ناشطة: تدهور وضعها تجاوز حال المرأة في «أفغانستان - طالبان»

الهند من أكثر الدول إساءة إلى النسـاء في العالم

هنديات في تظاهرة احتجاجية ضد الإساءة إلى النساء. غيتي

في نزل أقيم فوق أعلى تلة بعيداً عن ضجيج مدينة غواهاتي شمال شرق الهند، ثمة معرض صغير أقيم احتفاء بذكرى حياة أشهر أبناء الهند المهاتما غاندي، والى جانب أريكة قديمة، حيث اعتاد المهاتما النوم عليها، ثمة نافذة للعرض تذكّر الزوار بما قاله غاندي نفسه عام ،1921 الذي مفاده «من بين جميع الشرور المسؤول عنها الرجل ليس هناك ما هو أحط وأشد إثارة للصدمة وأكثر وحشية من إساءة معاملة النصف الآخر للبشرية، أي المرأة».

لقّنوا أمهم درساً

على الرغم من أن بيهار شهدت تراجعاً في الجريمة ضد النساء خلال الفترة السابقة، إلا أن أكثرها سوءاً على الإطلاق كان ما تعرضت له امرأة على يد ابنائها وأقاربها، حيث قام هؤلاء بإهانتها في شوارع قرية لالغاني في غايا إحدى ضواحي بيهار. وقالت الضحية، وهي أرملة، للشرطة إن أبناءها وأقارب آخرين لها أرادوا تجريدها من ممتلكاتها، لهذا قاموا بضربها بالعصي، وتعريتها من ملابسها امام العامة.

وقاموا أيضاً بتعذيبها وقصوا شعرها. وذكرت المرأة ثلاثة من أبنائها في الشكوى المقدمة إلى الشرطة، وهم ديليب باسوان، وتشوتو باسوان، وسانديب باسوان، إضافة الى ستة آخرين من اقاربها تورطوا في تعذيبها. وكانت المرأة قد أدخلت الى مستشفى غايا نتيجة تعرض كل جسمها للأضرار. وأمر قائد الشرطة بإجراء تحقيق في الحادثة. وأكدت الشرطة المحلية انه سيتم اتخاذ اجراءات قاسية بحق أبناء الضحية، الذين انزلوا أعمالاً وحشية بأمهم. وقال القرويون إن الضحية كانت تكسب رزقها عن طريق تحضير وجبات الطعام لأطفال المدارس، بموجب مشروع وجبة منتصف النهار. وقالوا إن أبناءها لاحظوا بعض التغير في شخصيتها وقاموا بطردها من المنزل.

وجاء أحد أبنائها الذي يعيش في وسارت في مدينة غوجرات الى القريبة أخيرا، وشكا أقرباؤه له تصرفات أمه، وقالوا انهم تبرأوا منها وطردوها من العائلة. وحسبما ذكره القرويون، فان الابن اتصل بإخوته وأقاربه الآخرين وقرروا تلقين أمهم درساً.

تعرية امرأة

لكن يبدو أن أحداً لم يكترث لهذا القول في الهند، ففي إحدى الأمسيات، وقبل أسابيع عدة، وعلى بعد بضعة أميال عن هذه التلة، غادرت طالبة شابة إحدى الحانات، وعندها تعرضت لهجوم من عصابة مؤلفة من 18 رجلاً، قاموا بجرها على الطريق من شعرها، وحاولوا تعريتها من ملابسها وهم يبتسمون أمام الكاميرا التي كانت تصور كل ما فعلوه. وكانت الساعة نحو التاسعة والنصف مساء في أحد أكثر شوارع غواهاتي ازدحاما، وبعد مرور 20 دقيقة على عملية الاعتداء لم يكلف أحد نفسه عناء الاتصال بالشرطة، وكان ذلك الأمر يسيراً، إذ إن معظم الموجودين يحملون هواتف نقالة، وكانوا يستخدمونها لتصوير مشهد الاعتداء على المرأة، حيث كان يقوم الشبان بنزع ملابسها عنها والاعتداء عليها، وهي ترجو من أي شخص في الشارع تقديم المساعدة لها، وظهر ذلك من خلال كاميرا أحد مصوري قناة تلفزيونية كان موجوداً، والتقط الصور التي أظهرت استمتاع المشاهدين في الشارع.

وفي غضون ساعة كانت الصور تبث على شاشة قناة «أخبار حية»، في ولاية اسام الهندية، وعندما جاءت الشرطة في نهاية المطاف، أخذت الفتاة البالغ (عمرها 20 أو 21 عاما). وفي الوقت الذي كان يجري فيه إعادة بث صورها طوال الليل، كان يتم استجوابها، وتقديم الفحص الطبي لها.

ولم تجر أي محاولة لاعتقال الأشخاص المتسببين في مأساتها، الذين كانت صور وجوههم تشاهد بوضوح على شاشات التلفزة وهم يتضاحكون، وبعد فترة قصيرة من ذلك كتب رئيس تحرير «الأخبار الحية»، الذي قدم استقالته في ما بعد، على موقع تويتر «معظم الفتيات اللواتي يذهبن الى الحانات والأندية الليلية يعملن في الدعارة».

وبعد مرور بضعة أيام، انتشرت صور الفتاة بصورة كبيرة على الشاشات الحكومية في نيودلهي، الأمر الذي أخجل الشرطة بسبب موقفها مما حدث، وكان سكان غواهاتي قد قرروا في ذلك الوقت ان يحلوا المشكلة بأيديهم، فقاموا بنشر يافطة كبيرة على الشارع الرئيس في البلدة، تحمل أسماء جميع المشتبه فيهم بالتعرض للفتاة، وبعد مرور ستة أيام على ذلك أمر رئيس حكومة ولاية اسام، التي توجد فيها مدينة غواهاتي، الشرطة باعتقال المشتبه فيهم الرئيسيين، والتقى مع الضحية، وقدم لها 50 ألف روبية (58 جنيهاً استرلينياً)

أنديرا غاندي

لكن الضرر كان قد وقع وانتهى الامر، ويدرك معظم الهنود مدى قسوة الحياة التي يمكن أن تعيشها النسوة في هذا البلد الذي يعتبر أكبر ديمقراطية في العالم. وحتى بعد مرور 46 عاماً على وصول انديرا غاندي الى السلطة، باعتبارها اول رئيس وزراء امرأة عام ،1966 لكن ما حدث هنا، والتقطته الكاميرات، كان دليلاً على عدم احترام المرأة، خصوصاً في ولاية اسام التي يعتقد فيها أن المرأة تنال أكبر قدر من الاحترام في الهند.

وقالت مذيعة أخبار في إحدى المحطات «لدينا نساء وصلن الى منصب رئيس الحكومة، ومع ذلك ونحن في عام 2012 فإن المرأة لدينا تعاني مرارة كبيرة عندما يتعلق الامر بسلامتها». وأردفت قائلة إن عدداً من الشخصيات المهمة في ولاية براديش، منعوا المرأة من امتلاك الهاتف النقال، ومن اختيار زوجها، أو أن تترك المنزل دون مرافق، أو ان تكون حاسرة الرأس. وقالت مذيعة الاخبار «إنها القصة ذاتها، طالما انه ليس هناك احترام للمرأة فانه ليس هناك احترام لثقافتنا، أما بالنسبة للقانون فليس هناك من يكترث».

ولا يوجد الآن قانون خاص في الهند ضد الاعتداء الجنسي على المرأة. ووصفت الكاتبة في صحيفة هندوستان تايمز سمر هالارنكار، الاعتداء على هذه المرأة «بأنها قصة الانحدار الخطر لدى الهنود والهند بحد ذاتها»، وعرضت هذه المرأة كدليل على ما تقول إحصائية أدت الى حدوث سخط في الهند الشهر الماضي «إذ إن 370 خبيراً في مجال الجنسين في العالم صوتوا بأن الهند هي المكان الاسوأ بالنسبة للنساء ضمن دول مجموعة العشرينً.

وكان هؤلاء الخبراء مصممين على آرائهم، وقال غولشون رحمن المستشار في برنامج تنمية الصحة في منظمة «انقذوا الاطفال في بريطانيا»: في الهند لاتزال النساء والفتيات يتم بيعهن كالمتاع، أو تزويجهن في عمر صغير يصل الى 10 سنوات، وحرقهن وهن أحياء بسبب نزاعات تتعلق بالمهر، في حين يتم استعبادهن في الاعمال المنزلية.

ضرب النساء

تشير إحصاءات المركز الدولي للأبحاث المتعلقة بالنساء الى أن 45٪ من النساء الهنديات يتزوجن تحت سن الثامنة عشرة، كما أن الابحاث ذاتها اشارت الى وفاة 56 الف امرأة عام ،2010 وأشارت إحصاءات الـ«يوينسيف» في عام 2012 الى أن 52٪ من الفتيات المراهقات في الهند، و57٪ من المراهقين الصبيان يعتقدون ان من المبرر أن يضرب الرجل زوجته. وأشار مكتب السجلات الوطنية للجريمة في الهند الى تزايد نسبة الجريمة ضد المرأة في الفترة ما بين 2010 الى ،2011 ومعظم هذه الحالات كانت تتعلق بنزاعات حول المهر.

ولدى مشاهدة وسائل الإعلام الوطنية يمكن الاطلاع على مدى الإساءة التي تتعرض لها النساء في الهند بصورة يومية. وفي الشهر الماضي ذكرت هذه الوسائل أن امرأة متزوجة تمت تعريتها وقص شعرها لأنها أقامت علاقة غير شرعية، من قبل سكان قريتها اوديبور، وقام القرويون برشق الشرطة بالحجارة عندما جاءت لإنقاذ المرأة، وفي ولاية اوتار براديش تعرضت امرأة للاغتصاب من قبل الشرطة الذين استدرجوها الى مركز الشرطة بدعوى تقديم العمل لها. وفي ولاية كارناتاكا تم اعتقال طبيب اسنان لأنه أجبر زوجته على شرب بوله، لأنها رفضت تسديد متطلبات المهر له.

قطع رأس ابنته

في يونيو الماضي قطع رجل رأس ابنته البالغ عمرها 20 عاماً بسيف في قرية راجستان غرب الهند، وعرضه في جميع أنحاء القرية كتهديد للفتيات الاخريات اللواتي تسول لهن أنفسهن عشق شبان من طبقة المنبوذين، لكن القصة التي أثارت غضب معظم النساء في الهند خلال يوليو الماضي كانت مقابلة أجرتها رئيسة اللجنة الوطنية النسوية مامتا شارما مع صحيفة انديان اكسبرس، وعندما سألتها الصحافية عما إذا كان لابد من وجود أنظمة معينة لملابس المرأة في الهند «لضمان أمنها»، أجابت شارما «بعد 64 عاماً من الحرية، لا يمكننا أن نعلم المرأة ماذا ترتدي، أو أن تلبس هذا أو ذاك، لكن المهم أن تكون المرأة مرتاحة في ملابسها، وعليها ان تكون حذرة في كيفية لبسها، إذ إن تقليد الغرب بصورة عمياء يمكن أن يؤدي الى طمس ثقافتنا، وتعرضها للاعتداء». وأضافت «التقليد الغربي دفع المدن نحو الاسوأ، ففي نيودلهي ليس هناك أي ثقافة في منح المرأة مقاعد في البرمان، والغريب انه بينما يتعلم الغرب من ثقافتنا فإننا نندفع كلية نحو تقليد الاساليب الغربية». وأثارت ملاحظات شارما موجة عارمة من الغضب، وقالت الصحافية ساغاريكا غوس من موقع مجلة فيرست بوست «لا يتعلق الامر بالتقليد الاعمى للغرب، وإنما بفراغ القانون، والافتقار إلى الأمن في أماكن الترفيه والتسلية، والافتقار إلى الإنصاف بين الجنسين، وعدم الخوف من القانون، والافتقار الكامل إلى الوعي الذي مفاده أن المرأة أو الرجل يتمتعان بحقوق متساوية للتمتع بالنشاطات الترفيهية ذاتها».

وعلى الرغم من أن صحيفة الغارديان طلبت من شارما مقابلة كي توضح وجهة نظرها، إلا أنها رفضت. وتعتقد رئيس تحرير مجلة اسام للمرأة ميني ماهانتا، أن رئيسة اللجنة النسائية شارما توحي بما أسمته ذهنية «طالبان بلاس» التي تزحف الى المجتمع الهندي. وأكدت في مكتبها في غواهاتي قائلة «في هذا الجزء من العالم اصبحت الامور أسوأ مما عليه الحال في افغانستان أيام طالبان، على الاقل فإن طالبان كانت تعبر عما تحب وما تكره، أما هنا فالمجتمع مغرق في النفاق، ونحن نعبد الالهة الإناث، لكننا نفشل في حماية النساء من هذه الجرائم، وبعد ذلك فإننا نلقي عليهن اللوم أيضاً».

وتقول الناشطتان في مجال حقوق المرأة، شبال شارما و بيتوبي دوتا، إن النساء المعاصرات يتم تقسيمهن الى «سيئات» و«جيدات»،استنادا الى طريقتهن في ارتداء الازياء، وعما اذا كن يخرجن من منازلهن ليلا أو يشربن الكحول، ولذلك فإن تعرضت هؤلاء النسوة لأي اعتداء عند الخروج الى أماكن مثل الحانات فإنه يكون درساً لهن». واتفقت جميع النسوة اللواتي تمت مقابلتهن خلال قيام صحيفة الغارديان بكتابة هذا المقال، على أن الإزعاج الذي تتعرض له النساء بات جزءاً من حياتهن اليومية. وكشفت ماهانتا عن انها دائما تحمل فلفلاً حاراً ناعماً في حقيبة يدها، خشية أن تركب المواصلات العامة، لأنها ستنثر هذا الفلفل في وجه من يعتدي عليها. وقالت ديبكا باترا (24عاماً)، وهي صحافية تعمل في صحيفة الشقيقات السبع في ولاية اسام، إن الحافلات الموجودة في المدينة تتميز بسمعة سيئة جداً، نظرا لتعرض الفتيات للتحرش. وأضافت «إذا كانت هناك امرأة واقفة في الحافلة، بسبب عدم وجود مقعد لها، فإنك ستجد الكثير من الرجال الذين يلتصقون بها».

وفي شهر يونيو الماضي كتبت امرأة مدونة على الإنترنت، كان لها تأثير مدو، تصف فيها ما حدث لها عندما تجرأت على عدم ركوب عربة السيدات في مترو دلهي الجديد. وعندما طلبت من أحد الرجال ألا يلتصق بها، ساءت الامور بصورة كبيرة، اذ اقترب منهما شخص آخر وطلب من الرجل ان يبتعد عنها، واشتبك الرجلان في صراع عنيف، وفي الحال تحول جميع الركاب نحو المرأة، وصرخوا بها قائلين «إنه ذنبك، فأنت التي بدأت هذا الشجار، ولماذا أنت هنا؟ لماذا لا تذهبين إلى عربة النساء؟».

تويتر