5 دقائق

ثقافة الاختلاف

الدكتور علاء جراد

لقد خلق الله عز وجل الإنسان، وميّزه عن سائر المخلوقات، ومما ميز الله به الإنسان تفرد كل شخص عن الآخر، فكل إنسان يعتبر مختلفاً بقدر اختلاف بصمات أنامله، فلا يوجد شخصان يتفقان في كل شيء، فالاختلاف سمة الحياة، وعلينا أن نتكيف معه ونحترمه، فيسمع كل منا الآخر ويتقبله، مهما اختلفت وجهات النظر، ومهما اختلفت طرق العمل وأساليب التعامل. إن أحد أسباب فشل العمل ضمن فريق هي رغبتنا في العمل مع هؤلاء الذين يشبهوننا فقط، ويعملون بالطريقة نفسها التي نعمل بها، بل ولديهم طريقة تفكيرنا نفسها، والحقيقة أن هذا سبب رئيس للفشل.

إن الاختلاف يمكن أن يكون دافعاً للنجاح، إذا تم استغلاله والاستفادة به، بحيث يتم إبراز نقاط القوة لدى كل فرد في الفريق، والإسهام في تغطية نقاط الضعف، فكلٌ مُيسّرٌ لما خُلق له، ولا يوجد إنسان متميز في كل شيء، فكل منا لديه نقاط قوة، وفرص للتحسين والتطوير، وهناك اختبارات نفسية تسهم في تحليل الشخصية، ومساعدة الإنسان على التعرف إلى طبيعة شخصيته ومكوناتها، والاختلاف ليس في العمل فقط، بل في الحياة اليومية، فلا مناص من التعرض لمواقف نتعامل فيها ونتناقش مع أناس نختلف عنهم في التفكير والشخصية، وإن لم نتقبل وجهات نظرهم وطريقة تفكيرهم فسننتهي دائماً إلى طريق مسدود.

يقول المولى عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). (الحجرات: 13)، وقد حثنا الله سبحانه على التعارف والتقوى، فأكرمنا عند الله أتقانا، وليس أعلانا صوتاً أو أكثرنا مالاً أو جاهاً أو ظهوراً في وسائل الإعلام لتسفيه رأي الآخرين، فعلينا أن نتعلم أن نختلف، وأن ينحصر الخلاف في النقاش، وفي صلب الموضوع، وليس في التجريح، أو تسفيه رأي الآخر، أو التعرض لحياته الخاصة، أو اغتياله معنوياً، حيث أصبح من الشائع استخدام وسائل التواصل الإلكترونية ــ ولا أقول اجتماعية لأنها بعيد كل البعد عن الاجتماعية ــ في خدمة حملات التشويه، والاغتيال المعنوي للخصوم أو مختلفي الرأي.

علينا أن نتعلم الموضوعية، بل وتدريسها في مناهج المراحل الدراسية المختلفة، خصوصاً المرحلة الابتدائية، وعلينا أن نعلم الأجيال القادمة قيمة التسامح، واحترام الآخر، وأن رأينا صحيح يحتمل الخطأ، ورأي الآخر قد يكون خطأ يحتمل الصواب، كما قال الإمام الشافعي، وعلينا أن نعتبر بقول خالقنا عز وجل: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى). (المائدة: 8).

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر