700 عائق تقيّد حركة 2.7 مليون مواطن

حواجز الضفة.. «أبرتهايد» إسرائيلي لإذلال الفلسطينيين

صورة

عدد المركبات في ازدياد، حتى ان السائقين باتوا يحتلون الأرصفة التي تعج بالمارة، فالكل ينتظر أن يتقدم خطوة إضافية ليتخلص من جحيم الانتظار في الشمس الحارقة. بينما يواصل الجنود تفتيشهم المذل، غير عابئين بمئات المنتظرين على طرفي حاجز قلنديا العسكري، فتتكدس الأجساد البشرية داخل الممرات الحديدية، كأنما تؤهل لتوضع في محرقة جماعية.

- أكثر الحواجز الإسرائيلية توتراً، والتي تشكل منطقة تماس مع الاحتلال، هو حاجز قلنديا الذي يفصل بين رام الله والقدس، والكونتينر في الخليل، وزعترة في نابلس، الذي يفصل شمال القدس عن عمقها.

- حواجز الاحتلال هي نقاط إذلال للفلسطينيين، يخضعون فيها لأنواع مهينة من التعذيب، حيث ينتظر الشيوخ والشباب والنساء والأطفال، الأصحاء منهم والمرضى، ساعات طويلة في حر الشمس وبرد الشتاء.


حاجز يفصل بين أقدس مدينتين

حاجز قبة راحيل، أو كما يعرف بحاجز 300، يفصل بين أقدس مدينتين فلسطينيتين، هما القدس وبيت لحم، فقد تحوّل إلى رئة القدس الجنوبية، والمنفذ الوحيد المتاح لفلسطينيي جنوب الضفة الراغبين في التوجه إلى القدس المحتلة.
وكان في السابق يفصل بين المدينتين المقدّستين مدخل رئيس لبلدة بيت لحم وبوابتها الرئيسة مع القدس، والذي كان يمر من خلاله بطريرك الأراضي الفلسطينية للاحتفال في أعياد الميلاد المجيدة، ولكن بفعل إقامة جدار الفصل العنصري، أغلق الاحتلال هذا المدخل الذي بات يعرف بعد ذلك بحاجز «قبة راحيل»، حيث يغلق بوابتها العسكرية الحديدية طوال الوقت، ويمنع تنقل الفلسطينيين بين أقدس مدينتين لدى المسيحيين والمسلمين في فلسطين.

فيما تحوّل مسار موكب البطريرك من خلال الجدار العازل عبر بوابة «قبة راحيل»، حيث تُفتح استثناء في 24 ديسمبر من كل عام، وينتقل الموكب من القدس إلى بيت لحم عبر حاجز «قبة راحيل» من خلال بوابات يتحكم فيها الاحتلال، ليعاد إغلاقه مجدداً.

ويقول حسن الفروخ، من بيت لحم، وأحد السكان المجاورين لحاجز «قبة راحيل» من الجهة الشمالية: «إن إقامة الجدار شل حياتنا بشكل كامل، ومنعنا من التنقل إلى القدس للصلاة في المساجد والكنائس، والاحتفال في الأعياد، فلم نمتلك الحرية في التنقل، حيث توجد حالياً بوابتان، وندخل ونخرج بإذن مسبق من قبل الاحتلال في هذه المنطقة، وفي أوقات محددة».

من جهته، يوضح الباحث في شؤون الاستيطان في بيت لحم، حمزة حلايبة، أن حاجز معبر «قبة راحيل» يعود تاريخ إقامته إلى الانتفاضة الثانية، حيث أنشأ الاحتلال عقب انتفاضة الأقصى عام 2000 الجدار لعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، وخلال السنوات الـ15 الماضية أقام الجدار بطول 140 كيلومتراً حول القدس.

ويقول حلايبة: «إن إقامة الحاجز جاءت لتعزيز السيطرة الإسرائيلية الاستيطانية في مناطق محيط القدس، وعزل آلاف الدونمات والمقدسيين خلف الجدار، فالبوابة الحديدية الضخمة لا تفتح إلا للآليات العسكرية الإسرائيلية أثناء توغّلها إلى المدينة».

هذه صورة مصغرة لمعاناة كبيرة يعيشها الفلسطينيون يومياً، وفي كل ساعة أثناء تنقّلهم عبر الحواجز العسكرية الإسرائيلية في مدن الضفة الغربية، التي تعد نقاط إذلال للفلسطينيين، الذين يخضعون فيها لأنواع مهينة من التعذيب، ويُتوفّى على أعتابها كثير من المرضى والشيوخ.

وتمتد الحواجز الإسرائيلية ونقاط التفتيش الثابتة والمتنقلة، البالغ عددها 700 حاجز، على طول الطرق الواصلة بين المحافظات الفلسطينية، والتي تقطّع أوصال الضفة، وتضبط إيقاع حياة الفلسطينيين، فقد حوّلتها سياسة الاحتلال إلى معابر إذلال، ونقاطاً لاعتقال وإعدام الشباب والسيدات وكذلك الأطفال، حيث تقيد حركة 2.7 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، وتعيق وصولهم إلى الخدمات الأساسية، وأماكن العمل والدراسة، والعلاج.

حواجز في ازدياد

ممارسات الاحتلال على الحواجز ليست حديثة، فقد ظهرت منذ بناء جدار الفصل العنصري، ولكن الجديد فيها هو زيادة عدد الحواجز بصورة لا تصدق، وإغلاقها أمام حركة سكان الضفة الغربية غالبية الأوقات لدواعٍ أمنية، بالإضافة إلى إغلاقها في كثير من الأحيان أياماً عدة في الأعياد اليهودية، كان آخرها إعلان وزير الحرب في حكومة الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، إغلاق كل معابر وحواجز الضفة في احتفالات إسرائيل بما تسميه تأسيس الدولة، وهو ما يعرف لدى الفلسطينيين والعالم بذكرى النكبة.

ويضاف إلى ذلك الإجراءات المشددة والممارسات الجديدة التي تفرضها إسرائيل يومياً، بذريعة الحفاظ على أمنها لتبيح لنفسها شل حياة الفلسطينيين، ليس فقط على الطرق الرئيسة، بل تخطتها لتشمل الطرق الفرعية بين القرى الفلسطينية في المحافظة الواحدة، وذلك بحسب مدير «مركز الحق لحقوق الإنسان» في الضفة الغربية، شعوان جبارين.

ويقول جبارين لـ«الإمارات اليوم»: «تقطّع هذه الحواجز أوصال الضفة الغربية، وتشكل حاجزاً نفسياً واجتماعياً، عدا عن كون الكثير من الطلاب يتخلون عن طموحاتهم، بسبب عدم مقدرتهم على الوصول إلى الجامعة المطلوبة بسهولة وسلاسة. في الطرف المقابل قد يلجأ بعضهم إلى تغيير مكان سكنهم إلى مكان قريب من الجامعة، للتخلص من المعاناة اليومية على الحواجز الإسرائيلية».

ويضيف: «لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للموارد البشرية بعد التخرج، فالكثير يخسر فرصاً وظيفية أو يغيرون مكان سكنهم للتمكن من الوصول إلى مكان العمل».

ويذكر مدير مركز الحق، أن عدد الحواجز والمعابر العسكرية بلغت في الشهر الخامس من عام 2017 ما يقارب 700 حاجز، 98 حاجزاً منها ثابتة ومنصوبة على طول مدن الضفة الغربية، والتي تحكم إسرائيل من خلالها قبضتها على الضفة الغربية، ومن بينها 59 حاجزاً داخلياً في عمق الضفة الغربية، بعيداً عن الخط الأخضر، بالإضافة إلى 18 حاجزاً في منطقة H2 في الخليل، التي توجد فيها نقاط استيطان إسرائيلية.

ويوضح أن 39 حاجزاً من الحواجز الثابتة هي عبارة عن نقاط فحص أخيرة قبل الدخول إلى إسرائيل، رغم أن معظمها يقع على بعد كيلومترات إلى الشرق من الخط الأخضر، لكن قبل الدخول إلى القدس.

ويشير جبارين إلى أن 32 حاجزاً يغلقها الاحتلال أمام الحركة، لافتاً إلى أنها معززة بصورة تامة وجزئية، وبعضها مدجج بحراس مدنيين مسلحين، يتم تشغيلهم من قبل شركات الحراسة الخاصة، تحت إشراف إدارة المعابر في وزارة الدفاع.

ويتبع الاحتلال، بحسب جبارين، منظومة أخرى في تقطيع أوصال الضفة، وتقييد حركة الفلسطينيين، من خلال منعهم من المرور عبر 65% من شوارع الضفة، فيما يخصص للمستوطنين 60 كيلومتراً من تلك الشوارع الرئيسة لدخولها بكل حرية.

إجراءات مُذلة

أكثر الحواجز الإسرائيلية توتراً، التي تشكل منطقة تماس مع الاحتلال، وتشهد إجراءات أمنية مشددة، هي حاجز قلنديا الذي يفصل بين رام الله والقدس، وحاجز الكونتينر في الخليل، وكذلك حاجز زعترة في نابلس، الذي يفصل شمال القدس عن عمقها.

ويعد حاجز الكونتينر في الخليل من أكثر الحواجز الاستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي، فهو يفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، فيما يقسم مدن وقرى الخليل إلى أجزاء صغيرة، يسهل السيطرة عليها، وذلك بحسب الخبير في شؤون الاستيطان عبدالهادي حنتش.

ويشير حنتش، وهو من سكان الخليل، إلى أن الاحتلال يحظر عبور المركبات الفلسطينية الخصوصية عبر قسم كبير من الحواجز، التي تمنع أيضاً مرور الفلسطينيين في الشوارع التي يستخدمها المستوطنون، بالإضافة إلى الفحوص وعمليات التفتيش المستمرة التي يقوم بها الجنود على الحواجز، وكذلك المعاملة المهينة والانتظار الطويل.

ويقول الخبير في شؤون الاستيطان لـ«الإمارات اليوم»، إن «الإجراءات المشددة تدفع السائقين الفلسطينيين للعزوف عن استعمال قسم من الشوارع التي تسري عليها التقييدات والمنع، ونتيجة لذلك تقلصت حركة الفلسطينيين في جزء من الشوارع الرئيسة في الضفة الغربية، بينما تتوافر هذه الشوارع حصرياً للمستوطنين».

ويضيف: «ممّا لا شك فيه أن حواجز الاحتلال هي نقاط إذلال للفلسطينيين، يخضعون فيها لأنواع مهينة من التعذيب، فعلى هذه الحواجز ينتظر الشيوخ والنساء والأطفال والرجال، الأصحاء منهم والمرضى، ساعات طويلة في حر الشمس وبرد الشتاء. وقد توفّي الكثير من المرضى لمنعهم من اجتياز الحواجز، أو نتيجة تأخير مرورهم في بعض الحالات. وتم تسجيل حالات ولادة ووفيات بين أمهات ومواليد، وهذه الانتهاكات تكررت على حواجز الاحتلال خلال أحداث انتفاضة القدس الأخيرة، ومازالت مستمرة حتى الآن».

تويتر