نقص السلاح دفع الثوار إلى استراتيجية الحفر المثيرة للجدل لاستهدافها مباني تاريخية

تقدّم القوات السورية يُشعل حرب الأنفاق مع مسلحي المعارضة في مــدن عدة

صورة

تغيرت المعادلة كثيراً في سورية، فبعد أن كان الثوار يبسطون سيطرتهم على مناطق عديدة في البلاد تراجعوا بشكل لافت، في حين اضطر الكثير منهم إلى مغادرة البلاد. ولجأت المعارضة السورية أخيراً إلى أسلوب جديد في حربها ضد نظام بشار الأسد الذي يبدو أنه حقق تقدماً كبيراً في الآونة الأخيرة على حساب المعارضة.

وبدأ الثوار في حفر الأنفاق في مدينة حلب التي تتقاسمها المعارضة والنظام. وخلال الأسابيع الماضية حفر مسلحون من المعارضة نفقاً بالقرب من مكتبة قديمة في المدينة، من أجل الوصول إلى الطرف الآخر، حيث يوجد جنود النظام، وقاموا بتفجير معدات تابعة له، ولكن التفجير قضى على ما بقي من مكتبة الوقفية التي تحتوي على كتب ومخطوطات قديمة ومهمة. والمفارقة أن قائداً في المعارضة يدعى إياد السقان، الذي أسهم في تجهيز المكتبة في 2006- قبل الثورة - أشرف بنفسه على حفر النفق، وكان القائد في «الجبهة الإسلامية» جالساً على الركام بجانب موقع الحفر وهو يشعر بالحيرة ويردد «ليس لدينا بديل آخر».

النظام يستعين بخبرة «حزب الله»

قامت قوات الأسد بحفر نفق موازٍ بالقرب من قلعة حلب، وعند تفجيره قتل العديد من الثوار بما فيهم القائد الميداني إياد السقان، الذي تحول إلى عامل ميداني خلال الحفر. وبعد أن أصيب في رأسه لفظ أنفاسه الأخيرة في الموقع، وتناقش رفقاؤه طويلاً حول المكان الذي سيدفن فيه. فالمقبرة لا مكان فيها، لذلك كان عليهم إعادة استخدام قبر والدته التي توفيت قبل 16 عاماً. وفي حي الخالدية في مدينة حمص، الذي استعادته القوات النظامية بهجوم عبر الأنفاق. وتقول مصادر ميدانية إن «حزب الله» تولى مهمة كشف الأنفاق، لاسيما في دمشق وحمص، بعد الخبرة التي اكتسبها في التعامل معها جراء معاركه ضد إسرائيل في جنوب لبنان.

مع تسارع وتيرة الدمار في الحرب السورية، باتت المجموعات المسلحة المناوئة للأسد تعتمد على تكتيكات حرب الشوارع نظراً إلى تراجع التزويد بالسلاح والذخيرة. ويأتي ذلك في الوقت الذي تكاد فيه القوات الحكومية تفرض حصاراً خانقاً على أجزاء من حلب، كانت مجموعات المعارضة قد استولت عليها منذ فترة طويلة مع بدء التمرد ضد نظام بشار الأسد في عام 2011. وقد ينقطع الغذاء والدواء والوقود على نحو نصف مليون شخص، في مدينة كانت في يوم ما مركزاً تجارياً في سورية.

المسلحون الذين فقدوا أيضاً الأرض في شمال سورية لمصلحة تنظيم «داعش»، يعترفون بأن ليس لديهم الأسلحة لصد تقدم القوات الحكومية هناك. وسيكون فقدان حلب نكسة كبيرة لمسلحي المعارضة، سواء رمزياً أو عسكرياً، كونها المدينة المهمة التي يسيطرون فيها على مساحات مهمة.

ومع قدرة محدودة على التقدم في الخطوط الأمامية، لجأ المتمردون إلى حفر الأنفاق تحت القواعد العسكرية والمباني والطرق ووضع متفجرات، في محاولة لقتل بضع عشرات من الجنود في وقت واحد. كما أطلقت قوات المعارضة أيضاً صواريخ محلية الصنع غالباً ما تكون غير دقيقة على القوات الحكومية المتمركزة في بنايات حكومية، ما أسفر في كثير من الأحيان عن مقتل مدنيين. وفي هذه العملية، هم يساعدون على تدمير تاريخ سورية والبنية التحتية، فضلاً عن استهداف المدنيين، وبالتالي فإنهم يضعفون الدعم الشعبي لقضيتهم.

يقول النقيب أبوالبراء، وهو قائد ميداني في «الجبهة الإسلامية»: «لقد أصبحت حرباً تحت الأرض». وشملت الإصابات العديد من المواقع التي تعود لقرون خلت. وفي حلب وحدها تعرض 121 مبنى تاريخياً لأضرار أو الدمار، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية للعلوم والثقافة «اليونيسكو». وتقول المنظمة إن تفجيرات الأنفاق وضعت قلعة حلب العريقة والمباني المحيطة بها في خطر كبير وهي على وشك السقوط. ويؤكد قادة الثوار أنه لم يكن لديهم خيار سوى مهاجمة المباني التاريخية لأن القوات الحكومية تتحصن بداخلها. ويقول القائد الميداني عبدالكريم أبوفراس «نحن مستعدون لكل الاحتمالات، الأنفاق، السيارات المفخخة»، مضيفاً «كل شيء ممكن كي تستمر الثورة».

يذكر أن الأنفاق بدأت في ضواحي دمشق، ووسط مدينة حمص، ولكن في العام الماضي أدخل مسلحو المعارضة هذه الاستراتيجية في الشمال، وذلك باستخدام الأنفاق، ونسف فندق كارلتون القلعة، وهو معلم بني قبل نحو 150 عاماً، كما استهدفوا قصر العدل ومحكمة البلدية القديمة ودار أيتام غير مستخدمة. هذا بالإضافة إلى مقر قيادة الشرطة في حلب وقاعدة وادي ضيف العسكرية في محافظة إدلب.

يعد عادل ناصر مهندس الأنفاق في سورية، وقد استوحى ناصر الفكرة في صيف 2013 من صحافي فلسطيني كان يغطي عمليات الثوار. وأخبره الصحافي بضرورة حفر الأنفاق لأنها ضرورة لتحقيق «النصر»، مشيراً إلى استراتيجية «حماس» في غزة.

قبل أشهر كان المسلحون في وضع أفضل عسكرياً، ولكنهم الآن يفتقرون إلى الأسلحة المتطورة اللازمة لهزيمة القوات الحكومية. وتهدف نحو 500 مليون دولار، وافق عليها الكونغرس الأميركي، لتدريب وتسليح المعارضة السورية من أجل قتال تنظيم «داعش» وليس لهزيمة الأسد. وتفتقر المعارضة أيضاً إلى التمويل الدولي بالسلاح، وبعد تعرضها للعديد من الهزائم في ساحة المعركة، تزايد القلق في صفوفها بمنطقة حلب. وفي حين تضاءلت ثرواتهم تزايدت هجمات الأنفاق.

واستهدفت دار القضاء التاريخية، حيث وقف محامون محتجون عقب اندلاع الثورة في 2011، وقد استخدم قناصو الأسد المبنى لقتل الكثير من الثوار والمدنيين. ويقول القائد الميداني أبوالبراء «حاولنا اقتحام المبنى مرات عدة، وفقدنا الكثير من الرجال للاستيلاء على المبنى»، موضحاً «ثم قررنا أن الحل الوحيد يكمن في حفر نفق وتفجير المبنى». ويقول أبوالبراء إن الوسائل التي بحوزة الثوار تقليدية ولو كان بأيديهم أسلحة متطورة لما اضطروا إلى حفر النفق وتفجير المباني. واستغرق حفر النفق تحت دار القضاء ثلاثة أشهر، وبعد تفجير المبنى انسحبت قوات الأسد إلى الطرف الآخر من حلب، إلا أن تقدم الثوار مكلف جداً ويتعين تدمير مبنى تلو الآخر كي يتسنى لهم دحر قوات الأسد.

عندما اقتحم جنود الأسد المدن والقرى في الأيام الأولى من القتال، تركوا وراءهم تهديدات كتابية على الجدران، تقول «الأسد أو نحرق البلد». وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة للثوار بسبب دورهم في الهدم التدريجي لبلدهم، إلا أن يأسهم دفعهم نحو الاستراتيجيات المتطرفة.

ويقول المتحدث باسم الثوار، أسعد باشا «سندخل في حرب عصابات». أما القائد الميداني سمير زيتون فيقول «لقد بدأت بالفعل». وعلى الرغم من أن النظام لديه التفوق على الأرض وفي الجو، فإن قواته لجأت أيضاً لحفر الأنفاق، لمواجهة استراتيجية مسلحي المعارضة. وبعد تفجير قصر العدل، اكتشف المسلحون نفقاً شارف على الانتهاء بالتوازي مع نفق انفجر للتو. وفي حال انتظروا بضعة أيام، يقول باشا، سيتعرض الثوار للهجوم في موقعهم.

تويتر