اتفاق وقف إطلاق النار يسير في مسار جميع جهود السلام السابقة في هذا البلد

استمرار القتال يدفن آمال الهـدنة في سورية

صورة

تقاتلت قوات المعارضة السورية والقوات الموالية للحكومة على جبهات القتال الرئيسة قرب حلب وحماة، وأفادت تقارير بأن غارات جوية قتلت 12 شخصاً منهم أربعة مسعفين، في حين بدا أن وقف إطلاق النار تداعى تماماً.

ويظهر تجدد المعارك تضاؤل فرص تجديد هدنة انهارت مع استئناف القتال والقصف الإثنين الماضي، الذي شمل هجوماً على قافلة للمساعدات يعتقد مسؤولون أميركيون أن طائرات روسية نفذته، وتنفي موسكو ذلك.

وفشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في التوصل إلى قرار حول سورية، بعد أن عقد اجتماعاً على مستوى عالٍ، بهذا الخصوص في وقت لاحق يوم الأربعاء.

ورغم اتهام روسيا بأنها وراء قصف قافلة المساعدات، تقول الولايات المتحدة، إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي ترعاه بالمشاركة مع روسيا «لم يمت».

لكن الاتفاق -الذي ربما يكون الأمل الأخير للتوصل إلى تسوية في سورية، قبل أن تترك إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما السلطة- يسير في مسار جميع جهود السلام السابقة في سورية، إذ مازال دبلوماسيون يوصون به حتى بعد فترة طويلة من تخلي الأطراف المتحاربة عنه.

وتركز القتال الليلة الماضية على مناطق تتحكم في مداخل مدينة حلب، حيث تطوق قوات الحكومة مدعومة بالقوة الجوية الروسية ومقاتلين مدعومين من إيران منذ يوليو الماضي -باستثناء بضعة أسابيع- شرق المدينة الذي يسيطر عليه مسلحو المعارضة.

وقالت وسائل إعلام سورية حكومية ومحطة تلفزيون تابعة لحزب الله اللبناني المتحالف معها، إن الجيش استعاد مصنعاً للأسمدة في منطقة الراموسة في جنوب شرق المدينة. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب الحرب تقدم الجيش.

وقال مقاتل من المعارضة في منطقة حلب، إن الطائرات استمرت في القصف طوال الليل للتحضير لهجوم. لكنه قال متحدثاً لـ«رويترز» من حلب عبر الإنترنت إن محاولات النظام للتقدم فشلت.

وقال مصدر من الجيش السوري إن جماعات معارضة تحتشد إلى الجنوب والغرب من حلب، وفي منطقة شمال حماة. وأضاف أن الجيش سيستهدف بالتأكيد كل هذه التجمعات والحشود.

وقال الجيش إنه شن ضربات جوية على سبع مناطق قرب حلب. وقال المرصد إن ضربة جوية قتلت أربعة مسعفين وتسعة على الأقل من مقاتلي المعارضة في بلدة خان طومان التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة جنوبي حلب.

وأضاف أن المسعفين القتلى يتبعون اتحاد منظمات الرعاية الطبية والإغاثة. وأكد الاتحاد في بيان مقتل أربعة على الأقل من موظفيه.

وحققت القوات الحكومية أيضاً تقدماً كبيراً في حماة بغرب البلاد.

وقال أبوالبراء الحموي وهو قيادي بالمعارضة المسلحة يحارب في إطار تحالف «جيش الفتح» لـ«رويترز»، إن الهجوم كان مكثفاً جداً ومهدت له طائرات روسية لكن مقاتلي المعارضة صدوه. وأضاف أن مسلحي المعارضة دمروا أربع دبابات وألحقوا خسائر فادحة بالقوات الحكومية.

وقالت مصادر في المعارضة إن محاولة من جانب قوات موالية للحكومة للتقدم في منطقة حندرات إلى الشمال من حلب تم صدها كذلك. ولم تذكر وسائل الإعلام الموالية للحكومة شيئاً عن ذلك الهجوم. وقال المرصد إن طائرة مقاتلة سورية تحطمت قرب دمشق، قائلاً إن سبب التحطم ومصير الطيار لم يعرفا بعد. وقال تنظيم «داعش» الإرهابي إن الطائرة اسقطت.

ونقلت وسائل إعلام رسمية عن الجيش السوري قوله، إنه تم إنقاذ الطيار الذي تحطمت طائرته بعد توجيه ضربة لمقاتلي «داعش» شمالي دمشق الأربعاء الماضي. وذكرت وسائل الإعلام عن مصدر عسكري قوله «سقوط طائرة حربية بعد تنفيذ مهمة قتالية ضد تجمعات تنظيم (داعش) في القلمون الشرقي بريف دمشق وإنقاذ الطيار».

لكن المصدر لم يوضح سبب سقوط الطائرة وهل نتج عن عطل فني أم هجوم. وفي وقت سابق أعلنت وكالة أعماق التابعة للتنظيم الإرهابي في بيان على الإنترنت مسؤولية «داعش» عن إسقاط الطائرة.

مستوى الانحطاط

وبدأ العمل بالهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة وروسيا في 12 سبتمبر، في إطار اتفاق يهدف إلى تسهيل دخول المساعدات إلى المناطق المحاصرة. واجتمع 20 وزيراً للخارجية من دول منها الولايات المتحدة وروسيا لبحث الأمر الثلاثاء الماضي، وقدموا تأييدهم للاتفاق. وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد الاجتماع «وقف إطلاق النار لم يمت».

وفي الاتفاق الذي تبقى تفاصيله سرية، اتفقت واشنطن وموسكو اللتان تساندان أطرافاً متعارضة في الحرب بين حكومة الرئيس بشار الأسد ومقاتلي المعارضة، على أن تستهدفا بشكل مشترك المتطرفين باعتبارهم العدو المشترك.

لكن مثل هذا التعاون غير المسبوق يظل دائماً مقامرة خطرة، في وقت تراجعت فيه الثقة بين طرفي الحرب الباردة إلى أدني مستوى لها خلال عقود. وتصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب هجوم في 17 سبتمبر، شنه تحالف تقوده الولايات المتحدة قتل فيه عشرات الجنود السوريين في دير الزور بشرق سورية. وقالت واشنطن إن الضربة وقعت بالخطأ وكانت تستهدف تنظيم «داعش».

وأثار هجوم الإثنين الماضي على قافلة مساعدات، يقول الهلال الأحمر العربي السوري، إنه قتل مدير مكتبه المحلي ونحو 20 شخصا آخرين، إدانات دولية غاضبة.

وعلقت الأمم المتحدة المساعدات. وانتهز الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، آخر كلمة له في الجمعية العامة في نيويورك لإدانة «الجبناء» الذين كانوا وراء هذا الهجوم. وقال بان «عندما تشعر بأن الأمر لا يمكن أن يزداد سوءاً تجد أن مستوى الانحطاط ازداد تدهوراً».

وقال مسؤولان أميركيان إن طائرتين روسيتين طراز «سوخوي إس.يو-24» كانتا تحلقان فوق القافلة، وقت قصفها في وقت متأخر يوم الإثنين. وجاء ذلك نقلاً عن معلومات مخابرات أميركية دفعتهما لاستنتاج أن روسيا هي المسؤولة عن الهجوم. وتقول موسكو إن القافلة لم تضرب من الجو، وأشارت ضمناً إلى أن المسؤول عن ضربها المعارضون، قائلة إن عمال الإغاثة التابعين للمعارضة هم وحدهم من يعرفون ما حدث. وقالت وزارة الخارجية الروسية للصحافيين إن الأمم المتحدة والإدارة الأميركية «ليس لديهما حقائق» لدعم تأكيداتهما.

وكانت حلب -أكبر مدينة في سورية قبل الحرب- بؤرة رئيسة للصراع هذا العام، مع سعي الأسد وحلفائه إلى تطويق القطاع الشرقي الذي يسيطر عليه مقاتلو المعارضة، وقطع خطوط امدادهم الواصلة إلى تركيا. وبعد حصار شرق حلب تأمل الحكومة وحلفاؤها في تطهير مناطق إلى الشرق والغرب من هذه المنطقة، من المعارضين لاستعادة أراضٍ تشمل الطريق السريع الرئيس بين دمشق وحلب. ويلعب مقاتلون شيعة من العراق ولبنان وإيران دوراً كبيراً في القتال إلى جانب الحكومة.

لكن الجماعات المعارضة مازال لها وجود قوي في المنطقة المتاخمة لمعقل المعارضة في إدلب. وقامت الجماعة القوية التي كانت تعرف باسم «جبهة النصرة» بدور كبير في القتال ضد الحكومة.

وغيرت «جبهة النصرة» التي ظلت لفترة طويلة تمثل جناح تنظيم «القاعدة» في سورية اسمها، وتنكرت لانتمائها لـ«القاعدة»، لكنها مازالت مصنفة من جانب كل من الغرب وروسيا على أنها جماعة إرهابية مستبعدة من اتفاق وقف إطلاق النار. ويقول معارضون آخرون إن روسيا والحكومة السورية تستغلان هذا لتبرير هجمات أوسع نطاقاً.

تويتر