إلا قليلاً منهم

الدكتور علاء جراد

يوماً بعد يوم تزداد حياتنا تعقيداً وتحديات لم يسبق لها مثيل لأسباب عدة أهمها البعد عن المولى عز وجل، وكذلك التراخي في الالتزام بالقيم الحقيقية التي كانت تجعل لحياتنا معنى وقيمة وأهمها الترابط الأسري والعطف والتراحم والعناية بالآخرين، لقد أغرق أغلبية الناس في المادية والاستهلاك، ولم يعد الكبير يحترم الصغير ولا الصغير يوقر الكبير، لم يعد أحد يهتم بالآخر ولو شاهد الإنسان شخصاً يغرق بدلاً من أن يهب لإنقاذه سيهتم أكثر بتصويره وهو يغرق، أو ينشر الواقعة «لايف» على وسائل «الدمار» الاجتماعي.

•«لو تحملنا ما نكره وتركنا ما نحب لابتعدنا عن الشهوات والأطماع، وتركنا ما يوفر لنا متعة وقتية وندماً دائماً».

لماذا الإغراق في الدنيا وملذاتها والبعد عن الله وعما يسعد الإنسان في الدنيا والآخرة، للأسف فالأغلبية تسير وراء التوجهات ونحو الهاوية، وقليل دائماً هم من يرون الصواب ويتمسكون به سواء في ما يتعلق بالدين أو القيم الاجتماعية، وهكذا الحال دائماً قليل هم الذين يقاومون الخطأ، وفي المقام الأول يقاومون أنفسهم فيتحملون المشقة واللوم والاستغراب والاستنكار ونكران الجميل، إن أبلغ من وصف هذه الحال هو العلامة والعالم الدكتور مصطفى محمود، رحمه الله تعالى، في تدبره للآية رقم 249 من سورة البقرة، التي جاء فيها: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ}. فيمكن الاعتبار بقصة طالوت في حياتنا إذا اعتبرنا أن النهر هنا مثل الدنيا، وأن علينا التعامل مع الدنيا بالمنهج نفسه، أي لا نشرب منها ونملأ بطوننا ونكثر من الشرب، فنثقل ونتكاسل بل يكفي أن نغترف غرفة بيدنا تسد رمقنا. فننتصر على أنفسنا وشهواتنا، ونقاوم ما نحب ونتحمل ما نكره وهو جهاد النفس والتغلب عليها وعلى شهواتها، لو أن كل إنسان تدبر ذلك لما كان هناك فساد، ولعلم الفاسدون أن حسبهم ما يوفر لهم حياة كريمة، لا أكثر.

لو تحملنا ما نكره وتركنا ما نحب لابتعدنا عن الشهوات والأطماع، وتركنا ما يوفر لنا متعة وقتية وندماً دائماً، لاختلفت حياتنا وأصبحنا أقل طمعاً وجشعاً وأكثر تراحماً ورفقاً ببعضنا بعضاً، ولأنقذنا الكثير ممن فقدوا مستقبلهم بل ربما فقدوا حياتهم بسبب تركهم يعانون في صمت، أعتقد أنها فكرة جيدة أن نقف مع أنفسنا من فترة لأخرى لإعادة ترتيب أولوياتنا، وكذلك إعادة النظر في اهتمامنا بمن حولنا لأن البعض قد يتجاهل من هم أولى بالاهتمام ويضيّع جهده وطاقته مع الأشخاص الخطأ، وفقنا الله جميعاً إلى طاعته.

Garad@alaagarad.com

@Alaa_Garad

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر