البلدة قدمت المأوى إلى المجموعات الموالية له خلال القصف الإسرائيلي في 2006

«حــــزب الله» يشــــارك في تجـويع مضايا السورية

صورة

كان «حزب الله» اللبناني، حتى سنوات قليلة ماضية، مصدر إلهام للملايين في الشرق الأوسط وحول العالم. لقد كان رمزاً للمقاومة البطولية، إذ قاد معركة طويلة لتحرير الأراضي المحتلة في جنوب لبنان، واستمر في الوقوف في وجه العدوان الإسرائيلي ما بعد التحرير. وأشاد كثيرون حينها بزعيم الحزب حسن نصرالله، ولُقب بـ«سيد المقاومة». وعلقت صوره في جميع أنحاء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وكانت عائلات في جميع أنحاء العالم العربي تكن له احتراماً كبيراً. وعندما كان يقدم خطبه التي عادة ما تكون طويلة، يلازم الناس شاشة التلفزيون وكانت قناة «المنار» الفضائية لا تقل شعبية عن قناة «الجزيرة» نفسها. واعتقد كثير من الفلسطينيين أن نصرالله كان قائداً عظيماً ورغبوا في أن يكون لديهم شخص مثله، من أجل قيادة مقاومتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي.

 

ظروف فظيعة

ذكر مسؤولون في منظمة الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 400 شخص في بلدة مضايا السورية على حافة الموت، وفي حاجة إلى إجلائهم فوراً لتلقي العلاج. ويجد الفارون من الظروف الفظيعة، أنفسهم في مواجهة القتل أو الإصابة جراء الألغام أو نيران القناصة. وقد دخلت قافلة تضم 40 شاحنة محملة بمساعدات غذائية وطبية، قبل يومين، إلى بلدة مضايا. وفي الوقت نفسه، دخلت ثلاث شاحنات أخرى إلى بلدتي كفريا والفوعة المعزولتين شمال غربي البلاد، اللتين تحاصرهما عناصر متشددة. وتفيد التقارير الواردة من المناطق المحاصرة بوفاة عشرات الأشخاص من الجوع أو نتيجة نقص الرعاية الطبية في مضايا الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة. وقال نشطاء إن بعض السكان أكلوا أوراق الشجر والقطط والكلاب، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأشخاص في حالة هزال مروعة.

أما اليوم، يبدو أن «حزب الله» قد فقد الكثير من الدعم الشعبي والتعاطف الذي تمتع به في السابق، وبات أولئك الذين أثنوا على زعيمه حسن نصرالله يسخرون منه، ويدينون أفعال مقاتليه، لأن الميليشيا اللبنانية تخوض نوعاً مختلفاً تماماً من الحرب هذه المرة. وبناء على تعليمات من رعاته في طهران، فإن الحزب يخوض حرباً للدفاع عن نظام استبدادي فاسد يحكم في دمشق.

خلافاً لحزب الله، رفضت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، التي تعتبر نفسها شريكاً للحزب في الصراع ضد الصهيونية، الرضوخ لضغوط الإيرانيين. وعلى الرغم من أن سورية كانت، وفقاً لزعيم «حماس» خالد مشعل، أفضل ملاذ للحركة خارج فلسطين، إلا انها اختارت التضحية بكل الامتيازات التي حصلت عليها هناك، وذلك لتجنب لعب أي دور في قمع الشعب السوري.

منذ مغادرته دمشق قبل أربع سنوات، رفض مشعل دعوات عدة من السلطات الإيرانية لزيارة طهران، التي جعلت زيارته شرطاً مسبقاً لاستئناف أي مساعدات مالية للحركة. مما لا شك فيه، فإن الأزمة السورية قد دقت إسفيناً عميقاً بين «حماس» من جهة وحزب الله وإيران من جهة أخرى. ومنذ بداية الحرب الأهلية، نشرت تقارير عدة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات حزب الله وميليشيات أخرى تدعمها إيران في مناطق مختلفة من سورية. وحتى الآن لم يحدث شيء مروع وصادم، مثل ما يتهم به حزب الله بارتكابه هذه الأيام.

تذكرنا أشرطة الفيديو والصور القادمة من منطقة مضايا، في ضواحي دمشق، بالحرب العالمية الثانية وضحايا معسكرات الاعتقال. الرجال والنساء والأطفال يموتون بشكل يومي بسبب الجوع، وقساوة البرد في فصل الشتاء. واتهم ضحايا الحصار وناشطون يسعون لجذب انتباه العالم لمحنتهم، قوات تابعة لميليشيا حزب الله بمحاصرة المنطقة ومنع مرور المساعدات إلى آلاف السكان في مضايا. المأساة في هذه الأحداث هي أن هذه المنطقة السورية كانت قد قدمت المأوى إلى المجموعات الموالية لحزب الله عندما اضطروا للفرار من مدنهم وقراهم في جنوب لبنان، خلال القصف الإسرائيلي المدمر في يوليو 2006.

ادعاءات كاذبة

إيران و«حزب الله»، اللذان ادعيا في السابق وقوفهما لدعم المظلومين في العالم، هما اليوم أداتان لظلم وتعذيب واضطهاد الشعب السوري. كل من الحزب وراعيه الإيراني شركاء، على حد سواء، مع نظام بشار الأسد، ويتحملان المسؤولية عن الملايين الذين فروا من منازلهم، ومئات الآلاف الذين قتلوا، وآلاف السكان الذين هم اليوم رهن التجويع حتى الموت.

لم تكن الميليشيا المسلحة ومن يدعمها لتتمتع بالحرية المطلقة في قتل وتعذيب الشعب السوري وتشويه صورته لولا الموقف اللامبالي الذي أبداه المجتمع الدولي، فقد كان لدى القوى الدولية حساباتها الخاصة وأولويات أخرى. وطوال السنوات الأربع الماضية، كانت عيون الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين تتركز على هدف واحد والمتمثل في إبرام اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ومن أجل ضمان النجاح، كانوا حريصين على عدم استفزاز إيران أو تهميشها. وفي الوقت ذاته، فإن هذه القوى نفسها، اعتبرت أنه غير مفيد لها نجاح انتقال الديمقراطية في أي مكان في العالم العربي، قد يسلم الحكم إلى مجموعات لا تتقاسم الرؤية مع الغرب. وكان الشيء الوحيد الذي استحق اهتمام المجتمع الدولي هو «الحرب على الإرهاب»، وهو ما يعني على وجه التحديد الحملة التي تستهدف الجماعات الإسلامية «الأكثر تطرفاً»، مثل تنظيم «داعش».

تأمين القوت

وفقاً لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، فإن نحو 40 ألف مدني محاصرون في مضايا ذات الأغلبية السنية. وقد تأثرت البلدة كثيراً بالنزاع في سورية، وفي وقت قضى فيه العديد من السكان، يحاول الأهالي البقاء على قيد الحياة بكل الوسائل. وقد اضطر البعض لبيع ممتلكاتهم بما في ذلك سياراتهم، من أجل الحصول على الطعام. وتقول التقارير إن سعر كيلوغرام الأرز وصل إلى أكثر من 100 دولار في مضايا المحاصرة من قبل جيش النظام ومقاتلي الميليشيا اللبنانية، وهو سعر مرتفع للغاية، يضطر المحاصرون لدفعه من اجل تأمين القوت اليومي. وفي سوق البلدة تتم مقايضة السيارات بكمية صغيرة من الأرز أو الحليب، ويمكن مشاهدة تفاصيل المأساة على مقاطع الفيديو التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.

يقول عامل في الإغاثة، يُدعى لؤي، إن «الناس هناك يموتون ببطء». ويضيف الشاب من مضايا «كان لدينا مزهريات في المنزل، فاضطررنا لقطف الأزهار وأكلها. لقد كانت مرة وفظيعة!» ومع ارتفاع سعر الأرز في المناطق المحاصرة، اضطر الأهالي إلى شراء كميات قليلة لسد جوع أطفالهم. ويقول لؤي «أقسم أني حاولت أن أشتري كيلوغراماً من الأرز، فقال أحدهم إن عليّ دفع 100 ألف ليرة سورية». والشيء نفسه ينطبق على البرغل والعدس والسكر، ويضيف الشاب السوري «هذا إن وجدت السلع».

يخاطر بعض الشباب بالبحث على النباتات الصالحة للأكل في المناطق الملغمة من قبل قوات النظام، وقد تعرض العديد منهم لحوادث فقدوا خلالها أطرافهم، وذلك وفقاً لشهادات السكان. ويقول الرقيب المنشق من الجيش السوري، إبراهيم عباس «سواء كان المحاصر في السبعين أو العشرين، رجلاً أو امرأة أو طفلاً، فإنه بالتأكيد قد خسر 15 كيلوغراماً من وزنه».

تويتر