يُتوقع أن تمارس دوراً تخريبياً بعد إخراجها من التحالف العربي

تداعيات الأزمة القطرية علــى الأوضاع في اليمن

صورة

تكشف وثائق اتفاق الرياض عام 2013 وآليته التنفيذية، واتفاق الرياض التكميلي عام 2014، التي نشرتها شبكة «سي إن إن» العالمية، يوم الاثنين 10 يوليو الجاري، أن قطع الدول الأربع (السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين) للعلاقات، يرجع بالأساس إلى عدم وفاء الدوحة بالتزاماتها بالاتفاقين، وانتهاكها ونكثها الكامل لما تعهدت به في السابق.

- ضمن إطار سياساتها الخارجية الداعمة لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة عموماً، سعت قطر على مدار السنوات الماضية إلى زيادة نفوذ الإخوان المسلمين في اليمن عبر حزب الإصلاح، وقدمت للحزب الدعم المالي واللوجيستي، وكان لها دور في وصول قياداته لأعلى المناصب في الدولة اليمنية.

- كان لقطر في السنوات الأخيرة أطماع في جنوب اليمن، حيث سعت إلى التأثير على مصالح دول التحالف هناك. وبالتالي، يُتوقع أن تعتمد الدوحة على أنصارها في عدن والمحافظات الجنوبية، على نحو يؤدي إلى إثارة الاضطرابات وزيادة الضغوط والتكاليف العسكرية والاقتصادية على دول التحالف.

- كشفت الأزمة الراهنة عن ملامح تقارب قطري ــ إيراني، في ظل وقوف طهران إلى جانب الدوحة، وفتح أجوائها لعبور الطائرات القطرية، حيث تحاول إيران تحقيق أكبر استفادة ممكنة من هذه الأزمة في مواجهة دول الخليج العربية.

وقد سعت قطر إلى تدويل وأقلمة الأزمة لقناعتها بأن التنسيق الاقتصادي والأمني والسياسي بين الدول الأربع يُقيّد حركتها وهامش المناورة أمامها، إذا أبقت على الأزمة في إطارها الخليجي ــ المصري. وقد استندت الدوحة إلى ثلاث آليات رئيسة في مواجهتها للعزلة التي فرضتها عليها الدول الأربع: يتمثل أولها في الحديث عن أن الإجراءات التي اتخذتها تلك الدول تنتهك قواعد القانون الدولي، ولا تراعي البعد الإنساني في العلاقات الخليجية ــ القطرية، ومبادئ حسن الجوار، أما ثانيها فتركّز على نفي الاتهامات التي تُوجَّه لها بدعم الإرهاب، وإثارة الفتن الداخلية، في حين تعلق ثالثها بممارسة ضغط غير مباشر على دول المقاطعة من خلال استغلال الاستثمارات القطرية في عدد من الدول الكبرى، للتأثير على مواقفها من الأزمة، والضغط على دول المقاطعة بتخفيف أو إنهاء الإجراءات التي تفرضها على الدوحة، والتي من شأنها عزلها دولياً وإقليمياً.

إن استمرار مقاطعة الدول الخليجية الثلاث ومصر لقطر، سيكون له جل التأثير في الاقتصاد القطري، حيث تسببت في فقدانه العديد من المقومات المهمة واللازمة للحفاظ على استقراره المالي، والتي تمثلت في تخفيض التصنيف الائتماني، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع كلفة التأمين على الديون، وأخيراً تراجع أداء البورصة القطرية.

وفي ظل التعنت القطري والتمادي في سياسات مهدِّدة للأمن الخليجي والعربي، وتصميم الدول المقاطعة على استمرار عزلها لنظام الدوحة بعد رفضه مطالبها؛ يتوقع أن يطول أمد تلك الأزمة، مع تصعيد من طرفيها بما يؤدي إلى استمرار عزلة قطر إقليمياً.

الأزمة القطرية.. واليمن

لا يعد الصراع اليمني بمنأى عن تطورات الأزمة القطرية، إذ يعد هذا الملف أحد أسباب اندلاع الأزمة الراهنة، في ظل دعم قطر للتنظيمات الإرهابية والميليشيات الانقلابية في اليمن، وهو ما يتعارض مع أهداف التحالف العربي في اليمن، ومع وثائق اتفاق الرياض عام 2013 وملحق الآليات التنفيذية له لعام 2014، وهي الوثائق التي نشرتها شبكة «سي إن إن» الإخبارية يوم 10 يوليو الجاري، وتضمنت توقيع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ووزير خارجيته آنذاك محمد العطية على بند عدم قيام أي من دول مجلس التعاون الخليجي بتقديم الدعم لأي جماعة في اليمن تشكل خطراً على الدول المجاورة.

وبالتالي، من المرجح أن تمتد تداعيات الأزمة الخليجية إلى الوضع في اليمن، خصوصاً بعد إعلان دول التحالف العربي في اليمن إنهاء مشاركة قطر في التحالف، حيث يُتوقع، في حال استمرار الأزمة الراهنة وعدم التوصل إلى حل بشأنها، أن تلجأ الدوحة إلى الرد على الإجراءات التصعيدية ضدها من جانب دول المقاطعة، وذلك عبر إثارة القلاقل في مناطق الصراعات التي تؤثر على مصالح هذه الدول، وفي مقدمتها بالطبع اليمن.

الدور القطري في اليمن

يمكن تحديد محطات رئيسة للدور القطري في اليمن على مدار السنوات الماضية، وذلك على النحو التالي:

1- الوساطة في حروب «صعدة» الست

كانت بداية التدخل القطري الفعَّال في اليمن قيامها بالوساطة في حروب «صعدة» الست بين الدولة اليمنية والحوثيين المتمردين خلال الفترة ما بين عام 2004 وعام 2010، حيث استطاعت الدوحة أن تلعب دوراً بارزاً في هذا السياق، وتمكنت من نسج علاقات قوية بين أطراف الصراع في اليمن إبان هذه الفترة، وهو ما كان سبباً في توجيه الاتهامات لها بالارتباط بميليشيا الحوثيين في مرحلة ما بعد الثورة اليمنية، ثم الانقلاب على الحكومة الشرعية في عام 2014.

2- مساندة الثورة اليمنية ضد صالح

كان الموقف القطري واضحاً مع اندلاع الثورة اليمنية في عام 2011، حيث أيدت الاحتجاجات ضد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وكانت طرفاً في المبادرة الخليجية لتحقيق الانتقال السياسي في اليمن. وحرصت الدوحة على ضمان دور بارز لحزب التجمع اليمني للإصلاح (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن) في العملية السياسية باليمن.

3- المشاركة في التحالف العربي

بدأ الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية في اليمن في سبتمبر 2014 عندما اقتحمت هذه الميليشيا المتمردة مؤسسات أمنية ووزارات حكومية في البلاد، ثم تطورت الأحداث وقدم الرئيس عبدربه منصور هادي استقالته بعد هجوم الحوثيين على قصر الرئاسة في 19 يناير 2015. ودفعت هذه التطورات دول التحالف العربي بقيادة السعودية إلى شن «عاصفة الحزم» في مارس 2015 من أجل استعادة الشرعية في اليمن، وهي العمليات العسكرية التي دعمتها وشاركت فيها قطر.

4- دعم حزب التجمع اليمني للإصلاح

ضمن إطار سياساتها الخارجية الداعمة لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة عموماً، سعت قطر على مدار السنوات الماضية إلى زيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في اليمن عبر ممثلها حزب التجمع اليمني للإصلاح، وقدمت للحزب الدعم المالي واللوجيستي، وكان لها دور في وصول قياداته لأعلى المناصب في الدولة اليمنية، مثل نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر، فضلاً عن وجود عدد من وزراء التجمع اليمني للإصلاح في الحكومة الشرعية. كما حرصت الدوحة على التواصل المستمر مع قيادات الإصلاح في اليمن، وعقدت لقاءات معهم من أجل الحفاظ على مصالحها في اليمن.

أيضاً، استغلت قطر علاقاتها مع حزب التجمع اليمني للإصلاح من أجل تعزيز وجودها في جنوب اليمن، وبناء شبكة تحالفات أمنية تابعة لها هناك، بحيث تُمكنها من منافسة دول التحالف في الجنوب.

ردود الفعل اليمنية

فور إعلان دول التحالف العربي في الخامس من يونيو الماضي إنهاء مشاركة قطر في العمليات العسكرية التي يقودها التحالف في اليمن، على أثر اندلاع الأزمة الخليجية الراهنة، تواصلت ردود الفعل بين القوى اليمنية، وذلك كالتالي:

1- تأييد الشرعية لمقاطعة قطر

أكدت الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي تأييدها للخطوات التي اتخذتها قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن بإنهاء مشاركة القوات القطرية، وأعلنت حكومة هادي قطع علاقاتها الدبلوماسية بقطر بسبب دعمها للجماعات المتطرفة والميليشيات الانقلابية في اليمن.

2- انقسام الانقلابيين

ظهر نوع من الانقسام في معسكر الانقلابيين إزاء الأزمة الحالية، وهو استمرار لحالة التصدع والخلافات الموجودة بين الحوثيين والمخلوع صالح، خلال الفترة الأخيرة. فمن ناحية، أكد الحوثيون دعمهم لقطر في أزمتها مع دول الخليج الثلاث ومصر، وعبَّر عن ذلك رئيس اللجنة الثورية العليا لميليشيا الحوثيين، محمد علي الحوثي، في منشور له عبر صفحته على «فيس بوك»، قائلاً: «‏ندين الأعمال التي تستهدف قطر ومستعدون للتعاون معها، وننصح بإعادة النظر في التوجه لعزل قطر».

من جهة أخرى، كان موقف حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة المخلوع صالح مغايراً للدوحة، حيث أيَّد الحزب قطع العلاقات مع قطر التي وصفها بأنها تدعم التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيما «القاعدة» و«داعش»، غير أن الحزب ندد أيضاً بالعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.

3- مراوغة الإخوان

يرتبط حزب التجمع اليمني للإصلاح بعلاقات قوية مع قطر الداعم الرئيس له، وفي الوقت نفسه يشارك الحزب في الحكومة الشرعية بقيادة منصور هادي، وهو ما جعل الحزب في موقف صعب إزاء الأزمة الراهنة. ولجأ حزب الإصلاح إلى التعامل مع هذه المعضلة من خلال تكتيك «المراوغة»، للحفاظ على مصالحه في اليمن، على أمل انتهاء هذه الأزمة قريباً.

وفي هذا الصدد، امتنع حزب الإصلاح عن إصدار بيان رسمي يوضح من خلاله موقفه من قطع العلاقات مع قطر، واكتفى الحزب بتصريح صحافي أدلى به أمينه العام المساعد الذي يشغل منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي بالحكومة اليمنية الشرعية، محمد السعدي، أكد خلاله تأييد الحزب لقرار الحكومة بإنهاء مشاركة قطر في التحالف العربي وقطع العلاقات الدبلوماسية معها. لكن من ناحية أخرى، ظهر موقف غير رسمي لكوادر الحزب تعلن فيه تأييدها لقطر في أزمتها.

4- رفض الجنوبيين لقطر

أيد المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تم تشكيله في مايو الماضي من 26 شخصية برئاسة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، بعد إقالته من منصبه، القرار الذي اتخذته السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، معتبراً أن هذه الخطوة من شأنها أن تعزز من إجراءات الحرب ضد الجماعات المتطرفة، بما يضمن أمن وسلامة دول الخليج والبلدان العربية كافة.

تداعيات الأزمة القطرية

من المرجح أن تُلقي الأزمة الخليجية بتداعياتها على الصراع في اليمن، وذلك من زوايا عدة، منها ما يلي:

1- عدم تأثر عمليات التحالف

تشن القوات اليمنية، وبدعم من قوات التحالف العربي، عمليات عسكرية في المناطق المتاخمة للعاصمة صنعاء، بهدف السيطرة على هذه المناطق تمهيداً لخوض معركة استعادة صنعاء من الانقلابيين، وأيضاً في إطار مساعي قوات التحالف لاستعادة الساحل الغربي لليمن وميناء الحديدة الاستراتيجي، الذي تستغله ميليشيا الحوثيين في تهريب الأسلحة إليها عبر إيران، وفي الاستيلاء على المساعدات الخارجية قبل وصولها لليمنيين.

ولا يُتوقع أن تتأثر هذه العمليات العسكرية بقرار إنهاء مشاركة قطر في التحالف العربي، في ظل قدرة السعودية والإمارات على تعويض الوجود العسكري القطري، حيث شاركت الدوحة بعدد 10 مقاتلات حربية و1000 جندي و200 عربة مدرعة في اليمن.

2- تصاعد التنسيق السعودي ــ الإماراتي

تدرك الدولتان أن قطر ستسعى إلى شق صفوف التحالف العربي في اليمن، والعمل على إيجاد خلافات داخله من خلال وكلائها هناك، وأذرعها الإعلامية، وبالتالي من المتوقع أن تعمل السعودية والإمارات على زيادة التنسيق المستمر بشأن العمليات العسكرية، وتطورات الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في اليمن، وعدم إتاحة الفرصة لقطر لتنفيذ أجندتها التخريبية في هذا البلد.

3- تزايد التقارب القطري ــ الإيراني

كشفت الأزمة الخليجية الراهنة عن ملامح تقارب قطري ــ إيراني، في ظل وقوف طهران إلى جانب الدوحة، وفتح أجوائها لعبور الطائرات القطرية، حيث تحاول إيران تحقيق أكبر استفادة ممكنة من هذه الأزمة في مواجهة دول الخليج العربية. وفي المقابل، قد تستغل قطر الورقة الإيرانية في الضغط على السعودية والإمارات في اليمن، خصوصاً أن إيران ترتبط بعلاقات وثيقة مع ميليشيا الحوثيين.

4- تنامي الدعم القطري للإخوان

على الرغم من عدم وضوح الموقف الرسمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح من الأزمة الخليجية، فإن كوادره، خصوصاً الشبابية، تقف بجانب قطر ضد دول المقاطعة. وبالتالي، يعد هذا الحزب المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين إحدى الأدوات التي قد تلجأ إليها الدوحة في خياراتها التصعيدية ضد السعودية والإمارات للتأثير على مصالحهما في اليمن.

5- إثارة القلاقل في الجنوب

كان لقطر في السنوات الأخيرة أطماع في جنوب اليمن، حيث سعت إلى التأثير على مصالح دول التحالف هناك. وبالتالي، يُتوقع أن تعتمد الدوحة على أنصارها في عدن والمحافظات الجنوبية، على نحو يؤدي إلى إثارة الاضطرابات وزيادة الضغوط والتكاليف العسكرية والاقتصادية على دول التحالف.

6- انتشار الحملات الإعلامية المسيئة

ظهر ذلك بالفعل خلال الأيام الماضية من خلال عودة قناة الجزيرة القطرية إلى التركيز على ملف اليمن، وبث تقارير تنتقد سياسات وممارسات قوات التحالف العربي هناك، ومن المتوقع أن تتزايد كثافة مثل هذه الحملات الإعلامية «المسمومة» حال تصاعد الأزمة الخليجية خلال الفترة المقبلة.

إجمالاً، تشير التطورات الحالية للأزمة الخليجية ــ القطرية إلى أنها قد تستمر فترة ليست بالقصيرة، في ظل تباعد المواقف بين طرفي الأزمة، وتمسك كل طرف بموقفه، حيث تصر دول المقاطعة على استجابة الدوحة لمطالبها الـ13، فيما ترفضها قطر، وتعتبرها لا تتوافق مع سيادتها. وبالتالي، يُتوقع أن يكون لهذه الأزمة تداعيات على الوضع في اليمن، في ظل انخراط السعودية والإمارات في العمليات العسكرية الحالية باليمن، واحتمالية لجوء قطر إلى الضغط على دول المقاطعة من خلال زيادة دعم خصومها في اليمن، سواء الإخوان المسلمين أو ميليشيا الحوثيين أو غيرها من التنظيمات الإرهابية.

تويتر