كل يوم

المواطنون الأصليون في عالم «الديجيتال»!

سامي الريامي

خلُصت إحدى أهم الدراسات الأوروبية، حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الأطفال إلى نتيجة خطيرة، مفادها أن الكبار لن يصبحوا قادرين على التعامل، ولا التحكم، ولا التأثير في تفكير وعقليات الأطفال من فئة «المواطنون الأصليون في عالم الديجيتال»، وتعريف هذا المصطلح يعني أولئك الأطفال الذين ولدوا، وهم يمسكون مرضعة بيدٍ، وجهاز هاتف ذكي أو «آي باد»، أو «آي بود» بيدٍ أخرى، وهذا يعني بالضرورة أن كل من استخدم هذه الأجهزة، وهو خارج سن الطفولة ليس مواطناً أصلياً في هذا العالم!

وهذا الاستنتاج خطير للغاية، فالجيل المقبل لن يكون تحت سيطرة الأسرة، ولا المدرسة بل سيكون جيلاً مشوهاً مدمناً على أجهزة لوحية، خصوصاً أن الثورة المقبلة القريبة جداً هي ثورة الإنترنت المباشرة، التي لا تحتاج إلى شركة اتصالات للإيصال بها، بل إن كل هاتف ذكي سيكون متصلاً مباشرة بالإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، ودون أي فرصة للرقابة والتحكم، ما يجعل العالم بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات ومحرمات وتطرف وإباحية، تحت تصرف كل من يمتلك هاتفاً ذكياً، بغض النظر عن عمره!

وبكل تأكيد نحن في الإمارات لسنا بمعزل عن هذه التطورات الخطيرة، بل ربما نحن أسرع تأثراً بها من غيرنا، بحكم كوننا من أكثر الدول تطوراً في المجال التقني، ففي الإمارات مثلاً 80% من الصغار الذين لم يبلغوا سن 18 عاماً، يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، و25% منهم يستخدمونها لأكثر من أربع ساعات يومياً، ما يعني أنهم دخلوا إلى مرحلة الإدمان الخطير، و61% منهم من الإناث، ما يعني أن المشكلة متشعبة ومعقدة، ويعطي مؤشرات سلبية حول استخدام الشبكات بين الشباب وصغار السن، وبشكل ينذر بمخاطر جسيمة إذا لم نهيئ الأبناء ونحصنهم ذاتياً، للتعامل مع هذا الخطر والمرض التقني المعاصر!

الأجهزة الأمنية المعنية في الدولة رصدت تأثيرات بالغة الخطورة في المراهقين والشباب بل والأطفال، وحذرت خدمة الأمين بجهاز أمن الدولة في دبي من تعرض هذه الفئات لتأثير متدرج، من قبل جماعات متطرفة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، باستدراجهم إلى حوار يبدأ بحديث عادي حول الصلاة، على سبيل المثال، ثم يتطور لتتم السيطرة على الطفل أو المراهق بعد دراسة حالته الاجتماعية والنفسية، بل إن وسائل التواصل الاجتماعي صارت ساحة حرب حقيقية، وأداة للتجنيد من قبل جماعات إرهابية مثل «داعش»، وإن دولة الإمارات كانت من بين الدول المستهدفة بمؤامرات طالت دولاً أخرى، واستطاعت تفكيكها داخلياً!

كما رصدت شرطة دبي، وغيرها من الجهات المعنية في الدولة، أضراراً مباشرة تصل أحياناً إلى درجة التدمير الذاتي للأبناء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، منها استدراجهم إلى التصرف أحياناً بطريقة مخلة، وتصويرهم وابتزازهم، سواء من قبل أفراد أو من خلال تنظيمات تنفذ هذه الجرائم بدرجة كبيرة من الاحترافية، وقد انتبهت دول غربية كبرى إلى هذه المخاطر، حينما صدمت بانتحار مراهقين تعرضوا لضغوط نفسية رهيبة من قبل مبتزين عبر وسائل التواصل!

ومن بين الأضرار، كذلك، الانعزال التام عن الأسرة والمجتمع، والانخراط في علاقات مع غرباء يغرسون فيهم قيماً مختلفة وربما يستغلونهم لاحقاً، وتتفاوت الأضرار أحياناً بحسب طبيعة شبكة التواصل، فرصد من خلال «إنستغرام»، و«سناب شات» مثلاً، تورط أبناء ومراهقين ليسوا على دراية كافية بالمخاطر، في الكشف عن معلومات تخص أسرهم وذويهم، ما يجعلهم عرضة لجرائم مثل السرقة.

ورصدت الإدارة العامة لحقوق الإنسان حالات تفكك اجتماعي، وخلافات بالغة التعقيد بين آباء وأبناء، خصوصاً الفتيات، بسبب اندفاع المراهقين إلى الظهور عبر وسائل التواصل بطريقة تتنافى مع قيم المجتمع، معتبرين هذا حقاً لهم في التعبير عن أنفسهم، ووصل الأمر إلى درجة انقسام أسري، وسجلت حالات لمراهقات هربن أو ابتعدن عن أسرهن، بسبب تأثرهن بهذه الشبكات!

كل هذه المخاطر تحتاج إلى مواجهة، والمواجهة يجب أن تكون مجتمعية من جميع الجهات المعنية، والبداية يجب أن تكون في الأسرة والمدرسة، لنشر الوعي، وزيادة الجرعة التربوية للأطفال والصغار في المنازل والمراحل الدراسية المختلفة، حتى لو كان ذلك على حساب الحصص التعليمية، فالتربية أهم في عصرنا الحالي من أي شيء آخر!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر