فشل مساعي إنهاء الكارثة الإنسانية مع إصرار الأسد وداعميه على القتل والتدمير

السوريون يشعرون باليأس من الصمت الدولي عن جرائم النظام

صورة

تزداد الأزمة السورية تعقيداً عاماً بعد عام، ولاتزال المساعي لإنهاء الكارثة الإنسانية غير مجدية، في ظل إصرار النظام السوري ومن يدعمه على الاستمرار في القتل والتدمير إلى ما لا نهاية. وفي الوقت الذي كان وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، يتباحث مع نائب الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، الذي يزور دمشق لأول مرة، كان الطيران الحربي السوري يقصف السوق الشعبية الرئيسة في دوما، ما أدى إلى سقوط أكثر من 100 قتيل وإصابة المئات من المدنيين. واعتبر مراقبون أن الهجوم الجوي هو الأعنف من نوعه منذ بدء الصراع، وأن الهدف من هذا الهجوم هو ترويع السكان، فقد باتت البراميل المتفجرة تشكل «أسلحة دمار شامل» تمنع المدنيين من العثور على أي ملجأ بعد أن أصبحوا محاصرين بسبب معارك لا يشاركون فيها.

ويأتي ذلك في الوقت الذي يسعى مجلس الأمن الدولي إلى إخفاء عجزه أمام هذه المجازر المتكررة من خلال دعم مبادرة السلام التي اقترحها مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستافان دي ميستورا. ولم تفكر الدول الغربية في أي إجراءات ملموسة لوضع حد للهجمات بالبراميل المتفجرة. وفي ظل ترك واشنطن نظام الرئيس، بشار الأسد، يتجاوز «الخط الأحمر» بشأن الأسلحة الكيماوية.

عقدة مصير الأسد

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/08/354818.jpg

رفضت إيران، بشكل مطلق، المشاورات الأخيرة بين الروس والأميركيين والسعوديين حول عملية إزاحة الرئيس السوري، بشار الأسد، عن السلطة تدريجياً. والمحرك الرئيس لهذا التطور هو التقارب بين موسكو والرياض، اللتين تميزت العلاقة بينهما لسنوات طويلة بالبرود وعدم الثقة. ويبدو أن هناك إدراكاً بأن رحيل الأسد بشكل فوري أمر «غير معقول وخطر»، لأنه يسهم في حظوظ سيطرة المتطرفين على العاصمة السورية دمشق. واقترحت أطراف غربية خطة انتقال للسلطة في دمشق تدوم من سنة إلى ثلاث سنوات، بينما يتحدث الروس عن خطة انتقال السلطة في دمشق تصل إلى مدة أقصاها خمس سنوات.

يرى محللون أن الغارات الجوية، الأسبوع الماضي، على سوق مزدحمة لم تكن مفاجئة. ومرة أخرى تستهدف المقاتلات الجوية السورية (روسية الصنع) أماكن شعبية مكتظة تضم أسواقاً أو قرب المساجد بعد الصلوات، بحيث يبدو أنها تهدف إحداث أكبر قدر من القتلى بين المدنيين وتدمير الأماكن التي يترددون عليها.

وقبل أسبوعين فقط، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً بعنوان «متروكون للموت تحت الحصار» مسلطة الضوء على جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في الغوطة الشرقية.

وأشارت وثائق المنظمة إلى حدوث عشرات الغارات البشعة، راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين. ومن الواضح أن تلك الهجمات كانت موجهة للمدنيين، مع عدم وجود أهداف عسكرية في المناطق المستهدفة أو بالقرب منها.

وخلال الأسبوعين الماضيين هاجمت طائرات النظام السوري دوما وأسواقاً أخرى في بلدات مجاورة، مثل كفر بطنا وسقبا، وأدى ذلك إلى إصابة الكثيرين. وتقع جميع تلك المناطق تحت سيطرة الجماعات المسلحة المعارضة لحكم الأسد، وهذا النمط من الهجوم يشير إلى أن قواته تسعى إلى ترويع السكان المحليين وجعل الحياة صعبة ومؤلمة بقدر الإمكان لكل من يعيش هناك.

وتقول التقارير الواردة من سورية، إن أربع غارات جوية استهدفت سوق دوما في وقت قصير جداً، وكلما حاول المسعفون الوصول إلى موقع الهجوم تقوم الطائرات بقصفهم مرة أخرى، وهي أهداف سهلة بالنسبة للطائرات النظامية التي تقصف من الأعلى، وهو أمر مألوف لديها.

وباتت المراكز الطبية مشغولة بالكامل، ويقول مسؤول في الصحة لمنظمة العفو الدولية، إن هناك نقصاً حاداً في معدات العناية المركزة، تشمل أكياس الدم والمضادات الحيوية والمسكنات والطاقم الطبي. الأمر الذي جعل المستشفيات تستعين بالطلاب لإجراء معظم العمليات.

وتعاني دوما والغوطة الشرقية منذ سنوات من الحصار الشديد من قبل الحكومة والقوات الموالية لها، ما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية والأدوية، مع أنباء عن وفاة أكثر من 200 شخص نتيجة لذلك. علماً بأن استخدام التجويع كسلاح يعد جريمة حرب أخرى.

ولايزال المجتمع الدولي ومجلس الأمن عاجزين على اتخاذ أي خطوة حقيقية يمكن أن تخفف المعاناة على السوريين، في الوقت الذي تمتلئ المقابر الجماعية في دوما، وغيرها من المناطق السورية، بجثث الضحايا.

باتت هناك حاجة ملحة لإحالة المجازر في سورية إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية. ويتعين على جميع البلدان الغربية وغيرها أن تستعين بآلياتها القضائية لإلقاء القبض على أي شخص يعبر أراضيها ربما يكون مشتبهاً فيه بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات أخرى في هذا الصراع الدامي. كما أن موسكو وطهران مطالبتان بالتوقف عن تأجيج النزاع ومساعدة النظام في ارتكاب المزيد من الفظاعات. وفي المقابل، على الأطراف الأخرى استخدام نفوذها لوقف الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة الأخرى، ويشمل ذلك تنظيم «داعش». وحتى تتحرك جهة ما في هذا الاتجاه، ستواصل منظمات حقوقية توثيق جرائم الحرب المروعة.

نيل ساموند - باحث في الشؤون السورية واللبنانية

تويتر