حملة أميركية مرتقبة محدودة التأثير على الأرض.. والحرب الأهلية ستستمر بلا نهاية في الأفق

مكاسب ضرب «داعش» في سورية تتأرجح بين النظام والمعارضة والأكــراد

صورة

عانى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، على مدى الشهرين الماضيين، انتكاسات في المعارك الدائرة في أنحاء متفرقة من البلاد، في ظل شكوك حول ما يجري في الدائرة المحيطة به، حيث إن الحرب الأهلية في سورية تستمر بلا نهاية في الأفق. ووفقاً لمحللين وحلفاء للحكومة السورية، الذين يقولون إنهم على اتصال مع المسؤولين في دمشق، فإن الأسد وحاشيته يعتقدون أنهم حصلوا على مهلة - على الأقل سياسياً - من إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما، أنه سيضرب تنظيم «داعش» بيد من حديد. بالنسبة للأسد ومستشاريه المقربين، يمثل القرار الأميركي انتصاراً لاستراتيجية الأسد طويلة الأمد: طمس أي معارضة معتدلة لحكمه، وإقناع العالم بأنه يواجه خياراً واضحاً بينه وبين المتشددين، الذين يهددون الغرب.

ظهور «داعش» أفسد إطاحة الأسد

هناك شعور من الاكتئاب والاعتقاد، لدى دبلوماسيين غربيين، بأن التركيز الجديد على «داعش» أفسد ما تبقى من الإرادة السياسية الغربية لإطاحة الأسد، أو تعزيز أي مشروع للتسوية السياسية في وقت قريب. وفي رده على سؤال عما إذا كانت الحكومات الغربية الآن ستنفق الكثير من الطاقة في تلك المشروعات، أجاب واحد من هؤلاء الدبلوماسيين، فضل عدم الكشف عن اسمه: «بالتأكيد لا، الأمر قد انتهى، وأنا آسف لقول ذلك».

لكن هناك مخاوف لدى النظام السوري من أن الغارات التي ستشنها القوات الأميركية، ضد التنظيم في سورية، قد تحمل معها بعض المخاطر الجديدة. ويقول المحللون المقربون من الحكومة السورية إن المسؤولين فيها غير واثقين من الطرف الذي سيستفيد من الحملة المرتقبة عسكرياً: القوات الحكومية، أو مقاتلي المعارضة، أو الانفصاليين الأكراد، الذين يواجهون أيضاً عناصر التنظيم. لا الجيش السوري ولا الجماعات المدعومة من الغرب الموجودة ضمن المعارضة المسلحة، تبدو قادرة على الاستفادة الفورية من أي إضعاف لـ«داعش» في المحافظات الشرقية: (الرقة ودير الزور)، على الحدود مع العراق، حيث يبسط سيطرته.

وفي ذلك يقول أمين حطيط، وهو عميد لبناني متقاعد مقرب من المسؤولين السوريين، والتقى بعضهم في دمشق، الشهر الماضي، إن الجيش السوري لديه فرصة ضئيلة، لاستعادة السيطرة على الأراضي التي خسرها أخيراً هناك، ويبدو أنه قد شطب الشرق من حساباته.

يقول أوباما إن مساعدات جديدة، لمسلحين تعتبرهم إدارته من المعتدلين نسبياً، سوف تساعد القوات الأميركية على الأرض في الحملة المقبلة ضد التنظيم. لكن جهود تسليح وتدريب المعارضة المعتدلة ستستغرق وقتاً، ومن غير الواضح ما إذا كانت ستنجح هذه المرة في الوقت الذي فشلت فيه الجهود السابقة في إنتاج قوة فعالة وموحدة.

ويقول المحلل العسكري في مركز «كارنيغي الشرق الأوسط» في لبنان، يزيد الصايغ، إنه من غير المرجح أن تطلق الولايات المتحدة، على المدى القريب، أكثر من ضربة محدودة ومدروسة بدقة ضد «داعش»، مثل قصف مواكب التنظيم، خلال تنقلها في الصحراء المفتوحة. يذكر أن عناصر التنظيم المسلح توزعوا، أخيراً، بين الأهالي في الرقة، ما يثير المخاوف من قصف المدنيين، الأمر الذي قد يزيد الدعم لهذا التنظيم. والواقع أن أقوى نقاط للمعارضة المسلحة قرب مواقع «داعش» تقع غرب محافظة حلب، وأيضاً الجيش السوري، وبالتالي فإن ضرب التنظيم سيصب في صالح الأسد، الأمر الذي يبدو أوباما غير مستعد للقيام به.

ويقول الصايغ «إذا لم تتمكن القوات الأميركية من القضاء على قادة التنظيم في سورية، فإن التأثير العسكري للحملة المقبلة سيكون محدوداً على المدى القصير، وربما المتوسط».

من جهة أخرى، قال صحافي في دمشق يعمل مع وسائل إعلامية موالية للحكومة، طلب عدم الكشف عن اسمه، عبر الهاتف، إن الحملة الأميركية المرتقبة لن يكون لها تأثير يذكر على الأرض، ويعتقد الكثيرون في الحكومة السورية أن الحملة صممت لأسباب سياسية، من أجل إظهار أن الولايات المتحدة تعمل ضد «داعش»، وأن الخطوة الأولى في أي جهد جاد من شأنها أن تجبر تركيا، حليف الولايات المتحدة والعضو في حلف الأطلسي، على وقف تدفق المقاتلين عبر حدودها.

وبترك التأثير العسكري جانباً، يأمل كل جانب تحقيق مكسب سياسي، احتمال ضربات أميركية يأتي في الوقت الذي تواجه فيه حكومة الأسد انتقادات علنية لم يسبق لها مثيل من المؤيدين للنظام، الذين اشتكوا عبر وسائل التواصل، ومقابلات مع صحف أجنبية، من عجز الحكومة أمام المسلحين، ونظم عدد منهم أخيراً تظاهرة نادرة في دمشق، مطالبين بإجراءات أقوى للإفراج عن الرهائن المحتجزين من قبل المتطرفين. وقد أنعش قرار أوباما، حسب صحافيين ومحللين سوريين، أعضاء في دائرة الأسد الضيقة، الذين يعتقدون أن النظام بات يواجه ضغوطاً أقل لتقديم تنازلات، وأن الغرب سوف ينحاز في نهاية المطاف للأسد ضد «داعش». وخوفاً من الانتقام، طلب جميع السوريين، الذين أجريت معهم مقابلات في هذا الصدد عدم ذكر أسمائهم. ومع ذلك لايزال الأسد يترأس بلداً منقسماً جغرافياً، ومرهقاً نفسياً.

قبل شهرين، كان أداء الأسد قد وصل إلى مستوى أعلى من أي وقت مضى، منذ أوائل 2012، بعد السيطرة على الممر الاستراتيجي الرابط بين دمشق والساحل. لكن هذه المكاسب التي حققها النظام، والمعنويات التي دعمتها تبدو الآن أقل صلابة. التقدم السريع لـ«داعش» وهزيمة جنود الأسد في ثلاث قواعد في الرقة، خلال الصيف وهروبهم في الصراع من دون سلاح، أصاب العديد من مؤيدي الحكومة بالسخط، متهمين الجيش بالتقاعس، وعدم إرسال المزيد من التعزيزات.

وتم تقاسم هذه الصورة على نطاق واسع في سورية، وشعر مؤيدو الحكومة بالصدمة، بعد أن تعودوا على رؤية صورة الجيش البطولية. ويقول شاب سوري، عبر الهاتف، من طرطوس «إذا خسرنا المزيد من الأراضي ستكون النهاية». ويضيف الشاب، الذي كان دائماً مؤيداً للنظام: «بعد ثلاث سنوات أرهق الجيش، وبات غير مجدٍ». وتقول شابة سورية مؤيدة للأسد «نحن نلعب على حافة بركان، العديد من الذين كانوا يحترمون الأسد أصبحوا غاضبين منه الآن، لأن صبرهم قد نفد». وقالت إن ابن عمها، وهو جندي، سجن لمدة ثلاثة أسابيع، بعد أن تحدث حول الهزائم الأخيرة.

واعتقل خمسة نشطاء مؤيدون للحكومة، أخيراً، بعد إطلاق حملة عبر الإنترنت عن الجنود المفقودين تحت عنوان «أين هم». ومع ذلك، فإن هذه الفتاة من طرطوس، والعديد من مؤيدي الحكومة الآخرين، يقولون إنهم لا يرون بديلا عن الأسد، لحمايتهم من «داعش».

ومع ذلك، يقول مسؤولون في الولايات المتحدة وبعض الدبلوماسيين الغربيين إن هناك أمل أن تؤدي الغارات الأميركية على «داعش»، جنباً إلى جنب مع مساعدات جديدة للمعارضة «المعتدلة»، إلى ممارسة ضغوط لتبني أجندة معتدلة، يمكن أن تخفف المخاوف بين أنصار الحكومة، خصوصاً ضمن الطائفة العلوية التي تشكل قاعدة الأسد. إن هؤلاء المسؤولين والدبلوماسيين يأملون أن يؤدي التحرك العسكري إلى طمأنة العلويين النافذين، أو حلفاء الأسد الرئيسين (إيران وروسيا)، بما يكفي لتشجيعهم للضغط على الأسد، من أجل التنحي أو تقاسم السلطة.

 

تويتر