على الرغم من رفض الرئيس الأميركي الاعتراف بالفشل الكبير في إدارة الملف السوري

أكبر أخطاء أوباما سورية وليس ليبيا

صورة

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أسبوعين إن أكبر الأخطاء التي ارتكبها خلال فترة رئاسته هو فشله في وضع خطة ناجحة لمرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، لكن وعلى الرغم من الوضع البالغ السوء الذي وصلت إليه ليبيا، فإن الوضع في سورية أكثر سوءاً منه بكثير، ويرجع ذلك من ناحية إلى حالات الفشل الكبيرة في هذا الملف التي ارتكبتها إدارة أوباما، وهو الأمر الذي يرفض الرئيس الاميركي الاعتراف به، كما ينفي دائماً أنه يتحمل مسؤولية تدهوره إلى هذا الحد.


أسباب التدخل

عندما قرر الرئيس أوباما الهجوم على نظام القذافي في عام 2011، كانت أسبابه من أجل التدخل تفيد بمنع القذافي من ارتكاب عملية إبادة ضد المدنيين في بنغازي. وقال أوباما بعد أن قرر الهجوم «لو أننا انتظرنا يوماً آخر فإن مدينة بنغازي، وهي بحجم مدينة تشارلوت، يمكن أن تتعرض لمجزرة يمكن أن يتردد صداها عبر المنطقة، كما أنها يمكن أن تلطخ الضمير العالمي، ولم يكن من مصلحتنا الوطنية السماح بحدوث ذلك، وقد رفضت أن أدع ذلك يحدث».

أوباما يشعر بالأسف

وفي ما يتعلق بليبيا، فان أوباما يشعر بالأسف، لأنه لم يواصل المشاركة في عملية تغيير النظام في ليبيا، وكذلك في مرحلة ما بعد سقوطه، حسبما قاله لمحطة «فوكس نيوز». وتجدر الإشارة هنا الى أنه في ذلك الوقت كان البيت الأبيض يشعر بالفخر نظراً للطريقة التي تعامل بها مع الوضع في ليبيا، وطريقة تدخله في هذا البلد عام 2011، الذي يتركز حول المشاركة في الأعباء مع الحلفاء الأوروبيين، متجنباً نشر القوات البرية الأميركية، وترك مهمة الإطاحة بالقذافي وإعادة بناء ليبيا سياسياً وعمرانياً لليبيين. وقال لي (الحديث للكاتب) نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، بن رودز، عام 2011 «على الرغم من أنه سيكون أمامنا تحديات كبيرة، فإن إحدى السمات الإيجابية هنا تكمن في أن الليبيين هم الذين سيتعهدون بتغيير النظام، وهم الذين سيقودون المرحلة الانتقالية».

ويوضح رودز أن مبادئ الاشتراك في الأعباء والسماح لقوات غير ليبية بتسلم دفة القيادة، كانت هي «الخصائص التي ميزت الأسلوب الذي اتخذه الرئيس في السياسة الخارجية والتدخل العسكري في هذا البلد». ووصف مسؤول من البيت الأبيض في ما بعد هذا الأسلوب بأنه «القيادة من الخلف».

وكان التدخل في ليبيا، الذي أيدته بقوة وزيرة الخارجية في حينه هيلاري كلينتون، قد تحول إلى موضوع سخرية لأنه بعد مرور خمس سنوات، لاتزال ليبيا تصارع من أجل إنشاء الاستقرار والديمقراطية. وفشلت الميليشيات أيضاً في الاستيلاء على السلطة، وفشلت حكومة الوحدة الهشة في فرض شرعيتها على نطاق واسع، كما أن تنظيم «داعش» ينشر سيطرته على مساحات واسعة على الأرض.

ولكن مع ذلك، فإن الوضع في ليبيا أفضل بكثير مما هي عليه الحال في سورية، التي يدخل فيها الصراع عامه السادس، بعد قيام ثورات الربيع العربي، دون تدخل من الولايات المتحدة أو قوات الناتو على أراضيها. وعلى الرغم من أن ليبيا ربما لديها نحو 6000 مقاتل من تنظيم «داعش»، فإنه يوجد في سورية ما بين 20 إلى 30 ألفاً منهم، حسب معلومات المخابرات المركزية، في حين أن مجموعات حقوق الإنسان تقول إن تعداد مقاتلي «داعش» يمكن أن يصل إلى 50 ألفاً.

والأمر الأكثر أهمية أن العراق وسورية يمثلان نواة «داعش»، حيث يسيطر التنظيم على المدن الرئيسة، ويصدّر من هناك أيديولوجيته للقتال وتجنيد المقاتلين إلى أماكن مثل ليبيا. وتعد سورية هي المكان الذي يتم فيه إعداد العمليات الإرهابية في أوروبا. وكان منفذو العمليات في باريس وبروكسل قد تدربوا في سورية وليس ليبيا.

ومن الناحية السياسية، فإن ليبيا أفضل بكثير من سورية، وبعد مفاوضات ماراثونية مرهقة قادتها الأمم المتحدة، باتت حكومة الاتفاق الوطني تعمل لدمج جميع القوى، وعلى الرغم من النجاح غير المضمون فإن ثمة طريقاً واضحاً نحو الأمام، وهناك إجماع متنامٍ حول هذا الطريق، وفرصة معقولة لمصالحة سياسية حقيقية.

ولكن في سورية، فإن المفاوضات الدائرة حالياً في جنيف لا تظهر الكثير من علامات حل الأزمة، وفي ظل أفضل سيناريو سيظل الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة نحو 18 شهراً المتبقية إلى حين عقد انتخابات رئاسية جديدة، وربما يمكن أن يشارك في هذه الانتخابات، وتقول التقييمات الواقعية إن الرئيس الأسد لن يتخلى عن أي سلطة وإنه سيواصل شن الهجمات على المدنيين لسنوات مقبلة.

الوضع الليبي أفضل

واليوم يعيش المدنيون في ليبيا وضعاً أفضل بما لا يقاس عليه حال نظرائهم في سورية، إذ إن حملة النظام السوري الجوية، إضافة إلى الحصارات التي تهدف الى التجويع نجم عنها تدمير مدن أكبر بكثير من بنغازي. وعلى الأقل لقي 300 ألف شخص من المدنيين مصرعهم، كما أن نحو 10 آلاف شخص يتعرضون للتعذيب في سجون النظام، وغادر نحو 12 مليون شخص منازلهم وأصبحوا لاجئين داخل سورية، وفر أربعة ملايين شخص من سورية نحو دول الجوار وأوروبا، الأمر الذي نجم عنه نشر زعزعة الاستقرار في أماكن تقع بعيداً ما وراء الحدود السورية، وفي ليبيا قتل نحو 1500 شخص فقط العام الماضي نتيجة القتال الذي اندلع في البلد.

وفي مقابلته الأخيرة مع مجلة «أتلانتيك» الأميركية تفاخر أوباما بتصميمه على تجنب مزيد من التورط الأميركي في الأزمة السورية. وقال إنه في سورية رفض «قواعد اللعبة في واشنطن»، التي تطرحها السياسة الخارجية الرسمية الأميركية. ووصف قواعد اللعبة بأنها فخ يمكن أن يؤدي إلى قرارات سيئة.

وفي أوقات عدة قدم أوباما ومساعدوه أسباباً عدة، توضح لماذا ليبيا مكان مناسب للتدخل في حين أن سورية ليست كذلك، وفي ليبيا كان هناك اتفاق للأمم المتحدة والناتو للتدخل والهجوم على العقيد الليبي، وكانت ليبيا مهمة أسهل على القيادة والإدارة، ولم يكن لدى القذافي العديد من الداعمين الأقوياء مثل إيران وروسيا، ولكن هذه الحقائق تفتقر لنقطة أكثر أهمية، مفادها أن سورية أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية والرمزية، لأن مزيداً من الفشل في سورية يؤثر في مصالح الأمن القومي الأميركي وفي حلفائنا في المنطقة، خصوصاً تركيا وإسرائيل، ومن المهم الإشارة إلى أن إعادة بناء سورية سيكلف المجتمع الدولي مئات المليارات من الدولارات.

نفوذ أميركا

وثمة اختلاف آخر بين ليبيا وسورية بالنسبة لرؤساء الولايات المتحدة في المستقبل، سيكون نفوذ أميركا هناك، ومهما سيحدث في ليبيا فإنه سيكون هناك بقية من حسن نية نحو الولايات المتحدة، والاعتراف بالجميل، إذ إنه عندما كان المدنيون في خطر داهم، بعد أن حاول القذافي القضاء على سكان مدينة بنغازي جميعهم، منعه الأميركيون من ذلك، ولكن لم يحدث مثل ذلك في سورية، إذ ترفض أميركا النظر إلى الجهة الأخرى، أي تقديم العون للشعب السوري، وسترى ذلك أجيال بأكملها من الصغار السوريين ترعرعت في ظل الخراب والحرب والدمار، وتشعر بأنها منبوذة من قبل الدول العظمى التي تقود هذا العالم.

وبالنسبة لما هو جيد للمصالح الوطنية للولايات المتحدة والمنطقة والعالم، وسياسة الرئيس أوباما في ليبيا، وعلى الرغم من الهفوات الكثيرة التي تعتريها، فقد اعتبرت بأنها كانت نجاحاً أكبر بكثير من سياسته إزاء الأزمة السورية، وحتى أسلوب القيادة من الخلف لحل الأزمة لليبية كان أفضل بكثير من انتهاج سياسة تسمح للمشكلة بأن تتفاقم على نحو خطير بصورة مهولة بحيث تخرج عن السيطرة.

جوش روجين  كاتب عمود في صحيفة «بلومبيرغ فيو»
 

تويتر