مؤتمره السنوي الثامن يتناول قضايا الإرهاب والأزمات المالية المرتبطة بالنزاعات المسلحة

«مركز الدراسات الاستراتيجية» يناقش الحروب المستقبلية في القرن الـ ‬21

جانب من المشاركين في أعمال المؤتمر المنعقد في أبوظبي. الإمارات اليوم

ناقش المؤتمر السنوي الثامن عشر لمركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، الذي يعقد تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المركز، تحت عنوان «الحروب المستقبلية في القرن الحادي والعشرين»، في العاصمة أبوظبي، العديد من القضايا المتعلقة بالإرهاب والحروب الإلكترونية والأزمات المالية والاقتصادية المرتبطة تاريخياً بنشوب نزاعات مسلحة، كما تطرقت جلسات المؤتمر بالشرح والتحليل إلى تفسير الحروب اللامتماثلة، وأساليب المواجهة غير النمطية التى استخدمتها حركات التمرد أخيراً. وتحدث عدد كبير من الحضور عن التطورات التقنية والتكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم في قطاع التسلح، لافتين إلى أن الأزمة المالية العالمية قلصت من عمليات الإنفاق.

حروب ونزاعات على مصادر الطاقة

قال قائد القوات الجوية والدفاع الجوي الأسبق لدولة الإمارات، اللواء متقاعد خالد عبدالله البوعينين لـ«الإمارات اليوم» إن معظم أسباب الحروب السابقة والمستقبلية نزاعات على مصادر الطاقة، مسترشداً بنزاعات السودان وانفصال الجنوب، ويضيف «تسعى الدول الكبرى إلى إشغال الدول النامية بنزاعات تعيق عملية نموها»، مؤكدا ترفع دول الخليج عن تلك النزاعات وتوجهها نحو التنمية والاستقرار. ويرى أن ثورات الربيع العربي خلفت المزيد من الانقسامات داخل الدولة وبين الدول بعضها بعضاً، لافتاً إلى أن قيادات دول الربيع العربي السابقة كانت تجهل ترسيخ الديمقراطية، كما أن القيادة المنتخبة بعد الربيع العربي تجهل بناء الديمقراطية، مؤكداً أن جهل القائمين على ثورات الربيع العربي خلف المزيد من الفوضى، وأعطى فرصة إمكانية التدخل الخارجي، وخلف فتنة الطائفية بمساعدة دول الجوار.

وقال البوعينين «من وجهة نظري تتعرض سورية لمخطط إيراني علوي، وتسعى إيران إلى وجود دولة علوية بالقرب من حدود لبنان لتصبح بالقرب من حزب الله، ويرى أن الصراع في سورية سيطول، وسنرى بوادر انهيار النظام السوري حالة هياج إيران وشعورها بخطر سقوط نظام ظلت تدعمه فترات طويلة». وأفاد بأن المستفيد الأول من ثورات الربيع العربي إسرائيل، ومع وجود حكومة إسرائلية متطرفة يصعب التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية. وقال إن المستقبل سيشهد زيادة تصنيع طائرات من دون طيار لقلة كلفتها. ويضيف «بعد حرب الخليج الثانية عام ‬2003 كانت تطير أكثر من ‬700 طائرة من دون طيار فوق سماء العراق يومياً».

وفي كلمتة الافتتاحية، أكد المدير العام لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي، ان المركز اعتاد في مؤتمراته السنوية مناقشة قضايا ذات أبعاد استراتيجية حيوية تشغل بال صانعي القرار ومخططي السياسات والباحثين والأكاديميين، انطلاقاً من التطورات التقنية والتكنولوجية المتلاحقة التي يشهدها العالم بوتيرة متسارعة، لافتاً إلى أن شواهد الواقع وتطوراته تؤكد أن تكنولوجيا المعلومات هي عصب حروب المستقبل ومحور ارتكازها.

ويرى الدكتور السويدي أن مناقشة موضوع الحروب المستقبلية تراعي العديد من النقاط الحيوية، أهمها بروز تهديدات غير تقليدية حالية ومستقبلية لا يمكن توقعها، بموازاة تراجع التهديدات التقليدية، وتعاظم دور المعلوماتية ضمن نظريات القتال التقليدية وتضاؤل دور الجغرافيا. وأفاد بأن الحروب تدار عبر فضاءات عابرة للحدود التقليدية، في ظل تراجع دور العنصر البشري، وتعاظم دور المعدات التكنولوجية والأنظمة الحاسوبية.

وقال «ستظل ظاهرة الإرهاب أحد التحديات المستقبلية التي تهدد الأمن والاستقرار العالميين، إذ إن الاستراتيجيات المتبعة في مواجهة هذه الظاهرة لم تزل مبتسرة، وتتسم بالمحدودية والجزئية».

وقال السويدي «تواجه دول مجلس التعاون، لاسيما دولة الإمارات، تحديات لا ينبغي إغفالها على صعيد أمنها السيبراني، لكونها من أكثر دول المنطقة والعالم توجهاً نحو العصر الرقمي والتحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار وتكنولوجيا المعلومات»، مؤكداً الحرص على نتائج نقاشات المؤتمر التي ستسهم جدياً في بلورة منظور استراتيجي وطني للتعامل مع هذه التحديات التي يمكن أن ترتقي إلى مستويات تضاهي أو تقارب التهديدات العسكرية التقليدية، لارتباطها الوثيق بالأمن الوطني ومكوناته وركائزه الأساسية.

من جانبها، ألقت وزيرة الدفاع ووزيرة الخارجية الفرنسية السابقة ميشيل اليوماري، كلمة أشادت فيها بقيادة دولة الإمارات، واتباعها المنهج السلمي ومبادئ الحق والعدل والاحترام في العلاقة الدولية بينها وبين الدول كافة، فضلاً عن دور الإمارات في مكافحة آفة الإرهاب بمجالاته المتعددة، لافتة إلى أن التفوق التكنولوجي لأي دولة ضروري لمواجهة الإرهاب، لاسيما الهجمات الإلكترونية التي تهدد الأمن الوطني للدول وأمن المعلومات. وأكدت ميشيل إليو ماري في كلمتها الدور المهم الذي يضطلع به مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في تسليطه الضوء على أبرز القضايا الإقليمية والدولية في مجالاتها: السياسية والاقتصادية والأمنية كافة.

ثم بدأت أعمال الجلسة الأولى التي حملت عنوان «التهديدات المعاصرة والطبيعة المتغيرة للحرب»، ترأسها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني في دولة الإمارات سيف سلطان العرياني، وتحدث فيها د. أوستن لونج، أستاذ مساعد في كلية الشؤون الدولية والعامة، عضو في معهد «أرنولد أيه سالتزمان» لدراسات الحرب والسلام، جامعة كولومبيا الأميركية، في محاضرته التي حملت عنوان «الـحرب اللامتماثلة والإرهاب الدولـي»، قائلاً إن استخدام مصطلح «الحرب اللامتماثلة» يمكن أن يكون مضللاً،فهي ليست ظاهرة جديدة، لأن جذورها تمتد في تكتيكات جيوش الإسكندر الأكبر في حربه ضد الفرس، لافتاً إلى ملاحظة انتشار تكتيكات إرهابية وأخرى لمكافحة الإرهاب منذ نهاية الحرب الباردة. وقدم أوستن أمثلة لتكتيك التفجيرات الانتحارية الذي استُخدم في حالات نادرة ضد السوفييت في أفغانستان في ثمانينات القرن العشرين أصبح تكتيكاً شائعاً الآن يُستخدم من قبل تنظيم «القاعدة»، وحركة طالبان.

وقال أوستن استخدمت العبوات الناسفة البدائية الأولى في العراق بتكنولوجيات بسيطة مربوطة بسلك مفخخ. وقامت إيران بتطوير قدرات لا متماثلة كبيرة خلال تحالفها مع حزب الله اللبناني، ويضيف «تعد أحد الأسلحة الإيرانية الأكثر فاعلية في منطقة الخليج العربي هي الصواريخ المضادة للسفن والمتمركزة على البر».

وقال أوستن «أصبحت الطائرات من دون طيار إحدى أهم الوسائل لمكافحة تنامي الحرب اللامتماثلة». وقد استخدمت القوات الجوية الأميركية الطائرات من دون طيار في العراق وأفغانستان وليبيا، وفي الوقت ذاته قامت وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه) بإدارة برامج استطلاع بواسطة الطائرات من دون طيار في منطقة القبائل الباكستانية. وتعاون الطرفان (القوات الجوية، والسي آي أيه) في اليمن.

وفي محاضرته التي حملت عنوان «حرب الفضاء الإلكتروني: الهـجوم والدفاع»، تحدث جون باسيت، زميل مشارك، بحوث أمن الفضاء الإلكتروني، المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن، المملكة المتحدة. وقدم د. كريستوفر كينزي، محاضر في إدارة الأعمال والأمن الدولي، كينجز كوليج، وفي قسم دراسات الدفاع، كلية القيادة والأركان المشتركة، المملكة المتحدة، ورقة بحثية عن «صعود المتعاقدين في حروب القرن الحادي والعشرين».

يذكر أن المؤتمر سيناقش موضوعاته على مدى يومين في أربع جلسات، تُقدَّم خلالها ‬12 ورقة بحثية، لعدد من أبرز الخبراء والمفكرين والباحثين والمسؤولين.

تويتر