يتوقعه شريكاً في محاربة «داعش»

استعادة تدمر غيرت نظرة الغرب لــدور نظام الأسد

صورة

يبدو أن الحرب الأهلية في سورية تسير في ثلاثة مسارات رئيسة، أولها وقف الأعمال العدائية بين القوات النظامية والمعارضة المسلحة، ثم المفاوضات في جنيف، والحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي. وقف إطلاق النار متماسك على نحو هزيل والمعركة ضد التنظيم مستمرة وتتقدم نحو الأمام، أما المفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية سياسية فقد تعثرت بالكامل. وتحرك جيش بشار الأسد لاستعادة تدمر الشهر الماضي، له علاقة بهذه المسارات الثلاثة.

نقطة تحوّل

كان بشار الأسد إلى وقت قريب شخصاً منبوذاً في الشرق الأوسط باعتباره حاكماً مستبداً ومسؤولاً عن مقتل أكثر من 250 ألف سوري، ونزوح ملايين اللاجئين. لكن في الحرب ضد «داعش» يمكن أن يتحول الأسد فجأة إلى شريك استراتيجي، وفقاً للخبير الألماني ألكسندر كوداشيف، «الحرب على المتطرفين التي بدأت بشن ضربات جوية هي نقطة تحول أيضاً بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما الفائز بجائزة نوبل للسلام، الذي كان يريد أن تجتنب بلاده دخول حروب أخرى».

ويرى الخبير السياسي أنها نقطة تحول بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فرغم أن الرئيس السوري بشار الأسد «لم يسأل عما إذا كان بالإمكان شن ضربات جوية في بلاده التي دمرتها وقسمتها الحرب الأهلية، إلا أنه من الممكن أن يكون أكثر المستفيدين من الحرب على (داعش)». وفي وقت تصرّ المعارضة على تنحي الأسد من منصبه، قال الأخير في مقابلة أجرتها معه قناة روسية، إن النجاح الذي حققه الجيش السوري والدعم العسكري الروسي لن يعرقلا التسوية السياسية في البلاد بل سيعجلان بها.

أولوية ملحّة

أثبتت روسيا -حليف الأسد الرئيس- رغبتها في توفير دعم جوي لمحاربة «داعش» التي تراها أولوية ملحة. لكن إيران وميليشيا حزب الله (حليفا النظام السوري اللذان لا يمكن الاستغناء عنهما) سيكونان أقل حماساً لتوفير المقاتلين. وقد أشارا إلى التزامهما بالدفاع عن الأراضي الرئيسة للنظام، فيما أعربا عن رغبة فاترة في القيام بحملات عسكرية أبعد من ذلك. يتعين أن تتحول هزيمة التنظيم الإرهابي إلى شأن متعدد الأطراف، مع وجود دور للنظام، ودور ربما أكبر للميليشيات الكردية والمقاتلين العرب. وقد ذكرت مصادر إعلامية روسية أن كلاً من موسكو وواشنطن تبحثان تنسيق الجهود العسكرية لتحرير معقل المتطرفين - الرقة.

أثبت وقف القتال الذي أعلن عنه نهاية فبراير أنه متماسك إلى حد ما، حتى الأيام القليلة الماضية. والمعارضة أصيبت بالإرهاق الشديد والاستنزاف في مواجهة الهجوم المستمر الذي يدعمه سلاح الجو الروسي، ولذلك رحبت والتزمت بشكل لافت بوقف إطلاق النار. وعلى الجانب الآخر، أصرت موسكو على وقف إطلاق النار، وتبع ذلك انسحاب روسي جزئي في إشارة للرئيس بشار الأسد، بأن روسيا عززت مواقع النظام على أرض المعركة، ولكنها لن تذهب أكثر من ذلك إلى حد الانخراط في حرب مفتوحة ضد المعارضة. في الوقت ذاته، أشار الروس إلى استعدادهم للعب دور أكبر في القتال ضد تنظيم «داعش».

لقد أثر وقف إطلاق النار، وتغير الموقف الروسي على استراتيجية النظام السوري، الذي كان يسعى للحفاظ على المساعدة الروسية، إلى أن يلحق الهزيمة الكاملة بخصومه على أرض المعركة، على أن يؤجل المعركة مع «داعش» إلى ما بعد. ولكن مع نهاية المسار الأول، أجبر الأسد على إعادة النظر في استراتيجيته وتقييم جديد للأمور.

في اليوم نفسه الذي اجتمع فيه زعماء العالم في سويسرا للبدء في محادثات السلام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الانسحاب الجزئي لقواته، مع دعوة موسكو إلى التركيز على عملية التسوية السياسية للصراع. ولكن حكومة دمشق رفضت التفاوض بصورة قاطعة. فقد قال الأسد إن الحرب ستستمر إلى أن يستعيد النظام كل سورية، وأصر مسؤولوه على أن أي حديث حول الانتقال السياسي غير مطروح على الطاولة. ولم يعترف وفد النظام إلى جنيف حتى بالمعارضة كشريك في التفاوض، واصفاً وفدها بـ«مجموعة من الإرهابيين». وفد الأسد في جنيف كان له دور سلبي، ولكن استعادة تدمر حولت أنظار العالم عن عدم رغبة الأسد في التفاوض إلى دور الأسد في هزيمة «داعش».

انتقال سياسي

يبدو أن هناك سياسيين ومراقبين في أوروبا وفي أميركا، تناسوا كيف وصلت سورية إلى ما هي عليه الآن، وهم يسارعون الآن لمباركة عودة الأسد إلى المجتمع الدولي. من الخطأ اعتباره ترياقاً لشفاء سورية من أزمتها. يمكن للأسد أن يلعب دوراً في الحرب على التنظيم المتطرف، وعلى المؤسسات السورية الرئيسة أن تدخل في أي اتفاق سياسي. لكن، فقط قرار جاد لحل الصراع السوري يتضمن مرحلة انتقال سياسي وانتهاء فترة الأسد الرئاسية سيؤدي إلى استقرار البلاد. وفي النهاية إلى هزيمة «داعش» وليس ذلك وحسب، بل إلى هزيمة «جبهة النصرة» أيضاً.

في حين كانت قوات الأسد تسيطر على تدمر، كانت الفصائل المسلحة الأخرى تتحرك تجاه معاقل التنظيم، في أماكن أخرى من سورية. ونشير هنا إلى أن قوات «سورية الديمقراطية» الكردية، التي تحظى بدعم أميركي ومسلحين مسلمين ومسيحيين آخرين، تقترب من الرقة - عاصمة «داعش». كما اتجه متمردون آخرون بدعم الولايات المتحدة ودول الجوار نحو معاقل التنظيم في دابق ودير الزور. مع توقف القتال بين النظام والمعارضة، يبدو أن الحرب ضد المتطرفين قد بدأت بإحراز تقدم. وسواء كانت قوات النظام أم فصائل المعارضة، فجميع الأطراف يسارعون إلى الاستيلاء على المزيد من الأراضي.

قرر النظام أخيراً خوض معركته مع «داعش» بعد أن سمح له بالازدهار لثلاثة أعوام متتالية. وعلى الرغم من ذلك فالأسد يواجه عقبات عدة، مع العلم أن تدمر قريبة نسبياً من دمشق، الأمر الذي يجعل السيطرة عليها أمراً سهلاً. والحملات العسكرية لاستعادة الرقة ودير الزور ستكون أكثر صعوبة وتحدياً. في غضون ذلك يعاني جنود النظام الموزعون في الجبهات الأمامية من الإرهاق بعد خمس سنوات من القتال، كما أن الأولوية بالنسبة لهم حالياً تتمثل في القتال، ومواجهة المخاطر للدفاع عن معاقلهم في دمشق وحلب، والساحل الغربي (حيث الأغلبية العلوية).



 

تويتر