية الإسرائيلية فور تنفيذ الانقلاب وبسرعة لافتة، تؤشر للعلاقة بين الحدثين. ويكشف صعوبة إقامة علاقات قطرية غير رسمية، كأمر يواجهه الإسرائيليون في أي مجتمع عربي، لكنه يشيد بـ«الصحبة والمساعدة التي حظي بها من مسؤولين كبار في قصر الأمير القطري،

ووزارة الخارجية القطرية، وشركات قطرية كبرى، وأولئك الذين فتحوا بيوتهم وخيامهم أمام الإسرائيليين»، على حد تعبيره.

ويرصد المؤلف تزامن «الأحداث العاصفة في إسرائيل، مع التغيرات الدراماتيكية التي شهدتها قطر، في أعقاب صعود الأمير للحكم في منتصف التسعينات، ويرى أن تلك المرحلة اتسمت بالمبالغة والتهويل الإسرائيلي في كل شيء، بما في ذلك المأمول من العلاقات مع قطر، وكان ذلك واضحاً في تصريحات حكومة قطر، وفي دوائر رجال الأعمال، وفي الحديث عن صفقات بيع النفط لإسرائيل، وعن إمكانية مشاركة الصناعة البتروكيماوية الإسرائيلية في مشروعات كبرى، تم التخطيط لها في قطر، وعن إقامة مزارع مشتركة قطرية إسرائيلية للزراعة في أجواء صحراوية، وعن إجراء أبحاث مشتركة قطرية إسرائيلية في مجال تحلية المياه، وعن مشروعات في مجال الطيران والسياحة مع شركة الخطوط الجوية القطرية، والأهم من ذلك في إقامة مشروعات الغاز الطبيعي المسال بين قطر وإسرائيل والأردن، بكلفة خمسة مليارات دولار بأسعار التسعينات».

ويكشف المؤلف عن ترتيب لقاءات مكثفة، لم يحدد السري فيها من العلني، بين مسؤولين إسرائيليين وكبار المسؤولين القطريين، من ضمنهم وزير الخارجية القطري وقتها، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، مع نظيره الإسرائيلي إيهود باراك عام 1996، ثم لقاءات بين صناع القرار القطري والإسرائيلي ومستشاريهم، كما يكشف عن الضغوط الهائلة، التي تعرضت لها قطر من شقيقاتها في قلب الخليج العربي، لقطع الطريق عن إقامة مكتب تمثيل مصالح إسرائيل في الدوحة، ثم قرار قطر «انتظار التوقيت المناسب، وحتى لا تضيع في قلب العاصفة»، بتعبير ريفيل.

ويرصد الكاتب أن الأمر لم يستغرق أكثر من شهرين، بعد لقاء جاسم - باراك، حينما «جاءت الانتخابات الإسرائيلية، التي تنافس فيها شيمون بيريز وبنيامين نتنياهو، على مقعد رئاسة الوزراء الإسرائيلية، وانعقاد مؤتمر شرم الشيخ، بمشاركة الرئيس الأميركي بيل كلنتون، ولحظتها اغتنمت قطر الفرصة، فقامت بـ«إدانة الأعمال الإرهابية»، من وجهة نظرها، وأعلنت تأييدها للسلام، وقامت بتوجيه دعوة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارتها.

ويستطرد الكاتب الإسرائيلي، سامي ريفيل، في شرح التفاصيل الكاملة لزيارة شيمون بيريز إلى الدوحة، والتي يعتبرها نقطة تحول في العلاقة بين قطر وإسرائيل، وفي تاريخ التطبيع المعلن بينهما، ويقول ريفيل إن «شيمون بيريز حظي في زيارته لقطر باستقبال رسمي كامل في مطار الدوحة، تضمن عزف التحية العسكرية الإسرائيلية، ورفع العلم الإسرائيلي، وعزفت فيه فرقة الموسيقى العسكرية القطرية النشيد الوطني الإسرائيلي (هتكفا)، والتقى بيريز في الزيارة أمير قطر ووزير خارجيته، كما شارك في الزيارة رئيس اتحاد الصناعيين الإسرائيليين، ورئيس شركة «أوسم» الغذائية الكبرى.

ويرى المحلل السياسي، والكاتب بجريدة الأهرام، أيمن حسونة، في تعليق له على مذكرات ريفيل «أن الأهم في هذه الحقائق، على الإطلاق، هو كشفها أن قطر كانت البادئة والأحرص والأكثر تمسكاً بالعلاقات مع إسرائيل أكثر من تل أبيب نفسها، ويتضح ذلك من خلال المراحل التي مرت بها العلاقات بين الدوحة وتل أبيب، حيث يطلق المؤلف على أول إرهاصات العلاقات القطرية -الإسرائيلية مرحلة جس النبض، والتي قد يختلف حول تسميتها الكثيرون، إذ تبين لاحقاً أنه تمت خلالها لقاءات بين دبلوماسيين رفيعي المستوى من الجانبين، وبوادر اتفاق على مشروعات تجارية. ومثلت هذه الاتفاقات واللقاءات بوادر علاقات على قدر كبير من التعاون بينهما، وليست لجس النبض، سعياً لبدء اتصالات تمهد لاحقاً للقاءات».

وطبقاً لقراءات مختلفة للمذكرات، فان هناك في دهاليز السياسة الكثير مما لم يكشف عنه ريفيل، عن دوافع اتخاذ قرار تطبيع قطر العلني مع إسرائيل، والوسطاء الذين لعبوا دوراً في ذلك، وطبيعة المفاوضات والتعهدات المتبادلة، وغير ذلك من مناطق شديدة الغموض والرمادية، أحاطت بالمذكرات، ويكفي للدلالة على أن المذكرات لم تكشف إلا أقل القليل من هذه العملية، هو قول المؤلف في مطلعها: «أتوجه بشكر خاص إلى أولئك الذين فتحوا لنا بيوتهم وخيامهم عملاً بالتقاليد البدوية، ولن أتمكن للأسف من ذكر أسمائهم بسبب الواقع المحيط بنا، والذي يتواصل فيه الضغط على كل من يقيم علاقة صداقة مع إسرائيل». كما تكفي أيضاً عبارته في آخر المقدمة: «أتوجه بالشكر إلى (ب)، الذي لا أستطيع ذكر اسمه كاملاً، والذي يواصل العمل من أجل دفع العلاقات مع إسرائيل، وهي إشارة لن يكون بمقدور قارئها مغالبة فضوله، من محاولة تخمين الاسم من قائمة طويلة لمسؤولين قطريين، تورطوا في الكهف الأسود لترتيبات هذه العلاقة.

تويتر