Emarat Alyoum

كارثة إنسانية تهدد سكان غزة بسبب شح المياه

التاريخ:: 11 يوليو 2013
المصدر: ترجمة: حسن عبده حسن عن الـ«إندبندنت» و«هاوستاف وورك»
كارثة إنسانية تهدد سكان غزة بسبب شح المياه

يتجه قطاع غزة، وهو مساحة من الأرض على شكل إسفين محشور بين إسرائيل ومصر والبحر المتوسط، بصورة حتمية إلى أزمة مائية، تقول الأمم المتحدة إنها يمكن أن تجعله غير قابل للحياة خلال بضع سنوات. ومع تعرض ‬90٪ أو ‬95٪ من الجيب المائي الوحيد الذي يغذي القطاع بالماء، للتلوث بمياه الصرف الصحي، والمواد الكيماوية، والمياه المالحة، فإن منشآت تحلية المياه المجاورة وصنابير المياه العامة المركبة عليها، يمكن أن تكون هي من يحفظ حياة جزء من سكان القطاع البالغ تعدادهم ‬1.6 مليون نسمة، لكن هذه المنشآت ذات القدرة المتواضعة لا تؤمن المياه إلا لـ‬20٪ من السكان، الأمر الذي يجبر الكثيرين في هذا القطاع الفقير على شراء المياه المعبأة في الزجاجات بأسعار عالية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من ‬80٪ من سكان غزة يشترون مياه الشرب. وقال ممثل صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، جون كونانجي «تدفع العائلات نحو ثلث دخلها لشراء المياه».

تقديرات أممية

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن غزة بحاجة الى إنتاج ‬100ميغاواط إضافية من الطاقة، حتى قبل البدء في إنشاء منشأة تحلية المياه الضخمة. وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير إن تل ابيب تحاول تقديم المساعدة لغزة، لكنه حذر من احتمال حدوث كارثة مائية، وربما أزمة إنسانية توشك أن تقع. مضيفاً «تحدثنا مع كل شخص نعرفه في المجتمع الدولي، لأن هناك ‬1.4 مليون نسمة سيكونون بلا مياه خلال بضع سنوات»، وقال، طالباً عدم ذكر اسمه، نظراً لحساسية القضية، إن إسرائيل المتقدمة جداً في مجال تحلية المياه، تساعد على تدريب بعض الغزيين على أحدث التقنيات المائية، الأمر الذي أكدته سلطة المياه الفلسطينية.

وفي حقيقة الأمر، ليس قطاع غزة فحسب - الذي تحكمه حركة المقاومة الاسلامية «حماس» ويعيش حالة متواصلة من التوتر مع إسرائيل- هو المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي يواجه أزمة مياه. وأظهرت دراسة بالأقمار الاصطناعية، نشرتها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، أنه في الفترة ما بين ‬2003 و‬2004 خسرت المنطقة ‬144 كيلومتراً مكعباً من مياه الشرب المخزنة، وهي تعادل كمية المياه الموجودة في البحر الميت، الأمر الذي يجعل هذا الوضع السيئ أشد بؤساً، لكن الوضع في القطاع سيئ، ليس بسبب قلة الماء فحسب، إذ تحذر الامم المتحدة من أن الجيب الوحيد المتوافر الذي يغذي منطقة غزة بالماء يمكن أن يكون غير قابل للاستخدام بحلول عام ‬2016، إذ ستكون الاضرار التي ستصيبه غير قابلة للإصلاح بحلول عام ‬2020. وتشكل المياه الملائمة للشرب نحو ‬5٪ أو ‬10٪ من مياه الجيب، وحتى هذه الكمية من المياه يمكن أن تختلط مع مياه أخرى ملوثة خلال التوزيع، بحيث تصبح صالحة للغسيل فقط.

وتقول السيدة سحر موسى، وهي أم لثلاثة أطفال، تعيش في منزل مكتظ وآيل للسقوط في خان يونس جنوب قطاع غزة، بالقرب من الحدود المصرية «المياه التي تأتي من البلدية ليست صالحة للشرب، وزوجي مريض بالكلى»، وهي تنفق ‬45 شيكلاً (أي ‬8.20 جنيهات استرلينية) على شراء المياه المفلترة، التي تخزنها في خزان من البلاستيك سعته ‬500 ليتر، وهذا مبلغ كبير بالنسبة لمعظم الفلسطينيين في المنطقة.

والقضية الأكثر تعقيداً تتمثل في أن إسرائيل تفرض حصاراً على قطاع غزة، يقول عنه الناشطون إنه يمنع استيراد المواد اللازمة لصيانة منشآت مياه الشرب، والمياه العادمة.

وتقول إسرائيل إن الحصار ضروري لمنع وصول الأسلحة إلى حركة «حماس»، التي تعارض وجود دولة إسرائيل.

ونظراً لعدم وجود أنهار مياه عذبة، اعتمدت غزة تاريخياً بصورة حصرية على جيب من المياه الجوفية، يقع في المنطقة الساحلية، وتتم تغذيته بكمية من المياه تراوح بين ‬50 و‬60 مليون متر مكعب سنوياً، عن طريق الأمطار والمياه الجارية من تلال الخليل نحو الشرق، لكن حاجة غزة من المياه، التي تتزايد بسرعة بسبب تزايد تعداد السكان، إضافة إلى ما يستهلكه المزارعون الإسرائيليون المجاورون من مياه، يظهران أن نحو ‬160 مليون متر مكعب من المياه يتم سحبه من هذا الجيب المائي سنوياً، ونظراً إلى انحسار كمية المياه في الجيب، فإن مياه البحر المالحة من البحر المتوسط ترشح إليه، ويزداد هذا التلوث سوءاً نتيجة المياه العادمة غير المعالجة، نظراً إلى أن ‬90 ألف متر مكعب من المياه العادمة غير المعالجة يتم إلقاؤها وسط مياه البحر في منطقة قريبة من الشاطئ في غزة يومياً، حسب معلومات الأمم المتحدة.

ومع وجود الجيب المائي، فإن المياه الجارية التي تصل إلى المنازل، تعد ترفاً للعديد من سكان غزة. ويقول السكان الذين يعيشون في مختلف أنحاء القطاع، إنه خلال أشهر الصيف فإن الماء يتسرب من الصنابير بصورة شبه يومية، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف الضغط، وبالتالي فإن الذين يعيشون في الطوابق العليا لن تصلهم المياه.

وفضلت العديد من العائلات حفر آبار خاصة بها لسحب المياه من أعماق الأرض. وبالطبع لابد من الحصول على ترخيص لذلك، بيد أن القيود الصارمة المفروضة على حفر الآبار الخاصة، يجعل معظم أصحاب البيوت يحفرون آبارهم على نحو سري. ويجري استئجار العمال، وتغطية المنزل بألواح كبيرة من البلاستيك، في مسعى لإخفاء عملية حفر البئر عن تطفل الجيران.

وقال أحد الغزيين، البالغ عمره ‬45 عاماً، وهو والد لستة أطفال، والذي قدم نفسه باسم (أبومحمد)، ويعمل تاجر ملابس في مدينة غزة: «كما ترى فإن حفر البئر من دون رخصة يعد مشهد جريمة، عليك أن تغطيه». وكان (أبومحمد) قد دفع ما يعادل ‬2300 جنيه استرليني لسبعة عمال، لحفر بئر خاصة به على نحو سري، واستخرج الماء من عمق ‬48 متراً. ويقول «نحن نبدأ العمل بعد هبوط الظلام، ونغطي على صوت الحفر باستخدام الموسيقى والأغاني»، وقال مسؤول إسرائيلي إنه توجد في غزة نحو ‬6000 بئر خاصة، العديد منها من دون ترخيص.

وعلى الرغم من أن إسرائيل تشترك مع سكان غزة في الجيب المائي الملوث، الذي يمتد إلى قيساريا، أي نحو ‬37 كيلومتراً شمال تل ابيب، إلا أن المشكلة تكون لديها أقل حدة من غزة، المنخفضة باتجاه سطح البحر. وإضافة إلى ذلك فإن اسرائيل يمكنها الحصول على المياه من بحيرة طبريا، والجيب المائي الجبلي الذي يمتد تحت الضفة الغربية.

ونظراً الى أن غزة تجاور البحر، يبقى الجواب الاكثر وضوحاً للحصول على الماء هو في تحلية مياه البحر. وتحوي غزة حالياً ‬18 منشأة صغيرة، واحدة منها لتحلية مياه البحر، والبقية لتحلية مياه الآبار، ومعظمها جاءت منحاً من منظمة «يونيسيف» التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة «اوكسفام» الخيرية.

وبدأت سلطة المياه الفلسطينية العمل في إنشاء معملين لتحلية المياه، وهي تخطط لإنشاء معمل ثالث ضخم، صمم لإنتاج ‬55 مليون متر مكعب من الماء سنوياً، لكن بالنظر الى عدم وجود التمويل المناسب، البالغ ‬450 مليون دولار لهذا المشروع، فإنه يظل في طي التكهنات، ومن المقرر بدء العمل فيه قبل ‬2017. وبحلول ذلك الوقت، فإن غزة التي تعاني الافلاس المالي، يمكن أن تكون غير قادرة على تأمين الكهرباء المطلوبة لتشغيل مثل هذا المشروع.

ودعا نائب رئيس سلطة المياه الفلسطينية، ربحي الشيخ، المانحين الدوليين إلى تمويل مشروعات الطاقة والمياه، والمجاري، محذراً من حدوث كارثة إذا لم يتم تقديم شيء.

وقال «ثمة حاجة إلى استثمارات صغيرة لتجنب كارثة كبيرة، وهي قضية إنسانية ليس لها علاقة بالأمن والسياسة».

حروب المياه

أصبحت قلة المياه مشكلة متصاعدة في الشرق الأوسط، وشرق إفريقيا، والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الشرق الأوسط عانى قلة المياه منذ فترة من الزمن، إلا أن جاي فاميليتي، كبير الباحثين في دراسة نشرتها وكالة «ناسا»، قال إن «هناك نقصاً في إجمالي معدل المياه في حوضي نهري دجلة والفرات، يصل إلى حد مثير للذعر، وهما يعتبران في المرتبة الثانية في معدل خسارة مخزونات المياه بعد الهند»، وبالنظر إلى التوتر المرتفع أصلاً في المنطقة، فإن قلة الماء يمكن أن تصبح عاملاً آخر للصراع.

وتعد دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا من أكثر مناطق العالم جفافاً، وشهد شرق إفريقيا وحوض النيل بصورة خاصة تصاعداً في التوتر بشأن السيطرة على منابع المياه العذبة، وبالنظر إلى الموارد المحدودة، تحولت الحرب الأهلية في السودان، التي استمرت من عام ‬1983 حتى ‬2005، إلى صراع للسيطرة على الاراضي، الذي بدوره أدى إلى صراع على منابع المياه. وبعد ‬22 عاماً من القتال، لقي ‬400 ألف مصرعهم، وطرد ‬2.5 مليون شخص من منازلهم. وتعد نظافة الماء قضية لها تأثير كبير في الدول الإفريقية، الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وحسب المنظمة الخيرية المعروفة باسم «واتر ايد» فإن ‬16.4 مليون شخص في كينيا، و‬43.4 مليون شخص في إثيوبيا، لا يحصلون على المياه النظيفة.

وتواجه الولايات المتحدة ضغطاً كبيراً على المياه العذبة، وحسب برنامج «واترسنس» الشريك مع وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة، فإن «معظم مناطق الدولة عانت نقص المياه، وعلى الأقل ‬36 ولاية تتوقع نقصاً في المياه على المستوى الإقليمي أو المحلي، أو على مستوى الولاية برمتها هذا العام، على الرغم من أن البلاد لا تتعرض لحالة من الجفاف».

ويجري تبديد المياه بصورة متباينة على مستوى العالم، وعلى الرغم من أن الدول النامية تبذل جهوداً مضنية لتأمين المياه إلى سكانها، إلا أنها تدفع عادة ثمناً باهظاً لقاء ذلك، لأنه يتعين عليها القيام بالكثير من الإجراءات للحصول على المياه، لكن الدول المتطورة تستطيع تشييد البنية التحتية المناسبة التي تضمن ايصال المياه بصورة فعالة وتكاليف قليلة إلى السكان، وهذا من شأنه أن يجعل الماء يبدو رخيص التكلفة، وقليل الأهمية بالنسبة لسكان هذه الدول، ففي الوقت الذي يستهلك فيه الفرد في الدول النامية ‬12 غالوناً من المياه يومياً، فإن الفرد الأميركي يستهلك ‬158 غالوناً، وهذا يظهر مدى التباين في استهلاك الماء عالمياً.

وتحدث الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في خطاب أخير له عن أهمية المياه في العالم، وحذر من أنه بحلول عام ‬2030 سيواجه نصف سكان العالم تقريباً نقصاً في الماء، نظراً إلى أن الطلب يفوق العرض بنسبة ‬40٪.