مقربون من أوباما ينصحونه بإرسال مساعدات إلى معارضي الأسد منذ عامين

واشنطن تغيّر استراتيجيتها حيــــال سورية بسبب التهديدات الأمنية

صورة

تضمن خطاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في كلية «ويست بوينت» العسكرية، الأسبوع الماضي، جزءاً كبيراً من قائمة الأشياء التي لا يريد البيت الأبيض أن يقوم بها. إنه لا يريد الانسحاب من العالم، وفي الوقت نفسه قال الرئيس إنه لا يريد استخدام القوة العسكرية لحل جميع الأزمات، وأهم من ذلك، لا يريد أن يتعثر في حرب أخرى في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر، لكن هناك استثناء في عقيدة أوباما من ضبط النفس، والأمر يتعلق بالإرهاب. أوباما جاهز وعلى استعداد لاستخدام القوة العسكرية - بشكل غير مباشر إن أمكن ومباشر إذا لزم الأمر- ضد الإرهابيين الذين يشكلون تهديداً للولايات المتحدة. وقد وافق الرئيس أخيراً على تصعيد تدريجي، لكنه مهم في استراتيجية أميركا على ساحة المعركة الأكثر تعقيداً وخطورة حالياً، المتمثلة في سورية. هذا هو السبب، وإن سحب قواته من العراق وأفغانستان، الذي دفع الرئيس لإرسال مستشارين عسكريين إلى إفريقيا، وهذا هو السبب أيضاً، دون أن يلاحظه أحد تقريباً، أنه وافق على تصعيد تدريجي مهم في سورية..

أسوأ التوقعات

لم تتدخل الولايات المتحدة مباشرة وبشكل جدي في الصراع السوري، وعلى الرغم من ذلك فإن أسوأ التوقعات تحقق على أرض الواقع، فأكثر من 160 ألف شخص قتلوا، فضلاً عن ملايين المشردين والنازحين داخلياً وخارجياً، في الوقت الذي تقوم فيه جماعات تابعة لتنظيم «القاعدة» بتأمين مناطق لهم، قد تصبح لاحقاً منطلقاً لشن هجمات ضد أهداف غربية في أوروبا والولايات المتحدة. والأسد الذي أصبح أقوى مما كان عليه من أي وقت مضى، سلم جزءاً كبيراً من أسلحته الكيماوية، لكنه مستمر في شن هجمات كيماوية وإلقاء البراميل المتفجرة المحشوة بالشظايا الحادة على المدارس والمخابز والمباني السكنية في الأحياء التي يسيطر عليها المتمردون. مع قليل من الصواريخ المضادة للدبابات والمحمولة على الكتف يمكن للمتمردين أن يوقفوا هجمات هذه المروحيات.

قبل عامين، عندما اقترحت وزيرة الخارجية آنذاك، هيلاري كلينتون، ومساعدوها على الإدارة الأميركية تسليح وتدريب الثوار المعتدلين، الذين يقاتلون نظام بشار الأسد، قوبلت الفكرة بالرفض من قبل أوباما. وقال إن المعارضين غير قادرين، وإنهم غير منظمين تنظيماً جيداً. والالتزام بقضية المعارضة قد يضع الولايات المتحدة على منحدر كثير الانزلاق، ينتهي بتدخلها العسكري.

بدأت الولايات المتحدة تزويد المعارضة السورية بكميات متواضعة من الأسلحة في العام الماضي. ويقول الرئيس الأميركي إنه يريد إرسال قوات أميركية إلى الأردن أو في دول أخرى بالقرب من سورية لتدريب وحدات المعارضين، على افتراض أن يوافق الكونغرس وبلدان أخرى على ذلك. ما الذي تغير؟ ليست فرص المعارضين المعتدلين في النصر في معركتهم ضد كل من الأسد و«القاعدة»، فبعد سلسلة من النكسات العسكرية، هؤلاء المعارضون هم في وضع أسوأ على أرض الواقع مما كانوا عليه قبل عامين. وبدلاً من ذلك، ما يثير القلق هو نمو الجماعات المتطرفة في سورية ــ بعض المتحالفين مع تنظيم «القاعدة» ــ الأمر الذي يؤثر بالتأكيد في قرارات أوباما.

في الأسبوع الماضي، أصبح رجل من ولاية فلوريدا المواطن الأميركي الأول الذي يلقى حتفه بعد تنفيذه هجوماً انتحارياً في سورية. ويقدم خبر وفاته تأكيداً للاتجاه، ما يصل إلى 70 أميركيا، وعدد يقارب ذلك من الكنديين ومئات الأوروبيين قد انضموا إلى الجماعات المقاتلة في سورية، وما إن يتم تدريبهم واختبارهم قد يعود البعض إلى بلدانهم للقيام بهجمات إرهابية في الداخل. ويقول مسؤول أميركي «لقد ترسخ في أذهاننا التهديد الذي يمثله المقاتلون الأجانب في سورية، وبعودتهم إلى الوطن فإننا نتحدث الآن عن قلق حول أمننا القومي». وبعد أن كانت سورية مجرد مأساة إنسانية وأزمة لاجئين، تحولت الآن لتصبح تهديداً ضمن الاهتمامات الرئيسة للرئيس أوباما، ما يبرر التدخل العسكري، وهذا لا يعني أن الأخير يخطط لتوجيه ضربات للمجموعات الإرهابية، يقول المسؤول الأميركي «لكن هذا الخيار يبدو الآن شرعياً من الناحية القانونية».

في الوقت الحاضر، تركز الولايات المتحدة على ترجيح الميزان في الحرب الأهلية، إذا كان ذلك ممكناً، من خلال توفير بديل لتنظيم القاعدة للشباب السوريين الذين يريدون القتال، والأهم، توفير المساعدين على الأرض لوكالات الاستخبارات الأميركية التي تقوم بمطاردة الإرهابيين المحتملين. لا يوجد على قائمة الأهداف نصر العسكري للمتمردين، حسب المسؤولين في البيت الأبيض، فهذا الأمر بعيد المنال في الوقت الراهن.

إلى الأسبوع الماضي ظلت آمال وتوقعات الرئيس منخفضة، إذ قال إن هناك حدودا لمدى سرعة تحركنا في سورية «ما لا نريد القيام به هو قطع وعود لا يمكننا الوفاء بها». مضيفاً أنه ربما يمكن أن تحول الولايات المتحدة الميزان إلى مصلحة حل سياسي.

هل شن أي رئيس مهمة عسكرية دون وجود أهداف محددة بعناية؟

بالطبع، ما يقوم به الرئيس الأميركي هو محاولة البقاء بعيداً عن المنحدر الزلق باتجاه التدخل العسكري الكامل نيابة عن المعارضين. ويخشى المسؤولون أنه عاجلاً أو آجلاً فإن جهة ما ستطلب من أميركا القيام بذلك. هذا النوع من الالتزام المحدود الذي يقدمه أوباما للمعتدلين السوريين يأخذ الولايات المتحدة نحو مستنقعات أخلاقية. ماذا بعد أن ندرب ونسلح المعارضين الموالين لنا؟ هل يتطلب ذلك أن ندافع عنهم من المذابح في حال خسروا؟

لقد واجهت أميركا مثل هذا الوضع من قبل، فقد أرسل رؤساء سابقون مساعدات إلى أحد الأطراف في حروب ماضية، ليندموا على ذلك في ما بعد، في حال خسارة الحلفاء. سقوط سايغون عام 1975 كان هزيمة ساحقة لواشنطن، لكنه لم يكن بتلك الأهمية حتى بعد عقد على ذلك. وانهيار نظام جوناس سافيمبي في أنغولا، الذي كان يلقى دعماً كبيراً من قبل الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، أصبح أمراً طي النسيان الآن.

مع تقديم مساعدات أميركية للمجموعات المقاتلة، فإن الحرب الأهلية السورية مرشحة للاستمرار سنوات قادمة، مع ما يرافق ذلك من تقسيم البلاد إلى إقطاعيات طائفية، لكن ذلك يمكن أن يحدث دون مساعدة الولايات المتحدة. كان على أوباما أن يستجيب لهيلاري كلينتون، وليون بانيتا، وديفيد بيترويس، وأن يوافق على تقديم المساعدات العسكرية للمعارضين قبل عامين، وذلك قبل أن يزداد عدد الجهاديين إلى هذا الحد، لكن أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً. ومن الممكن، وإن بدا أمراً متناقضاً، أن ينقذ تنظيم «القاعدة» ــ من خلال الاعتماد على الولايات المتحدة في القتال ــ المعارضة السورية الديمقراطية من أن تسقط سقوطاً تاماً.

دويل ماكمنوس كاتب ومحلل سياسي أميركي

 

 

تويتر