أبواب

استفاقة!

أحمد حسن الزعبي

المرأة في البيت مثل القطعة الأولى في هرم «الليجو»، إذا تحركت من مكانها سقط كل شيء.

جميعنا نرى الأشياء بعين الاعتيادية دون أن نفكّر للحظة كيف أتت؛ الملابس معلقة في أماكنها، الأواني مصفوفة على رفوفها، واجبات الأولاد متابعة بالسطر والصفحة، قطع الأثاث نظيفة ومرتّبة، البيت دافئ وعامر ومضاء والحياة تسير على سكّة السكينة، نتأفف أحياناً من هذا الروتين القاتل ولا ندرك أن هذا الروتين بحدّ ذاته نعمة، وفي لحظة الحرمان المؤقت نتمنى أن يعود هذا الروتين كما كان ولو ليوم واحد، لا أحد يعرف الواجبات التي تقوم بها «قبيلة النساء» المتحدة في جسد الأم سوى عند افتقادها أو غيابها عن البيت، للحظة ما تحسّ أن كل شيء بات بحاجتها ويحن لوجودها بدءاً من نظرات آخر العنقود وليس انتهاء بصوت المدفأة الحزين آخر الليل، كل شيء تحسّه صار ثائراً، وغائراً، ومتوارياً عن الأنظار.

قد تدير مؤسسة كاملة لكن هذا لا يعني أنك قد تنجح في إدارة قرص «الغاز» لعمل فنجان قهوة، قد تكون متفوقاً في الحياة أمام الناس، لكنك فاشل في وضع الجورب في قدم ابنك الصغير.

يقول صاحبي أمام صالة العمليات كنت أنتظر خروج الطاقم الطبي بمنتهى الصبر والقلق، كلما فتح باب وخرجت ممرضة أو دخل مساعد وقفت على رجليّ، بعد دقائق طويلة من الانتظار فتح الطبيب الجراح الباب أزال الكمّامة عن فمه وطمأنني عن صحة زوجتي، الحمد لله هي بخير، لم أفلح في تجميع الحروف لشكره أو لسؤاله عن وضعها الصحي، يقول صديقي، سألته متى ستصحو من التخدير؟ قال الطبيب: ساعة ونصف الساعة على الأقل، عندها بقيت أمشي وأفرك يديّ وأشكر الله من كل قلبي على سلامتها، لم أكن أعرف أن حروف البيت الثلاثة ستكون أكثر بعثرة في غيابها، لم أكن أعي ما تقوم به وأنا العائد آخر النهار معتقداً أن مجرد التزامي بوظيفتي مجهود جبار ومهم ومنظم وعمل خارق، سألتُ الممرضة الخارجة من الصالة: «هل استفاقت من البنج؟» قالت: ليس بعد، بعد ربع ساعة إضافية سألت طبيب التخدير المغادر بعد أن أنجز المهمة، هل أفاقت من «البنج»، فعاد المعلومة نفسها.. أن المسألة بحاجة إلى بعض الوقت، مضت الدقائق أبطأ مما كان يتخيل وكأن أثقالاً قد وضعت في رجل عقرب الدقائق، نادتني إحدى الطبيبات المساعدات بعد أن أدركت قلقي، وأدخلتني إلى غرفتها، كانت تئن من ألم العملية وتأثير المخدر.

قالت الممرضة الأولى للثانية وهما تمهدان السرير وتضعان قارورة المغذي: يااااه كم يحبها، ما انفكّ يسأل عنها كل حين، كم هي محظوظة، اقترب منها قليلاً قبّل جبينها ثم قال لها: صاحية حبيبتي؟

الزوجة وهي تئن بين اليقظة والغياب: آه.. يعني.

الزوج: قميصي المخطط وين معلّق؟

الزوجة: آآه.. اممم.. بالخزانة الثانية.. آآآخ.. جنب الجاكيت الكحلي.

الزوج: ودفتر العيلة.. عشان نسجّل الولد.

الزوجة: آآخ.. آآه.. مدحوش بين رواية زمن الخيول البيضاء وكتاب نهج البلاغة.

الزوج: ألف سلامة.. لا تتعبي حالك المهم راحتك!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر