Emarat Alyoum

أحذية نامية

التاريخ:: 10 يناير 2018
المصدر:
أحذية نامية

لم أحظَ بحذاء على مقاس قدمي طيلة مسيرتي الدراسية، الممتدة من الابتدائي إلى الثانوي، فقد كان الأهل يراهنون على أعمار أحذيتنا أكثر من رهانهم على أعمارنا نحن، لذا عادة يشترون لنا أحذية أكبر من مقاسات أرجلنا بثلاث إلى أربع «نمرٍ»، كي يعيش معنا الحذاء مدّة أطول، دون أن يأخذوا بالحسبان أن الأعمار بيد الله؛ أقصد أعمارنا نحن، فقد نودّع الدنيا قبل أن نفرح بحذاء على المقاس.

في الصف السادس آل إليّ حذاء رجّالي، كان قد ضاق على أخي الأكبر فتقلّدته من بعده، كانت أصابعي الأمامية غائرة جداً في مقدمة الحذاء، وكعبي لا يلامس كعب «الكندرة» على الإطلاق، كأنهما على خصومة مزمنة، كلما مشيت به لحقت مؤخرة الحذاء بقدمي بشكل بطيء، على طريقة القاطرة والمقطورة، وأصدرت صوتاً مضحكاً يشبه «انفجار فقاعة العلكة».. تقدّمت بتظلّم شفهي إلى ولي الأمر، فجاء الرد: البس زوجاً من الجوارب الشتوية، ورغم أننا في عزّ الصيف فإنني قمت بذلك، لكن النتيجة واحدة، ففارق المقاس - على الأقل - «خمس نمر» على مقياس «كندرجي» حيّنا.. تقدّمت بتظّلم آخر، فكان الرد كالآتي: تستطيع أن تحشو مؤخرة الحذاء بالمحارم؛ ففعلت، ومضيت إلى المدرسة، وتركت خلفي من فتات المحارم ما يشبه درب التبّانة، الرفاق كانوا يعرفون مروري من المحارم الساقطة خلفي وكانوا يتنهّدون: أحمد مرّ من هنا.. لكن هذا الحذاء الكبير عاد إليَّ ببعض النفع والرجاحة، مثلاً لم أعد أستطيع الركض والمشاغبة والهروب من أسوار المدرسة، لأن الركض يعني تساقط فردتي الحذاء، وهذا مهين أمام الطلاّب، لذلك كان يمتدحني دائماً المدرسون بسبب مشيتي الوقورة الهادئة، وخطواتي الموزونة: انظروا إلى زميلكم.. كم هو وقور ومتّزن.. أنت محظوظ بعقلك الكبير يا أحمد.. كنت أرد على أستاذي في سرّي: آه لو تعرف أن سبب اتزاني حذائي.. لعلمت أن هذه السجايا الكريمة سببها حذائي الكبير لا عقلي الصغير!

قرأت قبل يومين عن شركة أميركية طوّرت حذاء ينمو مع الإنسان، ويكبر معه، وأنها تنوي توزيعه مجاناً للأطفال في أحياء كينيا الفقيرة.. ليتكم استعجلتم بـ30 سنة، لنعمنا بطفولة على المقاس على الأقل.. على كلٍّ لقد استقرّت أقدامنا وأحلامنا وتوقّف كلاهما عن النمو.

لو أن هناك أحلاماً نامية على غرار الأحذية النامية، تناسب مقاس الإنجاز، وتكبر معنا سنة بسنة.. لا نريد أحلاماً واسعة لخطوات صغيرة فتسقط بمنتصف الطريق، ولا نريد أحلاماً ضيقة لخطوات كبيرة فيجرح كعب العمر ويضاعف الألم..

نريدها على المقاس تماماً..

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .