أبواب

أرجلٌ من خشب

أحمد حسن الزعبي

المشاعر مثل الملابس الموسمية، ما يصلح للصيف لا يمكن ارتداؤه في الشتاء.. بعضها يبقى مسدلاً على علاّقة الزمن حتى نبلغ خريف العمر، فنعرف تماماً ما الذي كان يحسّ به من سبقونا.

لم نكن نتجرّع نكهة القلق عندما كنا في أول الشباب، ولم نستدع مخزون الخوف إذا ما تأخّر أحد الآباء عن موعد عودته، فالحياة ماضية، ولابد لهذا الباب أن يفتح آخر الليل أو آخر الأسبوع لا فرق، فلا حاجة لكل هذه العاطفة النازفة.. عندما كبرنا فهمنا مذاق التوبيخ الذي كنّا نتلقاه فور عودتنا إلى البيت متأخرين، لم يكن توبيخاً على السلوك، وإنما كان صوت خراطيم إطفاء القلق وهي تطفئ نيران الوساوس والخوف علينا، الآن صرنا نستخدمها ونحسها ونتلوّع إذا ما فرغ الشارع من المارة، وتأخر الأولاد عن موعد قدومهم..

**

في المقهى ينظر الشاب إلى ساعته، ثم يمدّ رجليه تحت الطاولة حتى تصطدما برجلي صديقه المقابل، فيسأله الصديق: لماذا تنظر إلى الساعة؟ أتريد الانصراف؟ يجيب ببرود وهو يتفقد رسائل الـ«واتس أب» لا، أريدها أن تتجاوز الـ12 حتى ينام والدي.. إنه ينتظرني كل ليلة ليطمئن عليّ.. ليقفل الباب الخارجي، أحياناً أجده غافياً على «الصوفة».. أوقظه فيذهب إلى فراشه دون أن يسألني أين كنت، لذا اختصاراً لكل هذه الدراما اليومية أفضّل أن ينتصف الليل حتى أضمن نومه الأكيد في فراشه..

بالمقابل، وفي هذه الأثناء كان يتمشّى الأب أمام شرفة بيته، مقدّراً وقت الرجوع، كلما أضاءت سيارة أو توقف «تاكسي» يطالع النازل من المركبة، وعندما تحيد وجهة رجل العتمة يعود إلى المشي من جديد.. تتعب رجلاه من المسير القصير بين الشباك والباب، فيجلس على كرسي يقابل الشارع.. وعندما يغلبه النعاس يجرّ «ترابيزة» صغيرة ويضعها خلف الباب مباشرة ويسحب السجادة من تحتها..

عندما ينتصف الليل، ويعود الابن متأخراً، ضامناً أن الأب قد عانق سباته العميق، يدخل الباب، يجر الباب أرجل «الترابيزة» على البلاط فتحدث صوتاً قوياً، يصحو الأب، يرى ابنه قد دخل إلى البيت.. فيطمئن قلبه..

- الابن: من وضع هذه خلف الباب؟

- الأب: أنا..

- الابن: لِم؟

- الأب: أعرف أن قلبك لا يطيعك في إيقاظي فور عودتك.. لذا وضعتها، حتى تحدث جلبة فأراك؛ أنت تعرف أرجل الخشب لا قلب لها.. لذا أوكلت لها هذه المهمّة؛ أتمنى أن تكون قد قضيت سهرة ممتعة، تصبح على خير يا بني!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر