الفساد يعيق انطلاق التنمية في ليبيا

بعد عام من التدخل العسكري الغربي في ليبيا للمساعدة على إسقاط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي، تواجه ليبيا تحديات كبيرة، أبرزها محاربة الفساد الذي تجذر واستشرى في النواحي الاقتصادية والسياسية والإدارية.

ويقول البريطانيون إن بلادهم التي تفتخر بأنها لعبت دورا في تخليص ليبيا من القذافي ونظامه، تعتقد أنه يمكنها المساعدة على محاربة الفساد بمعرفتها وخبراتها المؤسسية، وانه في بلد ينتشر فيه الفقر بشكل لافت، ويملك ثروة طبيعية ضخمة، يصبح الفساد واحدا من اكبر التهديدات والمخاطر.

ومن ابرز مشكلات السياسة الخارجية للدول الغربية أنها تعاني ظاهرة «قصر النفس»، في مدى الاهتمام والتركيز في التعامل مع قضايا الشرق الاوسط على نحو خاص، إذ سرعان ما تحولت عيون الغرب عن افغانستان الى العراق، ثم تكرر المشهد، إذ يبدو ان هناك تجاهلاً غربياً للمشهد الليبي مع تحول الى ما يحدث في سورية.

وبينما يقاتل المعارضون في سورية من اجل الحرية والخلاص من نظام الرئيس السوري بشار الاسد واستبداده، علينا ألا ننسى انه في البلدان التي بدأ فيها الربيع العربي، لم تستكمل بعد عملية التحول من الدكتاتورية الى الديمقراطية.

وفي ليبيا الدولة النفطية يبدو ملف الفساد كبيراً ومستمراً في الانتشار، فبعد وقت قصير من تحرير ليبيا استحدثت الحكومة الانتقالية صندوقاً خاصاً لتوفير الرعاية الصحية لجرحى الحرب، ووزعت نحو 800 مليون دولار على نحو 40 ألفاً، لكن يبدو ان الحد الاقصى لمن يستحقون تلك المعونة لا يزيد على 15٪ من هؤلاء. كما أن الفساد والاحتيال يهددان ايضا لجنة المحاربين الليبيين، التي أنشئت لدمج المقاتلين الليبيين في صفوف قوات الجيش والامن، فقد كان يعتقد ان عدد هؤلاء يقدر بنحو 100 ألف مقاتل، لكن اكثر من 200 ألف قدموا طلبات للانضمام الى تلك القوات، ولا توجد وسائل للتحقق من صدقية تلك الطلبات. غير ان ما يدعو الى التفاؤل هو ارتفاع انتاج النفط الى نحو 1.6 مليون برميل يوميا، وهو ما يوفر مصدرا كبيرا للاموال لتمويل التنمية في ليبيا.

وفي ظل غياب نظام قضائي نزيه ومستقل وفاعل، يبقى الوضع الامني العام في ليبيا ضعيفاً وهشاً، فالميليشيات المسلحة تعتقل الناس، حسب النوايا، والتقدم بطيء في عملية اعادة توحيد أجهزة الامن والاستخبارات المختلفة والمتنازعة في ما بينها على احقية أي جهاز في تولي مسؤولية الأمن.

ويسيطر المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي أشرف على الثورة والمعارك ضد القذافي ونظامه حالياً على الجيش، في حين اقدمت الحكومة الجديدة على إنشاء «الحرس الوطني»، وعينت له قياداته بمعرفتها. ويبدو أن مفتاح تخلص ليبيا من متاعبها المختلفة وإطلالتها على مستقبل من التنمية والازدهار يتمثلان في عائداتها النفطية المرشحة للازدياد، اذا ما اخذنا في الاعتبار ان احتياطيها من البترول يقدر بـ18 مليار برميل، ما يجعلها الاكبر والاولى في قارة افريقيا. وثمة امر مهم لابد من اخذه في الحسبان، وهو انه بعد سنوات من توزيع مسؤولي نظام القذافي عائدات النفط على مؤيديه وقوائم المحسوبية، تبدي الحكومة الليبية الجديدة قدرا كبيرا من الشفافية إزاء هذه المسألة، وتحرص على وصول نصيب من هذه العائدات النفطية الى المواطنين العاديين الآخرين، باعتبارهم شركاء في ملكية الثروة النفطية. وهنا يمكن القول ان الدور البريطاني يمكن ان يساعد من خلال المعارف والخبرات المؤسساتية وتقديم المشورة، لاسيما في مجال عمليات التدقيق المحاسبي، والتأكد من الشفافية في مراقبة الإنفاق العام، لمنع الفساد واهدار الأموال العامة وتبديدها.

تويتر