أبواب

قلب في حقيبة

أحمد حسن الزعبي

قفز قلبها من مكانه ليس فرحاً هذه المرة وإنما ضجراً، واختار الهجرة من حجرته الضيقة إلى صندوق محكم خارج الجسد، ما أصعب أن يثور عليك قلبك ويغادر ضجيج الصدر وتململ الأمعاء وحركة الرئتين الدؤوبة التي لا تتوقف ليستمع الى ضجيج الدنيا، ولسان حاله يقول: منذ التكوين وأنت تحمّلني همومك وأرضى، احملني على ظهرك مرة لتحيا أيها الإنسان وتؤمن كم هو ثقيل حملك.

سلوى حسين بريطانية من أصل عربي أجريت لها عملية نادرة أخيراً، اضطر الأطباء لينقذوا حياتها بأن يضعوا لها قلباً اصطناعياً خارج جسدها فيه بطاريات ومحرّك مضخة تدفع الهواء عبر أنابيب لدفع الدم داخل الجسد، قلبها الجديد يزن 6.8 كيلوغرامات لكن أخف كثيراً من ذي قبل، لأنه لا يحمل سوى معدّاته اللازمة، فلا مكان للكره والحقد في هذا القلب الميكانيكي الصارم.

لا تحزني يا سلوى إن كان قلبك في حقيبة، فقلوبنا كلها في «حقيبة»، المغتربون الذين يلوّحون لأحبتهم كل رحلة سفر يضعون قلوبهم في حقيبة وكم هي ثقيلة قلوبهم وكم هي ثقيلة تلك الحقيبة، اللاجئون الذين اقتلعت خطواتهم من أوطانهم عنوة يحملون قلوبهم في حقيبة، الباحثون عن رزقهم يحملون قلوبهم في حقيبة ويقفزون من رصيف إلى رصيف ومن مهنة الى مهنة، الفرق بيننا وبينك يا سلوى.. أنك فيزيائياً تحملين قلبك على ظهرك، وقد تصالحت مع هذا الظرف الجديد لأنه يمنحك الحياة بابتسامة، لكن فعلياً جميعنا نحمل قلوبنا في حقائبنا، حقيبة الخوف، حقيبة القلق، حقيبة القرار، حقيبة الرحيل، حقيبة البقاء، حقيبة المستقبل التي لا نعرف كم سيكون وزنها.

لو أننا نستطيع أن نخلع أدمغتنا أيضاً كما نخلع قفازاتنا، نريح أصابع التفكير قليلاً، نفركها، ندفئها بأنفاسنا، نضعها جانباً بالقرب من وسائدنا، دون ان تأخذنا إلى طرائق موحشة وملفات لا تحلّها كل برمجيات الدنيا وأحلام حافية تماماً من الحقيقة، نحزن لأننا فقدناها في بالون النوم أو نفرح أنها لم تنفجر في وجه واقعنا التعب من كل شيء.

لا تحزني يا سلوى إن كان قلبك في حقيبة.. فكل منا في قلبه حقيبة.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر