القاعدة العسكرية المزعومة قرب اللاذقية تُعدّ نقطة تحوّل في سياسة «الكرملين» تجاه دمشق

روسيا تزداد تورطاً في الأزمة السورية

صورة

تقول وكالة الاستخبارات الأميركية أنها حصلت على أدلة على تصعيد ملحوظ للتدخل العسكري الروسي في الحرب الأهلية في سورية، بما في ذلك صور واضحة التقطتها الأقمار الاصطناعية لقاعدة روسية قيد الإنشاء بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية، التي تعد معقلاً للرئيس السوري بشار الأسد، ستستخدم لإنزال القوات والمعدات الثقيلة.

«الكرملين» والبيت الأبيض

يقول المحلل الفرنسي تيري ميسان إن التعاون بين الكرملين والبيت الأبيض له حدود؛ فموسكو تأمل القضاء على المسلحين المتطرفين قبل أن يمثلوا تهديداً مباشراً لأمنها القومي، بينما تتمنى الولايات المتحدة أن تتمكن من تفعيل البعض منهم في صراعات أخرى، يضيف ميسان، كما حصل سابقاً في أفغانستان والبوسنة والشيشان وفي كوسوفو. ويقول المحلل الفرنسي إن عناصر متطرفة وصلت أخيرا إلى أوكرانيا. ويعتقد المحلل أن «واشنطن ستكون في غاية السعادة، إذا قللت روسيا أعداد المتشددين، ولن تكون مستاءة البتة في حال تورطت في سورية».

ويقول مسؤول أميركي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن صور الاستطلاع للمجمع العسكري المحتمل الذي يجري بناؤه بالقرب من المطار الدولي في اللاذقية، تقدم دليلاً قوياً على عمق «تورط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحرب السورية المستمرة منذ أربع سنوات». وأضاف المسؤول الرفيع أن موسكو طلبت من بلد يشارك الحدود مع سورية السماح بنقل سرب من الطائرات المقاتلة عبر أجوائه، لفترة محددة. ولم يذكر المسؤول اسم البلد إلا أن تركيا تقع على الطريق بين روسيا وسورية.

ولا يعرف المسؤولون في وكالة الاستخبارات الأميركية نيات القيادة الروسية من خلال هذا التحرك اللافت؛ إلا أن هناك مخاوف من أن القوات الروسية سوف تساعد بشار الأسد في مهاجمة خصومه، بما في ذلك المعارضة المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة، كما أن التدخل المتزايد للروس سيطيل الحرب الأهلية التي أودت بحياة مئات الآلاف حتى الآن.

ويقول مسؤول آخر، لم يكشف عن اسمه: «بالتأكيد هذا مصدر قلق كبير»، مضيفاً «إذا كان الروس يرسلون من يساعد الحكومة السورية للاستمرار في الحرب، فهذا شيء، وإذا كانوا يرسلون قوات برية ويقصفون المناطق السكنية بالقنابل فهذا شيء آخر». يذكر أن موسكو قامت حتى الآن بتقديم الدعم المالي لنظام الأسد، إضافة إلى تزويده بالمعلومات الاستخباراتية والأسلحة وقطع الغيار للمعدات العسكرية المصنوعة في روسيا، ولم ترسل جنوداً للقتال.

من جهته، قال البيت الأبيض إنه يراقب تقارير التحركات العسكرية الروسية في سورية عن كثب، بعد صور أظهرت طائرات حربية وطائرات من دون طيار روسية الصنع على مواقع تواصل تابعة لمقاتلي المعارضة السورية. وأظهرت الصور طائرات تحلق بالقرب من محافظة إدلب شمال غرب سورية. وإدلب مثل اللاذقية، هي في جزء من المنطقة التي تسيطر عليها الطائفة العلوية، الأقلية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وصرح المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنست، «أي دعم عسكري لنظام الأسد لأي غرض، سواء تعلق الأمر بالجنود أو الطائرات والسلاح أو المال، فإن ذاك يؤدي إلى زعزعة الاستقرار ونتائجه عكسية».

ومع حشد القوات في سورية، قد تكون موسكو تسعى لزيادة قدرتها على إعادة إمداد قوات الأسد وتعزيز قبضته «الضعيفة» على السلطة، علماً بأن جيش الأسد فقد أعداداً كبيرة من الجنود والأسلحة، في ظل تقدم المعارضة. وقد يساعد الروس أيضاً في حراسة المنطقة العلوية لضمان أن الأسد لديه «طريق هروب آمن» وملجأ إذا فقد السيطرة على العاصمة.

 

رفض روتيني

في حين يرفض بوتين بشكل روتيني مطالب الغرب بضرورة تنحي الأسد، وإفساح الطريق للسلام وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فقد ألمح زعيم «الكرملين» في الآونة الأخيرة إلى أن دعمه للزعيم السوري المحاصر له حدوده. وفي السياق ذاته، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب لقائه بوتين، في يونيو الماضي، إنه لمس تغييراً في دعم الأخير للأسد. وأضاف أردوغان أنه لم يعد يرى أن روسيا ستدعم الأسد حتى النهاية. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد قاد حملة دبلوماسية قبل أسابيع، في محاولة لحشد الدعم لخطة لإحلال السلام في سورية، والتي من شأنها أن تشمل دوراً للأسد. لكن تلك المحادثات مع زعماء آخرين في الشرق الأوسط فشلت في تحقيق إجماع. وفي المقابل، يؤكد التحرك العسكري الجديد اعترافاً من قبل الروس بأنه مع فشل تلك المحادثات، فإن نظام الأسد بحاجة إلى مزيد من المساعدة.

ويقول المحلل العسكري في معهد دراسة الحروب ومقره واشنطن، كريستوفر هارمر: «من الواضح أن كل هذه الاستعدادات اللوجستية التي يقوم بها الروس تهدف لفعل شيء مهم لمساندة الأسد»، موضحاً «في هذه النقطة أن الإمدادات أكبر من أن يتمكنوا من التضليل».

 

تدخل سريع

قبل أسبوعين، أشار خبراء في المجال العسكري إلى أن عدداً غير محدد من الطيارين الروس سيصلون إلى سورية في غضون أيام قليلة، وسيقوم هؤلاء باستخدام الطائرات الروسية المقاتلة والمروحيات الهجومية ضد أهداف تنظيم «داعش» والمجموعات المسلحة المتحالفة معه. ويؤكد دبلوماسيون غربيون وصول قوة تدخل سريعة من روسيا بالفعل، وأنها أقامت معسكراً في قاعدة جوية تحت سيطرة الأسد. وستكون القاعدة الواقعة في ضواحي العاصمة دمشق منطلقاً للعمليات العسكرية. ويتوقع المراقبون وصول آلاف الجنود الروس في الأسابيع المقبلة، وستضم القوات مستشارين ومدربين وعناصر للخدمات اللوجستية وآخرين من قسم الحماية عن بعد. وأشارت تقارير سابقة إلى أن الروس دخلوا في محادثات مع دمشق، لبيعها للسوريين طائرات «ميغ» حديثة وطائرات تدريبية يمكن استخدامها في مهمات هجومية أيضاً. ولاتزال بنية قوة «التدخل السريع» غير معروفة تماماً، لكن الأكيد أن الطيارين الروس الذين يؤدون مهام قتالية في السماء السورية سوف يغيرون من مسار الحرب والمعطيات العامة في المنطقة.

وبعد إمداد النظام السوري بالسلاح والدعم المالي، هناك أدلة الآن على أن الروس موجودون على الأرض مع قوات الأسد لتشغيل المعدات. وأشارت تقارير إلى وجود أدلة على أن الروس أصبحوا جزءاً من الجيش السوري. وقد يكون تصريح الأسد، أخيراً، لقناة المنار الفضائية بأن «لدينا ثقة تامة بأن الروس، كما أثبتوا خلال الأزمة منذ أربع سنوات، مخلصون ولديهم شفافية في علاقتهم معنا»، تلميحاً إلى هذا الوجود والدعم على أرض المعركة.

تويتر