5 دقائق

الأقصى قبلة المسلمين الأولى وإليه تُشد رحالهم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

سيظل المسجد الأقصى بكل أبعاده الجغرافية همَّ المسلمين الأول في مسيرة حياتهم العُمُرية، فهم يعلمون أنه قبلتهم الأولى، ومسرى نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنه ثاني مسجدين بنيا على وجه الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين عاماً كما ورد، وإليه تشد رحالهم تعبداً لله تعالى، وترسماً لخطى نبيهم والأنبياء من قبله، عليهم الصلاة والسلام، وهم أهل الديانة الوارثة لديانات الإسلام السابقة، فهم الذين حافظوا على نقاوة دين الله فبقي الدين خالصاً لله وحده، بعيداً عن الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل، فمهما طغى فيه الغاصبون والظالمون فإن ذلك لن يؤثر على وضعه الإسلامي وحق أهله المرابطين فيه وفي ما حوله من الأرض المباركة، وحق المسلمين أجمعين فيه.

وكان حرِيًّا بالدول العظمى كأميركا على وجه الخصوص أن تكون حامية للعدالة وراعية لمصالح الشعوب، لا أن تكون غارقة في وحَل الظلم والطغيان، فإن هذا وإن كان مقيتاً من الضعيف، فإنه من القوي أشد مقتاً.

إن المسلمين أجمعين كما عبروا في مؤتمر نصرة القدس الذي انعقد يومي 17 و18 يناير الجاري والذي نظمه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين بالقاهرة، سيظلون أصحاب حق وحقيقة للأراضي المقدسة، ولن يفرطوا بقِيد أنملة من ذلك؛ لأنه جزء من تكوينهم الديني والعقدي، ولأنهم أولى الناس بنصر المظلومين والوقوف في وجه الظالم، فالمسجد الأقصى هو مسجد وليس كنيساً وليس مكاناً لهيكل مزعوم.

لقد كان هذا المؤتمر، الذي انعقد بمشاركة 86 دولة إسلامية ومسيحية، مفعماً بالطرح المؤثر من مختلف الديانات حتى اليهودية، فضلاً عن المسيحية أو الإسلامية على ما يجري في المسجد الأقصى من نكال بالأرض وتنكيل بالفلسطينيين من قبل الصهيونية العالمية الصليبية واليهودية التي احتلت الأرض المقدسة، وشردت أهلها ونكَّلت بالباقين منهم، بتواطؤ من دول الاستعمار والاستكبار، ومازال ذلكم التنكيل يتجدد بصور مختلفة وتواطؤ كبير.

وقد سمعنا من الصلف الصهيوني المتمرد على القرارات الدولية، وهي القرارات التي تعطي الشعب الفلسطيني حقه في أرضه، إلا أنها لم تجد سبيلاً إلى التنفيذ لعدم مبالاة العدو الغاصب بمثل هذه القرارات، لعلمه المسبق أنها قرارات نظرية ليس لديها من يجبر على تنفيذها، ولو أن قراراً واحداً صدر على دولة أخرى لتداعى العالم لتنفيذه، إلا أنه يقف موقف المتفرج إذا كان يتعلق بحق الفلسطينيين، وفي ذلك اختبار كبير للعجالة الدولية التي أخفقت إخفاقاً كبيراً في تنفيذ القرارات.

لقد عبر المؤتمر بلسان المجتمع الدولي المشارك فيه عن رفضه القاطع للقرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليه، وأن هذا القرار لا يساوي الحبر الذي كتب عليه؛ لأنه مصادم للقرارات الدولية التي بلغت 756 قراراً أممياً و86 قراراً من مجلس الأمن كانت أميركا نفسها مشاركة فيها، وموقعة عليها، فلم يكن لهذا القرار أي تأثير قانوني على واقع القدس العربية الإسلامية العاصمة الموحدة لفلسطين.

وقد وضع مؤتمر نصرة القدس لبناتٍ راسخةً لاستعادة الحق المغصوب، وكان هذا القرار الجائر هو المحرك للضمير العالمي الذي وقف ضده في مجلس الأمن، وهو المحرك للضمير الإسلامي للوقوف مع الشعب الفلسطيني المرابط في أرضه، وقد كان من مخرجاته إعادة التاريخ المقدسي للمناهج الدراسية في المعاهد والكليات الأزهرية، ووجه دعوة للدول أن تحذو حذوه لتبقى القضية الفلسطينية والقدس بالذات في وجدان كل مسلم، حتى يعملوا على استرداده طال الزمان أم قصر.

لقد تضمن البيان الختامي 15 فقرة مهمة لنصرة القدس الشريف ستجد طريقها إلى التنفيذ؛ لأنها صادرة من قلعة الإسلام الكبرى وهي الأزهر الشريف الذي يستوحي العالم الإسلامي منه أصوله الفكرية والتربوية.

ويبقى الدور على الساسة لتحقيق مقاصد شعوبهم في التحرر من دنس الغاصب المحتل الذي جثم على الأرض وهتك العرض واستحل الحرمات برعاية من دول زرعت الإرهاب وغذت أفكاره، وعملت على نشر الفوضى في العالمين العربي والإسلامي، وإن نصر الله قريب.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر