«تحالف الأضداد» لم يعد قادراً على التعايش

جبهة الانقلابيين في اليمن تــواجه حتمية التصدّع

صورة

كشفت المواجهات المُسلّحة بين الحوثيين والقوات التابعة للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، عن تفاقم الخلافات بين الطرفين؛ حيث وصلت العلاقات بينهما إلى أقصى درجات التصعيد، بحشد كلٍّ منهما أنصاره في صنعاء في 24 أغسطس 2017، وقيام ‏ميليشيات الحوثي باستعراضات عسكرية بعد انتهاء فعاليات صالح وأنصاره، وتنفيذهم حملات اعتقال ضد عدد كبير من أنصار صالح في حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو ما يكشف عن عمق التصدعات في تحالف الانقلابيين باليمن، وتصاعد احتمالات تفكّك جبهة الحوثيين - صالح.

مستقبل التحالف

يُمكن تصنيف تحالف جماعة الحوثي - صالح تحت مُسمّى «تحالف الأضداد»، حيث إن التوافق بينهما مُفتعل أملته مصالح خاصة، سواء للانتقام من الخصوم أو الهيمنة على الدولة اليمنية، ومن ثم كان متوقعاً منذ فترة تفكك هذا التحالف الآني المؤقت، لأنه ليس تحالفاً استراتيجيّاً أملته المصلحة الوطنية وضمنته، فهو تحالف هشٌّ بين قيادات وأشخاص وليس بين قواعد شعبية، لذلك يمكن أن نشير إلى ثلاثة سيناريوهات لمستقبل هذا التحالف، هي:

لم يكن التحالف بين الحوثيين وصالح ذا طابع استراتيجي منذ بدايته، وإنما تأسّس على المصالح المتبادلة بين الطرفين بصورة تكتيكية فرضتها الظروف التي أعقبت خروج صالح من السلطة، وهو ما جعل التحالف هشّاً وغير مستقر، ومؤهلاً للتصدّع في أي وقت بسبب التناقضات بين الطرفين، وتعارض غاياتهما طويلة الأمد.

تمكنت جماعة الحوثي، بعد سيطرتها على السلطة، من استمالة العديد من قيادات المؤتمر وتحييد قيادات أخرى، وتحوّل بعض قيادات حزب المؤتمر إلى عناصر في ميليشيات الحوثيين كي يتمكنوا من الحفاظ على مناصبهم، من بينهم قيادات كانت مقربة من صالح أثناء تولّيه السلطة.

1- استمرار التحالف

يتمثل السيناريو الأول في بقاء هذا التحالف كما هو عليه بحكم مصالح آنية مؤقتة تدفع الطرفين للحفاظ على التحالف، حتى تتهيأ الظروف لأحدهما لإقصاء الآخر بعنف أو دون عنف، ويُرجّح أن تتمكن جماعة الحوثي في نهاية المطاف من حسم الصراع لصالحها.

2- هيمنة الحوثيين

قد تقوم جماعة الحوثي بفرض الإقامة الجبرية على صالح، ومنعه من الظهور نهائيّاً في ظل اختلال توازن القوى الظاهر لصالحها، ما يعني مزيداً من تغلغل وسيطرة الجماعة على المشهد السياسي في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

3- تفكّك التحالف

يتمثل هذا السيناريو في هروب صالح، أو خروجه من صنعاء إلى منطقة خارج سلطة جماعة الحوثي، وإعلانه من هناك فك ارتباطه مع الجماعة، وأن تحالفه كان خطأ استراتيجيّاً يجب التكفير عنه، ما يعني محاولة صالح الانضمام إلى جبهة الشرعية والتخلي عن الحوثيين.

أخيراً، من المرجَّح أن يتصدّع التحالف المصلحي المؤقت بين الحوثيين وصالح بسبب تعارض المصالح بين الطرفين وأزمات الثقة، وإرث العداء التاريخي بينهما، والاختلافات الفكرية والعقائدية، والصراع على تقاسم المناصب والموارد المالية، بالإضافة إلى رفض أنصار صالح ومؤيديه الاستمرار في التحالف، ومخاوفهم من اختلال توازن القوى لصالح الحوثيين.

تصعيد متبادل:

ترجع بداية التحالف بين ميليشيا الحوثي وحزب المؤتمر جناح صالح، إلى أكتوبر 2012، حينما أرسل علي عبدالله صالح، خاله الشيخ «علي مقصع» مع عدد من مشايخ سنحان في زيارة سرية إلى زعيم ميليشيا الحوثي، ثم بدأت سلسلة من اللقاءات بين الطرفين أسهمت جميعها في معالجة الهوة التي حدثت بين الطرفين أثناء حكم صالح، وتلاقت مصالح الطرفين رغم تناقضاتهما الفكرية والسياسية، فصالح أراد أن ينتقم ممّن اعتبرهم سبباً في إخراجه من السلطة، وأرادت ميليشيا الحوثي تحقيق هدفها في الوصول إلى السلطة، ونشر معتقداتها وأفكارها ورؤيتها للحكم الذي يجب أن ينحصر في «ولاية البطنين»، التي تجسد مفهوم الإمامة عندهم.

وعلى الرغم من تمكّن الطرفين من السيطرة على العاصمة صنعاء؛ إلا أن الخلافات بينهما بدأت تتزايد في الآونة الأخيرة، وتمثلت أهم مؤشرات هذه الخلافات في ما يلي:

1- انعدام الثقة

بدأت معضلة الثقة بين الطرفين منذ تمكّن الحوثيين من السيطرة على صنعاء، حيث أعلنت ميليشيات الحوثي تشكيل اللجنة الثورية لتولي السلطة، وهو ما رفضه أنصار صالح، وسعى حزب المؤتمر لتشكيل حكومة شراكة لتعزيز تقاسم السلطة، وهو ما وافق عليه الحوثيون ظاهريّاً، لكنهم ظلوا متمسكين باللجنة الثورية التي تتحكم في السلطة على أرض الواقع.

2- تبادل الاتهامات

أدى انعدام الثقة بين الحوثيين وصالح، إلى تبادل الاتهامات بينهما بوجود قنوات للتواصل مع دول التحالف والحكومة الشرعية، وهو ما ظهر في قيام الحوثيين بإحالة بعض أعضاء مجلس النواب، وقيادات حزب المؤتمر، التي تعيش في الخارج، إلى المحاكمة بتهمة الخيانة، واتهاماتهم لصالح بالتفاوض مع بعض دول التحالف على ترتيبات مستقبلية للمشاركة في السلطة، إذا تَخَلَّى عن التحالف مع الحوثيين.

3- الحملات الإعلامية

تزايدت وتيرة الحملات الإعلامية المتبادلة بين أنصار الحوثيين ومؤيدي صالح، والتي تتضمن اتهامات بالخيانة وعدم الوفاء بالاتفاقات. وفي أحد لقاءاته مع قيادات حزبه، وصف صالح لجان الحوثي بـ«الميليشيات»، ما خلق توتراً شديداً بين الطرفين، خصوصاً ردة فعل رئيس ما يُسمى اللجنة الثورية الحوثية، محمد علي الحوثي، الذي طالب صالح بالاعتذار لإطلاقه هذا الوصف على أعضاء لجنته.

4- انتقادات «المؤتمر»

انتشرت حالة عدم الرضا عن التحالف مع الحوثيين بين صفوف قيادات وأعضاء حزب المؤتمر، وتزايدت انتقاداتهم للحوثيين، سواء في المجلس السياسي أو الحكومة، بسبب عدم تنفيذ قراراتهم، وتراجع فاعلية مؤسسات الحكم التي باتت أقرب إلى هيئات صورية، في مقابل هيمنة اللجان الثورية بقيادة الحوثيين على المؤسسات ومقاليد السلطة كافة.

5- استعراض الحشود

كشفت الحشود التي اجتمعت عقب دعوة صالح بمناسبة الذكرى 35 لتأسيس حزبه، مدى الصراع الكامن بين الطرفين، وسعي الطرفين لاستعراض الحشود والمؤيدين. في المقابل، أعلنت جماعة الحوثي عن حشد مماثل على المداخل الأربعة للعاصمة صنعاء في التوقيت نفسه، وهو ما زاد من حدة الصراع، ولم يقم صالح بالهجوم صراحة على الحوثيين خلال كلمته أمام أنصاره، بسبب إدراكه تفوق الحوثيين عسكريّاً.

6- إعلانات الطوارئ

تكرر إعلان الحوثيين حالة الطوارئ تحت مبرر أن الدعوة للاحتشاد والتجمهر تمثل تهديداً للاستقرار، على حد زعمهم، وأن الواجب «حشد الجماهير لجبهات القتال وليس إلى الميادين»، وتهدف جماعة الحوثي من إعلانات الطوارئ، إلى وقف النشاط السياسي للأحزاب والتنظيمات الجماهيرية، خصوصاً حزب صالح، والحد من التجمهر للمطالبة بصرف المرتبات وتعزيز السيطرة والتحكم في مفاصل السلطة. وعقب حشود يوم 24 أغسطس دعا محمد الحوثي، رئيس ما يسمى باللجنة الثورية، إلى سرعة «تفعيل حالة الطوارئ لتحصين الجبهة الداخلية، وتنظيف الصف الوطني من كل المندسين»، في إشارة إلى حزب المؤتمر الشعبي العام.

7- الهيمنة الأمنية

سارعت جماعة الحوثي عقب حشد صالح لأنصاره، إلى إصدار قرارات بتعيين قيادات أمنية في مختلف المواقع، وإزاحة قيادات موالية لصالح، واستبدالها بقيادات حوثية، وهو ما يشير إلى سعي الجماعة لاستكمال السيطرة على المشهد السياسي، واستبعاد أنصار صالح من مختلف القطاعات الحكومية، كما تدرس اللجنة الثورية الحوثية اتخاذ قرارات لإعادة هيكلة المناصب الإدارية والعسكرية ووزارات سيادية يشغل أغلبها قيادات موالية لصالح، وتتضمن القرارات تغييرات وزارية ومناصب عسكرية في ما تبقى من الحرس الجمهوري.

دوافع عدة

لم يكن التحالف بين الحوثيين وصالح ذا طابع استراتيجي منذ بدايته، وإنما تأسس على المصالح المتبادلة بين الطرفين بصورة تكتيكية فرضتها الظروف التي أعقبت خروج صالح من السلطة، وهو ما جعل التحالف هشّاً وغير مستقر، ومؤهلاً للتصدع في أي وقت بسبب التناقضات بين الطرفين وتعارض غاياتهم طويلة الأمد، وفي هذا الصدد تمثلت أهم دوافع الصدام بين الطرفين في ما يلي:

1- العداء التاريخي

لم تندثر آثار الحروب الست التي نشبت بين صالح وأنصاره من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، حينما كان يتولى الرئاسة اليمنية، إذ تسبب إرث الصراع والعداء بين الطرفين في افتقاد تحالفهما للثقة، وتحسّب كل طرف لاحتمالات انقلاب الآخر عليه، كما لم ينسَ الحوثيون أن صالح قاد العمليات العسكرية التي تسببت في مقتل زعيمهم ومؤسس الجماعة، حسين بدرالدين الحوثي، وهو ما جعل نزعات الثأر تهيمن على علاقتهم بصالح.

2- الاختلافات العقائدية

تسببت الخلافات الفكرية والعقائدية بين الحوثيين وأنصار صالح في تعارض توجهاتهم السياسية، فميليشيات الحوثي ترتبط فكريّاً وعقائديّاً بالمكونات الشيعية في العراق ولبنان وإيران، بينما يقوم حزب المؤتمر على أسس غير دينية في كل أدبياته السياسية والفكرية، ولا ترتبط قياداته بالإسلام السياسي أو الطوائف الدينية.

3- إقصاء أنصار صالح

تسعى جماعة الحوثي للسيطرة على السلطة منفردة، وإحلال كوادرها محل حزب المؤتمر شريكها في الحكم عقب الانقلاب، وهو ما اعتبره أنصار صالح انتهاكاً لتقاسم الطرفين للسلطة، كما أن اللجنة الثورية التابعة للحوثيين تُهيمن على مقاليد السلطة. وعلى الرغم من أن الاتفاق بين الطرفين ينص على أن رئاسة المجلس السياسي الحاكم يتم بالتناوب كل ستة أشهر، إلا أنه منذ تشكيله خضع لسيطرة ميليشيات الحوثي دون تمكين المؤتمر من الرئاسة لثلاث فترات متتالية.

4- اختراق «المؤتمر»

تمكنت جماعة الحوثي بعد سيطرتها على السلطة من استمالة العديد من قيادات حزب المؤتمر وتحييد قيادات أُخرى، وتحول بعض قيادات حزب المؤتمر إلى عناصر في ميليشيات الحوثيين كي يتمكنوا من الحفاظ على مناصبهم، ومن بينهم قيادات كانت مقربة من صالح أثناء تولّيه السلطة.

5- تفكيك الحرس الجمهوري

تمكنت جماعة الحوثي تدريجيّاً من تفكيك قوات الحرس الجمهوري التي كانت مواليةً لصالح، وأخضعتها لقيادات موالية للجماعة على أساس جغرافي، ولم تعد لها قيادة مركزية موحدة، وأخضعت وحداتها في الجبهات العسكرية والمحافظات لقيادات الجماعة، ما أدى إلى اعتراض قيادات وعناصر هذه القوات، وتركهم لوحداتهم العسكرية انتظاراً لتطورات الأحداث.

6- الهيمنة المالية

تتولى جماعة الحوثي منذ السيطرة على السلطة تحصيل موارد الدولة بقطاعاتها كافة، وتسخّرها لما يسمى بالمجهود الحربي. وفي مقابل تمتع أنصار الحوثيين بالعوائد المالية من مؤسسات الدولة، فإن غالبية موظفي الدولة باتوا محرومين من الحصول على رواتبهم، وغالبيتهم من أعضاء ومنتسبي حزب المؤتمر، وهو ما أدى إلى غضب قواعد الحزب وأنصار صالح من هيمنة الحوثيين على الموارد المالية.

تأثيرات ممتدة

أدى تصاعد التوترات بين الحوثيين وصالح إلى تزايد احتمالات تصدع التحالف بينهما بسبب التعارض في المصالح، وتزايد ضغوط قوات التحالف الداعمة للشرعية ميدانيّاً على أكثر من جبهة، وتتمثل أهم تأثيرات الصدام بين الحوثيين وصالح في ما يلي:

1- تكتل أنصار صالح

يسعى أنصار صالح إلى استعادة التوازن في مواجهة الحوثيين وتنظيم صفوفهم، وهو ما يعني خلق جبهة جديدة للمواجهات بين طرفي الانقلاب. في المقابل، فإن الحوثيين يحرصون على تأجيل حسم الصراع مع صالح، وهو ما سيدفعهم لاسترضاء أنصار صالح مرحليّاً للتركيز على مواجهة الضغوط العسكرية والميدانية المتزايدة.

2- تردّي الأوضاع الاقتصادية

تصاعدت تعقيدات الأوضاع المالية والاقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون، فمنذ نقل البنك المركزي إلى عدن توقفت جماعة الحوثي عن صرف المرتبات للموظفين، ما تسبب في معاناة قطاعات واسعة من اليمنيين الذين يعتمدون على مرتباتهم، ونتج عن ذلك عزوف الكثير من الموظفين عن أداء وظائفهم، كما تزايدت الأسعار في ظل ضعف القوة الشرائية للريال اليمني، وانخفاضه مقابل العملات الأخرى، ما أدى إلى زيادة الاحتقان الشعبي ضد طرفي الانقلاب.

3- تعزيز جبهة الشرعية

يُتوقع أن تقوم جبهة الشرعية بتعزيز ضغوطها في مختلف الجبهات الميدانية لاستغلال الصراع بين طرفي الانقلاب، وهو ما اتضح في تكثيف العمليات الميدانية في جبهتي ميدي وتعز خلال الفترة الأخيرة، وسيطرة قوات الشرعية على مواقع متقدمة كانت خاضعة للحوثيين.

وعلى مستوى آخر، بات واضحاً للمواطنين في اليمن أن حليفي الانقلاب يسعون لخدمة مصالح فئوية وطائفية بعيدة عن المصالح الوطنية، ما يزيد من دعم المواطنين لجبهة الشرعية في مواجهة الانقلابيين.

تويتر