تعتزم تحويل مقاتلي «الحر» إلى قوة فاعلة على الأرض لمحاربة «التنظيم» ونظام الأسد

واشنطن تراهن على «الجيش الحر» للقضاء على «داعش»

صورة

يقف المقاتل السوري السابق (محمد) فوق تلة مشيراً بإصبعه إلى بلدته قائلاً: «ذلك هو منزلنا ببابه الأزرق»، مضيفاً «لو عدت إلى هناك لتمّ إعدامي من قبل المتطرفين بتهمة (الكفر)». إنه يشير إلى عناصر تنظيم «داعش» الذي استولى على مناطق واسعة من سورية، بما في ذلك بلدة «تل عبيد» القريبة من الحدود مع تركيا. وقد تمكن «التنظيم» من التغلب على الجيش الحر في مناطق شمالية، ما أجبر عناصر الجيش الحر على الانسحاب.

شعور ناضج

اشتكى عمال سوريون اجتمعوا على المعبر الحدودي، والذين كانوا يخططون للعودة إلى بلادهم، أن الرواتب التي يتقاضونها في تركيا لا تكفي لمصروفاتهم. ولكن لديهم شعور ناضج حول المصير الذي يواجه دولتهم. ويقول (أبوجاسم ــ 30 عاماً)، الذي ينوي العودة إلى بلدته التي تقع في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم: «أعرف أن الأميركيين يقصفون داخل سورية و(داعش) يسيطر على أراضٍ في الجانب الآخر. ولكن إن حصل لي شيء ما، فإنني على الأقل سوف أموت على أرضي»، مضيفاً «حالياً أخشى أن السلام لن يعود أبداً إلى سورية».

وكجزء من استراتيجيتها للقضاء على «داعش» أعلنت إدارة الرئيس باراك أوباما أنها تعتزم تحويل مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة إلى قوة فاعلة على الأرض لقتال «التنظيم» وحكومة بشار الأسد في آن واحد. ومرة أخرى تلتفت واشنطن للجيش الحر على الرغم من نقائصه العديدة، بما في ذلك انعدام الوحدة بين فصائله ووحداته، وعدم كفاءته القتالية وسجله السلبي في ما يخص حقوق الإنسان، فضلاً عن تحالفه مع من تصفهم أميركا بالراديكاليين.

وفي هذا السياق، صرح الجنرال الأميركي المتقاعد جون ألين، الذي عيّنه البيت الأبيض للمساعدة في تنسيق عمليات التحالف ضد المتطرفين، قائلاً: «في هذه المرحلة ينوي التحالف بناء الجيش السوري الحر بطريقة متماسكة، الأمر الذي يعطيهم القدرة والصدقية مع مرور الوقت ليكون لهم وزنهم على أرض المعركة». ولم يقدم المسؤولون الأميركيون لحد الآن تفاصيل واضحة بشأن نوعية التدريب الجديد، وفحص النظام الجديد، والأمل في المصالحة بعيدة المنال بين فصائل المعارضة المتناحرة.

وعلى الرغم من اعتراف الولايات المتحدة بعدم وجود تنسيق للضربات الجوية مع الجيش السوري الحر، يبدو البيت الأبيض مصراً على إعادة تأهيل الحر، وذلك من أجل السرية وتفادي تسرب المعلومات إلى المسلحين المستهدفين.

أظهرت لقاءات مع مقاتلين في المعارضة جنوب شرق تركيا حجم التحدي الذي يواجهه أوباما في إيجاد شريك عسكري فعال على الأرض يمكن الاعتماد عليه في سورية. وبات المقاتلون السابقون يتجولون حول الأرياف يحاولون كسب قوتهم كعمال وطباخين وأصحاب محال تجارية، ويتساءل بعضهم عن الخطأ الذي جرى منذ بداية الاحتجاجات التي اندلعت في الشوارع.

يقول (أبوعبدالله ــ 36 عاماً)، الملقب بزعيم الجيش السوري الحر في محافظة دير الزور شرق سورية، الموجود في مدينة سانلبورفا التركية: «هناك لعبة كبيرة تجري الآن ولا نعرف حقيقتها»، ويتساءل محللون ما إذا كان هناك أي معارضة معتدلة مازالت موجودة بالفعل ضمن مجموعة متباينة من المعارضين السوريين. ويتنوع انتماء المقاتلين بشكل كبير ويراوح من المحافظين إلى المتطرفين. ولايزال مقاتلو الجيش الحر يصرون على إسقاط نظام الأسد، ويجب أن يحتل ذلك الأولوية، على الرغم من تهديدات «داعش». ويقول المقاتل السابق في «الحر»، (محمد ــ 50 عاماً): «لماذا لم تحضر أميركا طائراتها عندما كان الناس يأكلون القطط في الغوطة؟».

في المقابل، يرى مؤيدون للجيش الحر أن الأخير خيار حيوي ووحيد كقوة برية ضد كل من «داعش» وقوات الأسد.

ومن أهداف واشنطن، حالياً، توحيد مصادر تمويل الجيش الحر. وعلى الرغم من المراقبة الدولية المشددة على المقاتلين الأجانب، يقول المراقبون إن العديد من قوات التنظيم تتألف من منشقين عن الجيش الحر ومجموعات أخرى من المقاتلين، ويعود ذلك في الغالب إلى أسباب مالية، وليس إلى قناعة شخصية. ومن الذين كانوا على وشك الانضمام إلى «داعش»، (مروان) الذي كان يقود فصيلاً في الجيش الحر، يروي (مروان ــ 25 عاماً): «أصابني الإحباط، إلى درجة أصبحت مستعداً للانضمام إلى (داعش)».

وغيّر مروان موقفه في النهاية، عندما رأى رفاقه محتجزين وهم مربوطون ويصفهم التنظيم بأنهم «مرتدون». وقرر الهروب إلى تركيا وهو مسار سلكه كثير من المتمردين وقادتهم. وفي حين تمكن التنظيم من طرد الجيش الحر من الشمال بشكل واضح، إلا أن كتائب الحر ظلت تسيطر على مناطق في جنوب البلاد وشمال غرب حلب ومحافظة إدلب. وقد ساعد مركزان للقيادة في تركيا والأردن، لا يعرف مكانهما بالتحديد، الجيش الحر على التنسيق مع أميركا ووكالات استخبارات تابعة لدول حليفة في حلب وإدلب، وذلك وفقاً لقادة المعارضة.

واعترف قادة الجيش الحر في وقت سابق بالتعاون المستمر مع مجموعة «جبهة النصرة»، المحسوبة على تنظيم «القاعدة». وقد خلفت الضربات الأميركية ضد مواقع النصرة بالقرب من حلب غضباً بين قادة «الحر».

يقول قائد مجموعة تابعة للجيش الحر، العقيد فارس بايوش، في منطقة حلب: «في واقع الأمر، لقد ألحقت الضربات في منطقتنا الأذى بنا»، مضيفاً «أصبح الكثير يوجهون لنا أصابع الاتهام ويقولون إننا خونة».

يرى قادة معارضون إن التحالف مع النصرة وفصائل المتمردين الأخرى أمر أساسي لنجاح الثورة والإطاحة بنظام الأسد. فكتائب الحر والمجموعات المعتدلة الأخرى ليس لديها ما يكفي من القوات لتفرض حصاراً على دمشق أو طرد «داعش» من معاقلها القوية.

من جهة أخرى، يرى محللون أن التربح يعتبر من المشكلات الكبيرة التي يعانيها الجيش الحر، ويشمل ذلك ابتزاز رجال الأعمال والاختطاف مقابل المال، لذا فإن وقف الفساد الذي أصبح ثقافة سائدة لن يكون أمراص سهلاً. ويقول بايوش، الذي كان ضابطاً عسكرياً قبل الانتقال إلى المعارضة: «أمراء الحرب لا يريدون سقوط النظام، لأنه إن سقط سوف يعودون بائعي أسطوانات غاز». وما دفع الكثير من السوريين لدعم وصول «داعش» في البداية، هو ميل الجيش الحر إلى الفوضى. ويقول محمد خليل، 25 عاماً، وهو سوري يعمل في معبر بالقرب من نقطة العبور الرئيسة من تركيا إلى محافظة الرقة التي تقع تحت سيطرة «داعش»: «على الأقل هناك أمن في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش».

تويتر